مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: في قصر السلطان عبد الله بن إسماعيل… (الجزء الثاني)
وصلت سفينة القراصنة المغاربة إلى شاطئ سلا في آخر يوليوز 1731… ابتداءً من ذلك اليوم، ستنطلق معاناة الأسيرة الهولندية، ماريا، التي دامت 12 عاما في المغرب… بدايات هذه المعاناة كانت من قصر السلطان، عبد الله ابن إسماعيل، كما سنعرف في هذا الجزء الثاني.
توقفنا في نهاية الجزء الأول عند وصول سفينة القراصنة المغاربة إلى شاطئ سلا في آخر يوليوز 1731. ابتداءً من ذلك اليوم، ستنطلق معاناة الأسيرة الهولندية، ماريا، التي دامت 12 عاما في المغرب… بدايات هذه المعاناة كانت من قصر السلطان، عبد الله ابن إسماعيل، وهي الحكاية التي نقصها عليكم في هذا الجزء الثاني.
تؤكد ماريا أنها كانت بخير طوال الإقامة بسلا، ولم تكن ورفاقها محرومين من أي شيء. وكما وعدها بذلك سابقا قبطان السفينة، أعطاها كيسا ضخما يحتوي على ملابس وحلي؛ وذلك لأنه في الحقيقة، اعتقد أن السلطان سيحتفظ بماريا لديه.
في الـ12 من غشت 1731، اقتيدت ورفاقها إلى مدينة مكناس التي كانت عاصمة حينذاك، حيث استقبلهم بيتر، رئيس معشر الأسرى الهولنديين… لاحقا، توسط كهنة المدينة لدى الباشا لتقطن لدى امرأة إسبانية استقبلتها بحفاوة أول الأمر.
ثم في الـ17 من غشت، استقبلهم السلطان (عبد الله بن إسماعيل) وأعفاها من الخدمة الملكية كما أعفى زوجها لأن مرضا ألم به، فيما ظل الآخرون لديه وانكبوا فورا على العمل.
“حين وجدتني داخل غرفة الملك حيث كان مضطجعا، كان رفقته 50 امرأة في غاية الجمال، مطليات الوجوه، ولابسات كما معبودات ذوات جمال استثنائي، وكانت كل واحدة منهن تمسك بآلتها الموسيقية، وكن تعزفن عليها، وتغنين لحنا في غاية الروعة لم يسبق لي قط أن سمعت مثله”.
بعد أيام، مات زوج ماريا. كان عليها أن تتزوج لأنها فكرت: “لا ينبغي علي الانتظار، بل ينبغي الاختيار بإلحاح قبل أن يهبني الملك لأسرى أجانب”.
كانت صعوبة اختيار الزوج تتمثل في عدم وجود أي كاثوليكي بين الأسرى الهولنديين، بينما كانت هي كذلك… هكذا، وقع اختيارها في الـ9 من شتنبر على رئيس الأسرى الهولنديين نفسه.
فاتحته في الموضوع، وبعد إلحاح قبِل بتغيير مذهبه فكانت ماريا سعيدة بذلك.
اقرأ أيضا: العكاكزة: قصة طائفة مغربية جعلت من الجنس الجماعي وزواج الكبيرة بالصغير طقوسا تعبدية 1\3
ذهبا إلى دير الكهنة، ووعدوها بأن يعملوا ما في وسعهم لدى الباشا ولدى القواد الملحقين بالسلطان، من أجل التوسل إلى الأخير، ليبارك زواجهما ويعمل على إبرامه؛ لأنه في الواقع، كان من المستحيل بالنسبة إلى النصارى الزواج في المغرب، كما تقول ماريا، دون أن يسمح السلطان بذلك لأنهم كأسرى، كانوا ذكورا وإناثا، مِلكا للسلطان.
غير أنها، حين عادت إلى بيت المرأة الإسبانية، استشاطت الأخيرة غضبا على خطوة ماريا لأنها كانت تود تزويجها بيهودي. لكن الأخيرة تقول: “الموت أهون علي من الزواج برجل آخر غير الذي اخترته أنا”.
لحسن حظ ماريا، تمكن الكهنة في أثناء ذلك من عرض قضيتها على السلطان، الذي استدعاها في الـ17 من شتنبر.
لكن صاحبة البيت، الإسبانية، حين علمت بذلك، انتزعت منها ثيابها وغيرتها بأسمال بالية حتى تظهر، كما تقول، على هيئة يرثى لها أمام السلطان لكونها كانت شابة جميلة حسب ذوق سكان المغرب.
هكذا، حملت قيثارتها وكلبها الصغير وراحت إلى السلطان، وبينما همت بدخول قصره، قال لها أحدهم إن السلطان قال له إنها إن تزوجت بنصراني غير ذلك اليهودي سيقوم بإعدامها.
رد ماريا كان واضحا إذ أجابته: “إن الملك يستطيع فعل ما يريده، لكنني لن أقبل زوجا نصرانيا آخر غير رئيس معشر الأسرى الهولنديين”.
اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1
تقول ماريا: “حين وجدتني داخل غرفة الملك حيث كان مضطجعا، كان رفقته 50 امرأة في غاية الجمال، مطليات الوجوه، ولابسات كما معبودات ذوات جمال استثنائي، وكانت كل واحدة منهن تمسك بآلتها الموسيقية، وكن تعزفن عليها، وتغنين لحنا في غاية الروعة لم يسبق لي قط أن سمعت مثله”.
وتضيف: “كانت أربع زوجات شرعيات للملك جالسات قبالته، كن تتلألأن ذهبا وفضة ولآلئ معلقة على أعناقهن تزن أرطالا، وعلى رؤوسهن أحجار دقيقة وتيجان من الذهب، وكانت أذرعهن مليئة بأسوار ذهبية وفضية، وكانت سيقانهن مطوقة بخلاخل ذهبية يزن كل واحد منها بضعة أرطال”.
حين عدن إلى السلطان، توسلته ماريا وأخبرته أنها حامل، وأكدت له أن قطع رأسها أهون عليها من أن تصير مسلمة… أكدت نساء السلطان ذلك، فتركها وشرعن في إطلاق الزغاريد. لكنه “لا ثقة في الملك، خصوصا وأنه كان طاغية. بالنسبة إليه قتل 12 نفرا قبل الفطور شيء عديم الأهمية”، تقول ماريا.
بدت ماريا في ذلك المشهد كالمتسولة على حد تعبيرها، ثم أوقف السلطان الموسيقى وأمرها بالاقتراب والجلوس، وطلب منها العزف قليلا… عزفت ساعة من الزمن، ثم حين كلمها بعدها، فهمت من كلامه أنه ينبغي عليها أن تدخل الإسلام وحينها ستكون زوجته.
حينها، جاءت امرأة استأذنت السلطان لكي تكلمه فأمرها بإدخال ماريا إلى الإسلام قبل أن تعيدها إليه.
تقول ماريا: “لم يكن لهذه المرأة عمل آخر سوى تزيين فتيات أبكار للملك فكانت تقدم له كل يوم جمعة فتاة بكرا… لم يكن يقرب من كن حوامل، لأنه بالنسبة له خطيئة أن يقيم علاقة مع النساء الحوامل”.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: قفة وشكارة أو… “ملي مشينا ف شكارة مقطعة”.
أمسكت تلك المرأة بماريا وسارت بها عبر عدة ممرات معتمة في القصر، حتى وصلت بها إلى حيث وجدت أربعة نساء، قالت لها إحداهن بإسبانية رديئة: “إن الملك كلفني لأدخلك الإسلام وستصبحين خطيبته، وإلا سيقوم بإحراقك وينتزع لحمك من جسدك بالملاقط، ويعمل على جعلك تموتين تحت أشكال التعذيب كلها”.
أجابت ماريا: “إن الموت أهون علي من أن أصير مسلمة”. فشتمنها وبصقن عليها وضربنها.
عدن بعد ذلك فألبسنها ملابس جميلة ووضعن تاجا على رأسها ونطقن الشهادة… لكنها أصرت على الرفض.
ولما أبرحنها ضربا، تظاهرت بأنها حامل ومريضة. عندها فقط تقول ماريا: “لاحظت أنهن بدأن يشفقن لحالي، فلم يهتمن بعد ذلك بإدخالي إلى الإسلام. جلسن بقربي وكأنهن يردن أن يقلن لي: أعانك الله”.
حين عدن إلى السلطان، توسلته ماريا وأخبرته أنها حامل، وأكدت له أن قطع رأسها أهون عليها من أن تصير مسلمة… أكدت نساء السلطان ذلك، فتركها وشرعن في إطلاق الزغاريد.
لكن ماريا تقول: “لكنه لا ثقة في الملك، خصوصا وأنه كان طاغية. بالنسبة إليه قتل 12 نفرا قبل الفطور شيء عديم الأهمية”.
اقرأ أيضا: “المخزن”: استخدام “الرمزية”… الجانب الخفي والأهم لممارسة السلطة وترسيخها (الجزء الثالث)
لاحقا، عادت إلى السلطان وجلست أمام باب غرفته تعزف على القيثارة، بينما كان بالداخل مرفقا بإخوته والباشا يأكلون البطيخ الأحمر.
أوقفها فأخبرته بأنها ترغب في الزواج ببيتر، فمثل أمامه الحاجب آمرا أن يأتوا به، وسأله إن كان بيتر يود فعلا اتخاذها زوجة له، فأكد ذلك وقال السلطان: “إن كان ذلك يرضي الله وجلالته، سأعطيها له، وينبغي عليه أن يعتني بها”.
نادى السلطان على بيتر، ثم قال له أمسكها من يدها، فعرفت ماريا أنه قد وهبها له ومن فرط سعادتها الغامرة، تقول: “نسيت أن أشكر الملك”.
كانت الشمس قد غربت حين غادرت ماريا وبيتر المكان متوجهين إلى دير الكهنة حيث تزوجا، حسب عادات المغرب كما تقول في مذكراتها… فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما سنعرفه في الجزء الثالث.
لقراءة الجزء الأول: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية (الجزء الأول)
لقراءة الجزء الثالث: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: عزل السلطان عبد الله بن اسماعيل وتولية أبي الحسن علي الأعرج (الجزء الثالث)
لقراءة الجزء الرابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: ماريا ورفاقها على أعتاب الحرية… لكن! (الجزء الرابع)
لقراءة الجزء الخامس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية علي الأعرج. تنصيب 4 سلاطين في نصف يوم (الجزء الخامس)
لقراءة الجزء السادس: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: مجاعة 1738/1737 (الجزء السادس)
لقراءة الجزء السابع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صار لماريا حظوة لدى السلطان… فهل سيفرج عنها؟ (الجزء السابع)
لقراءة الجزء الثامن: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: تصدع شمل الأسرى الهولنديين والعودة إلى الاستعباد (الجزء الثامن)
لقراءة الجزء التاسع: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: صراع السلاطين (الجزء التاسع)
لقراءة الجزء العاشر والأخير: مغرب القرن الـ18 بعيون أسيرة هولندية: نهاية 12 عاما من الاستعباد (الجزء العاشر والأخير)
هذه القصة إما كذبة أو أن ماريا لا تعرف ما تقول وحين وقعت في الأسر حصل لها إنفصام في الشخصية
والغريب أنها تصدق كل ما تسمع وما تسمعه ليس من شيم ملوكنا