التهمت آلاف الهكتارات من الغابات… المغرب في الرتبة الخامسة عالميا لأكبر الحرائق صيف 2022! 1/2
الخسائر تفوق 10 آلاف هكتار من الغطاء الغابوي (الصنوبريات والأرْزيات). وحسب معطيات رسمية، فإنها كانت موزعة على مجال إجمالي بلغ 122 ألف هكتار. سرّ الحكاية هنا أنه، لولا تمكن الفرق من محاصرة النيران وإخمادها، في وقت وجيز، لكان هذا العدد ارتفع إلى 100 ألف هكتار.
تمكّنت الجهود المتظافرة بين الفاعلين العموميين وطائرات “كنادير” وطائرات “توربو تراش”، من تطويق النيران، التي اجتاحت أقاليم شمال المغرب طيلة أسبوع كامل تقريبا، خلال نهاية الأسبوع الثاني من شهر يوليوز. لكنها، طفت إلى السّطح من جديد مباشرة قبل متمّ شهر يوليوز عينه. فما هي قصّة هذه الحرائق… يا ترى؟
في هذا الملف، تحاول مرايانا أن تفسّر كيف تشتعل النيران، مسبّباتها وكيف تتمّ مقاومتها…
شيء من التّفاصيل…
عبد العالي الطاهري الإدريسي، الإعلامي والخبير في التنمية المستدامة والانتقال الطاقي، يحاول تقديم تفاصيل عن الحرائق التي اندلعت في الأسبوع الثاني من يوليوز 2022، في أقاليم شمالية هي العرائش ووزان وغابة بني يدر بإقليم تطوان، إضافة لغابة “باب أزهار” في إقليم تازة، شمالي البلاد.
الطاهيري يقول إن السلطات المغربية أعلنت، يوم الجمعة 15 يوليوز 2022،على إثر هذه الحرائق، عن مقتل شخص واحد وإجلاء 1300 أسرة، إضافة إلى نحو 225 شخصا وإسعاف 420 آخرين، جراء حرائق غابات مستمرة منذ 3 أيام حينها.
الجهات الرسمية، حسب ما أورده الطاهري في حديثه لمرايانا، أعلنت أن الحرائق تسببت في إتلاف أكثر من ألف هكتار من الغابات، وأنها تمكنت من السيطرة على النيران في بعض المناطق، لكنّ النتيجة كانت أن النيران طالت 1250 هكتارا، وهو ما يشكل نصف الغابات بإقليم العرائش”.
الواضح أنّ ما ضاعف هذه الخسائر لتبلغ في المحصلة 10500 هكتار، هو الطبيعة المناخية، كما فسر ذلك الخبراء، حيث الرياح الشرقية وارتفاع درجة الحرارة، خصوصا بمنطقتي العرائش ووزان، ساهما في تعقيد مهمة فرق التدخل. وهذا الأمر ليس غريبا على المغرب الذي يشهد، على نحو سنوي، حرائق بالغابات التي تغطي نحو 12 بالمئة من المساحة الإجماليّة للبلاد، كما سبق والتهم واحات النخيل بالجنوب الشرقي.
لكن، نظرا لحساسية الوضع هذه المرة، فإنّ الدولة استعانت لأول مرة بطائرة “درون” تابعة للوكالة الوطنية للمياه والغابات، وذلك بغية رصد وتتبع بؤر الحرائق، وبالتالي تحديد أولويات التّدخلات الجوية والبرية بعد دراسة وتحليل الصور تحت الحمراء.
جراء هذا الحدث، خسر البلد بعد مختلف الحرائق، وإلى حدود الآن، حوالي 10500 هكتار وفقا للأرقام الرسمية المعلن عنها. لكنّ الأفظع أنّ الخبير المناخي محمد بنعبو يقول في حديثه لمرايانا إنّ الخسائر ليست على مستوى المنظومة البيئية الهشّة ببلدنا، بفعل تغير المناخ والجفاف، بل هناك خسائر في منازل السكان وفي ممتلكاتهم، مواشيهم التي تم فقدانها، فضلا عن الخسائر في الأشجار والفواكه والزيتون.
لعلّ هذا يوضح، وفق بنعبو، أنّ هناك فرقا واضحا بين حرائق هذه السنة وحرائق السنة الماضية، إذ كان هناك حريق كبير السنة الفارطة، في بداية شهر غشت في منطقة شفشاون، وامتد حوالي أسبوع، وتمكنت فرق التّدخل والمصالح المختصّة في احتواء الحريق، بعد خسارة… حوالي 1100 هكتار فقط!
الحرائق… ومسبباتها!
ذهب الخبير المناخي سعيد شكري إلى أنّ السبب الأول بشري، والآخر متعلّق بالتّغيرات المناخيّة التي تشكل جزءاً من الأسباب. يتقاطع معه في هذا الرأي الخبير البيئي مصطفى العيسات، رئيس جمعية البساط الأخضر.
العيسات، في تواصله مع مرايانا، يقول إن التغيرات المناخية، العائدة حصرا لارتفاع درجة الحرارة، تسببت في انتشار حرائق ناتجة، في الغالب، عن عوامل بشريّة خالصة، كاستعمال السجائر ورمي القنينات الزجاجية. هذه المواد قابلة للاشتعال في الفضاء الغابوي. هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام السلطات المحلية وقيامها بخطوات استباقية لتنظيف الغابات من المُخلفات البشرية، أو حتى المخلّفات الطّبيعية التي يمكنُ أن تكون قابلة لأن تشعل حريقا، كالنّباتات اليابسة مثلاً.
لهذا، يعتبر رئيس جمعية البساط الأخضر أنّ معدّل الحرائق في البلد ارتفع، ويبلغ حوالي 7000 أو 8000 هكتار، وهذا هو القدر الذي تحذّر منه المنظمات الدّولية. الأمر يستدعي، هنا، تدخّلاً عاجلاً من طرف المندوبيّة السّامية للمياه والغابات، فضلاً عن وزارة الداخلية؛ وذلك من أجل وضع استراتيجية أكثر نجاعة لحماية الثروة الغابوية. اندلاع الحرائق سنويا يحتم إعادة النظر في العمليات الاستباقية ويفصح عن مدى محدوديتها!
هكذا، تبقى الأسباب كثيرة وفق العيسات. “لهذا، فمشكل الغابات يتخذ طابعا عالميا، وليس حكراً على المغرب. كيف لا؟ وقمة المناخ أعلنت في نهاية 2021، عن ضرورة وقف إزالة الغابات بحلول 2030، وإنشاء صندوق لحماية الغابة، ترصد له 2,5 مليار دولار من أجل تعزيز الغطاء الغابوي على مستوى أوروبا وأمريكا وشمال أفريقيا”.
على الحكومة المغربية الانخراط في هذه السياسة من أجل توفير الدعم لحماية الغطاء الغابوي ومحاصرة مختلف الأسباب، وكذلك سن قوانين صارمة على استغلال الخشب في صناعات معينة، فبعض الدول لم تعد تستعمل الخشب في الصناعات المحلية وأصبحت تعتمد على إعادة تدوير بعض المواد لتعويض الخشب، في الصناعات المنزلية أو الصناعات التجارية.
في الختام، يوضح العيسات، بأننا “نحتاج إلى سياسة متوازنة لحماية الغابة أولاً، فليست الحرائق هي العدو الأكبر للغابات فقط، بل هناك الزحف العمراني والوعاءات العقارية، التي أصبحت تلتهم مساحات مهمة من غابات البلد. ذهنية العقاريّ لا تفكّر في الغابة وأهميتها، بل في الربح والرأسمال والاستثمار، والدولة هي التي ينبغي أن تساهم في ضبط زحف العمران على غاباتنا الخصبة؛ وأن تحاصر مافيا الأشجار التي تستغل شجر الأرز. هذا الشجر له قيمة اقتصادية كبيرة. وهذا ينبغي أن يكون ضمن استراتيجية مكافحة الحرائق، أي مواجهة كل المخاطر الممكنة”.
من جهته، يربط محمد بنعبو، الخبير في قضايا المناخ والتنمية المستدامة الحرائق بالتغيرات المناخية بشكل حصري، وبارتفاع درجات الحرارة الذي أصبحت تسجّله مختلف جهات المملكة المغربية.
لهذا، يقول المتحدث، إن انطلاق الحرائق كان بجهة طنجة تطوان الحسيمة، ثم انتقلت إلى جهة فاس مكناس، والأيام القليلة الماضية تابعنا حرائق بجهة مراكش آسفي، وجهة تارودانت، وهناك احتمال أن تعرف مناطق أخرى حرائق خطيرة خلال الأسابيع المقبلة، نظرا لكون موجة الحرارة أصبحت تدخل الآن منحاها القياسي في أواخر يوليوز وبداية غشت. فترة “الصمايم”، التي ستمتد إلى بداية شهر شتنبر تجعلنا في حالة تأهب دائم لأيّة حرائق ممكنة.
هذا الارتفاع في درجة الحرارة، يقول عنه بنعبو إن المغرب كان يشهده في سبعينيّات وثمانينيات القرن الماضي، لكن، هذه المرة، يطلّ علينا بكيفية غير معهودة؛ فمنذ بداية يوليوز إلى نهايته، لم تنخفض درجة الحرارة بمختلف ربوع المملكة. المديرية الوطنيّة للأرصاد الجوية رصدت درجات حرارة مرتفعة بعدة مناطق بلغت 46 – 47 – 48 – 49. لكنّ الفرق هذه المرّة، أن درجة الحرارة لم تنحصر في مناطق معينة، بل شملت حتى المناطق التي تسجل درجة حرارة منخفضة في الصيف، على غرار المدن الساحلية.
هنا، يعتقد المتحدث أنّ ما يقع اليوم في البحر الأبيض المتوسّط، من تغير المناخ، يؤكد الطّرح الذي قدمه تقرير “حالة المناخ” العالمي، الصّادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في غشت 2021. هذا التقرير حذّر من درجات الحرارة الاستثنائيّة التي سيعيشها العالم.
هذا الارتفاع سيكون طويل الأمد، خصوصا بحوض البحر الأبيض المتوسّط. مما لا شك فيه أن وضعا مماثلا تعقبه في العادة كوارث بيئية، كالفياضات العارمة والسيول، وجملة من المخاطر التي تكون فيها مخلّفات وخسائر كبيرة في الممتلكات والأرواح”.
إنها “حرائق عظمى” Mégafeux، تلك التي شهدها المغرب مؤخراً. وتقاسمت معه هذا المصير عدة دول أوروبية: فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا، وبلدان أخرى بالعالم. لكن الخطير، هنا، أن بيانات المرصد العالمي للغابات (Global Forest Watch)، تفيد أنّ المغرب هو خامس دولة في العالم عرفت أكبر الحرائق في صيف 2022. وهذا ليس ترتيبا عاديًّا، بل هو إحالة على خسائر فادحة في الغطاء الغابوي بالمغرب.
الخسائر تفوق 10 آلاف هكتار من الغطاء الغابوي (الصنوبريات والأرْزيات). وحسب معطيات رسمية، فإنها كانت موزعة على مجال إجمالي بلغ 122 ألف هكتار. سرّ الحكاية هنا أنه، لولا تمكن الفرق من محاصرة النيران وإخمادها، في وقت وجيز، لكان هذا العدد ارتفع إلى 100 ألف هكتار.
في الجزء الثاني، نقدم لمحة عن الخسائر التي تكبدها المغرب في تنوعه البيولوجي وخطر ذلك على التوازن البيئي، إضافة لمساءلة الاستراتيجية الوطنية لحماية الغابات وتدبير الحرائق، ومدى محدوديتها و… سبيل تطويرها.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- حريّة التازي صادق لمرايانا: المغرب له وعيٌ كامل بأهمية الماء، والظرفية تذكرنا أن المغرب بلد ندرة… 1/2
- كلميمة… برلمانيان من الأحرار والبام ومستثمرون يهددون المنطقة بالعجز المائي والعطش…
- هل المغرب مقبل على أزمة ماء حقيقية؟ 1\2
- المغرب وإشكالية الماء: كيف يمكن محاصرة إرهاصات الأزمة؟ 2/2
- أحداث فجيج : مرايانا تلتقط أصل محنة الفلاحين المغاربة! 1/2
- تقارير: المغرب بعيد عن المجاعة لكن التغيرات المناخية تهدد أمنه الغذائي!