الحرائق وخطرها على التنوع البيولوجي: هل ينجح المغرب في الحدّ من خطر الحرائق؟ 2 - Marayana - مرايانا
×
×

الحرائق وخطرها على التنوع البيولوجي: هل ينجح المغرب في الحدّ من خطر الحرائق؟ 2\2

“نحن نتحدّث عن الغابة، أي رئة الأرض ومتنفّسنا ومخزوننا من الأكسجين. الغابة تهدئة للتغيرات المناخية، وتلعب دورا أساسيا في امتصاص الغازات الدفيئة، وهي إمكانات مدهشة تمتلكها الغابة، يجب حمايتها لتحصين غطائنا الغابوي”.

تابعنا في الجزء الأول تفاصيل الحرائق التي التهمت غابات المغرب في شهر يوليوز الماضي (2022)، كما قدمنا الأسباب الممكنة لهذه الحرائق الجارفة.

في هذا الجزء الثاني، نرصد مدى تأثر التنوع البيولوجي والخطرة الذي يواجهه التوازن البيئي بالمغرب نتيجة الحرائق، كما نسائل استراتيجية المغرب في عملية مكافحة الحرائق، وكيف السبيل لتطوير هذه الاستراتيجية.

الحرائق: محنة التنوع البيولوجي 

اليوم نعيش ندرة في المياه وموسم جفاف أثر على النباتات والتنوع البيولوجي وحتى على التربة. ففي هذه الظرفية البيئية الحساسة، يمكن أن يلتهم حريق واحد عشرات الآلاف من الهكتارات في وقت وجيز جدا. لكن، هل نفقد الغابة فقط، أم هناك كائنات حيّة نخسرها بشكل يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي؟

يجيب مصطفى العيسات، رئيس جمعية البساط الأخضر، أنّ الغابة تعتبر أثرا مستداما. البعض يعتبر الغابة فضاء من الأشجار فقط، في حين أنها فضاء ينبض بالحياة وبالطّيور والحيوانات والحشرات والزواحف والنباتات. بهذا المعنى، السكان يسكنون الفضاءات الحضرية والكائنات الحيّة الأخرى تسكن الأماكن الغابوية، وهذا ما يشكل توازن الكون. كل هذه المقدّرات البيئية تهلكها ساعات قليلة من النيران. إنها خسارة مادية وبيئية وإيكولوجية، تزيد من إشكالية الاحترار العالمي.

العيسات يرى في تصريحه لمرايانا أننا، والحال هذه، مطالبون بزراعة العديد من الأشجار لامتصاص الغازات الدّفيئة، وثاني أكسيد الكربون وغيرها من عوامل ارتفاع درجة الحرارة. لكن، مع هذه الحرائق المهولة، هناك ثقلٌ فظيع يقع على البيئة، على مستوى الأرض عموما. نحتاج اليوم، عمليا، إلى عمل تضامني على كل المستويات، وتتدخل فيه جميع القطاعات: الحكومية وغير الحكومية، إضافة إلى المؤسسات التي تعنى بالمجال البيئي. يجب وضع استراتيجية وسياسات استباقية لحماية الثروة الغابوية عوض القول بوجود استراتيجية ناجعة، لأنالأحداث تبين أنه لا شيء موجود فعليا.

لحماية الغابة، يدعو رئيس جمعية البساط الأخضر للعودة إلى مخيمات الكشفية. “هذه المخيمات كانت تقوم بتنظيف الغابات بمساعدة السّلطات المحلية. لهذا، على الدولة أن تشجع هذه الكشفيات مجددا، وأن تدعمها وتجعلها هدفا من أهداف حماية الملك الغابوي. عملية التجنيد الإجباري لابد أن تكون فرصة لتعليم المستفيدين بأهمية الملك الغابوي، والإعلام بدوره والأنظمة التربوية… إلخ. الجميع يجب أن ينخرط في هذه الاستراتيجية.

برنامج مليون شجرة هي فرصة لكي يشارك فيها الطالب والجندي والمواطن والشرطي وغيرهم من المواطنين. كلنا مسؤولون تجاه الغابة، لكي نسترد ما ضاع منّا في أكبر غابة بأفريقيا تنطلق من جبال الريف وتنتهي عند منطقة بنسليمان: غابة معمورة”.

من ناحية أخرى، يحدد محمد بنعبو، الخبير في الشأن المناخي، أوجه الصعوبة التي قد تعترض عملية إنقاذ التنوع البيولوجي، قائلا إنه “في بعض الأحيان، نجد حرائق في مناطق جبلية وعرة التّضاريس، يصعب على المتدخلين محاصرتها، لا الراجلين ولا المركبات والشاحنات التي تكون محملة بالمياه تستطيع الولوج إليها.

هنا، يجب إعادة النّظر في الاستراتيجية الوطنية، لأجل إطفاء الحرائق، ولو أنّ المغرب اليوم يتوفر على إمكانيات هائلة لا من حيث طائرات “كنادير” التابعة للقوات الجوية، وطائرات أخرى من نوع “توربو تراش”؛ فضلاً عن طائرات “الدرون” المسيّرة من أجل التّتبع اليومي لبؤر الحرائق، وذلك بغية ترتيب الأولويات”.

يعد المتحدث التّنوع البيولوجي في خطر متواصل، لكون تغيّر المناخ أقوى من التأهّب، وهذا دون أن ننفي السّلوكات البشريّة، فحتى مع التوفر على استراتيجية للرّصد والتّدخل، يجبُ أن نشتغل كثيراً على العامل البشري، أي على المواطن وتوعيته بالظّرفية الحسّاسة التي نعيشها، وذلك لتطويق السّلوكات التي يمكن أن تكون مسببا لحرائق عظمى وكارثية.

حين نتحدث عن خسائر الكائنات الحية، يقدم بنعبو مثال الخسائر الفادحة التي حصدها مربّو النّحل في مختلف جهات المملكة، نتيجةً لموجة الحرائق الكاسحة، “وهذا مثال بسيط لما تتضمّنه الغابات من تنوّع. لا ينبغي أن نستخفّ بأثر الحرائق على التنوع البيولوجي، فأستراليا فقدت نصف مليار من مقوّمات التّنوع البيولوجي: حيوانات نادرة، طيور نادرة، مواشي، إلخ”.

يقول بنعبو في حديثه لمرايانا: هناك حيوانات تتوالد ونباتات تتجدد نظرا لكونها موجودة في أماكن أخرى، لكن النباتات أو الطيور النادرة أو المهددة بالانقراض، والتي توجد بالمغرب فقط، هي في خطر مضاعف أمام نهايتها المحتملة بسبب الحرائق. “نحن نتحدّث عن الغابة، أي رئة الأرض ومتنفّسنا ومخزوننا من الأكسجين. الغابة تهدئة للتغيرات المناخية، وتلعب دورا أساسيا في امتصاص الغازات الدفيئة، وهي إمكانات مدهشة تمتلكها الغابة، يجب حمايتها لتحصين غطائنا الغابوي”.

الخطير أننا عندما نفقد آلاف الهكتارات، نحن نفقد مئات الآلاف من الأشجار، التي ربما عمرت لمئات السنين، وهناك أشجار عمرها 400 سنة، والتي تقوم بأدوار مهمة في ضبط التوازن البيئي، من المُستحيل التريث لـ400 سنة أخرى حتى تصل إلى طبيعتها التيكانت عليها… قبل أن تُحرق.

لذلك، يجمل بنعبو بأنه “اليوم، إذا كان المواطن يستفيد من الفضاءات الغابويّة، بجميع أنواع الاستفادة، ونظرا لوجود ساكنة مجاورة تعتمد على الغابة كداعم اقتصادي، كاعتماد مجموعة من الدّواوير المجاورة على النباتات العطريّة، فهذه الحرائق يمكن أن تقتل النباتات العطرية بسرعة كبيرة، وهو بالتالي قتل لشكل من أشكال الثراء، الذي يعتمد عليه الطب والصيدلة والطب الشعبي. هذا الوضع يفقد الساكنة مورد رزق مهم. وهؤلاء الساكنة هم معنيون بحمايتها أكثر من أي شخص آخر، لأنهم يعتمدون عليها في تدبيرهم اليومي”.

لكن، بقليل من الواقعية، لا ينبغي أن نحمل الحرائق ثمن تدمير تنوعنا البيولوجي، بل الساكنة المجاورة للغابات يمكن أن تؤذيها أيضا، بالصيد الجائر الذي يقضي على مجموعة من الأنواع. أنواع اندثرت من الغابات المغربيّة نتيجة لهذا الصيد غير المرخص له. غير أنّ أمر الحرائق يدفعنا لمساءلة الاستراتيجية الوطنية لحماية الغابات وتدبير الحرائق.

استراتيجية المغرب… محدودة؟ 

يرى محمد بنعبو، الخبير المناخي، أن المغرب لديه استراتيجية متقدمة جدا، لا من حيث الجانب التقني أو الرقمي، خصوصا في ظل تواجد المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية. هذا المركز يساهم في وضع خرائط لليقظة، أي رصد المناطق التي تحتمل نشوب حرائق بها في الأسابيع المقبلة. وهناك تتبع رقمي عبر الأقمار الصناعية، بالتنسيق مع جميع الهيئات الدولية فيما يتعلق بهذه الأقمار، ككوبرتيكس الأوروبية أو النازا. وهذا التنسيق يخول للمغرب تحيين الصور لمعرفة كم تم فقدانه من الغابات، وكم يمكن أن يخسره، وذلك بغية وضع استراتيجيّة للتعويض.

في المغرب، نحن نشتغل على برنامج غابات 2030، الذي يراهن فيه البلد على غرس مليون شجرة كل سنة، لتعويض ما تفقده المملكة المغربية من أشجار وتنوع بيولوجي، مع مراعاة إكراهات التغيرات المناخية، لا من حيث الحرائق أو الجفاف أو ندرة المياه.

لذلك، يضيف بنعبو أنّ الواحات والغابات والسّاحل أو البحر المحيط، هي المناطق الطّبيعية الهشة التي تتأثر بالتغيرات المناخية. هكذا، يبدو أن الاستراتيجية الوطنية لحماية الغابات وتدبير الحرائق، تتماشى مع الوضع في شقه التقني والمعلوماتي. لكن الذي يبقى صعبًا، هو تبيئة تنسيق احترافي بين مجموعة من المصالح من أجل إطفاء هذه الحرائق أو احتوائها. نحن نجد في عين المكان لجان اليقظة، وفرق تدخل متعددة المشارب، والسلطات المحلية والدرك الملكي وطائرات القوات المسلحة الجوية والقوات المساعدة ورجال الوقاية المدنية والمجتمع المدني والساكنة، والكل مجنّد، وهذا ما قد يشتت التركيز.

محدودية الاستراتيجية تكمن في أنّ فرق التّدخل، بشتى أنواعها، تحاول التدخل دفعة واحدة، وكلٌّ يرى الوضع من جانبه. لهذا، يجب التفكير في حلول استباقية لمسألة الحرائق. حلول تتوافق مع السرعة التي تسير بها التغيرات المناخية. لم لا تكون لدينا نقط ماء متوفرة داخل الغابات لتسهّل عمل شاحنات تحميل الماء والطائرات، حتى تتعبأ بسرعة كبيرة بالقرب من مكان الحريق؟ التفكير في طرق تكنولوجية مبتكرة تسايرُ التغيرات الحاصلة في المجال البيئي ضرورة حتمية وملحة”.

في وقت يعتبر فيه بنعبو أن كثرة المتدخلين تشتت التركيز، يرى عبد العالي الطاهري، الإعلامي والخبير في التنمية المستدامة والانتقال الطاقي، أنّه، لولا هذه التّدخلات وتنسيق الجهود، لكانت الخسائر على مستوى الأرواح كارثيّة وقياسيّة. لكن العمل الجماعي بين مُختلف الأطراف، ساهم في الإسراع في احتواء الوضع ومحاصرة النّيران، رغم أنّها أتت على نصف الغابات بالعرائش… ففي النهاية كان العمل بطوليّا ومهنيّا.

الطاهيري يرى، أيضًا، أنّ الإعلام البيئي لا بدّ أن يلعب دورا في عملية التّحسيس، وأن يكون جزءا من استراتيجية المغرب لمكافحة الحرائق، فحتى وقت قريب لم يكن المغرب يتوفر على إعلام بيئي مختص، بمفهومه المهني أوعلى مستوى التكوين الأكاديمي كذلك. لكن اليوم، هناك مشروع تم إطلاقه يعنى بالإعلام الأيكولوجي، أو ما يسمى ببرنامج الإعلام الأيكولوجي الذي تم إطلاقه سنة 2020 بالمغرب.

هذا الإعلام، وفق ما يفسره الطاهيري لمرايانا، جاء لتغطية الحاجة إلى إعلام بيئي مهني مختص، أي كيف يمكن للصحافي أن يمتلك الأدوات ليكتب في هذا المجال العلمي التقني والأكاديمي. وذلك من خلال التركيز على تدبير النفايات والتثمين الطاقي والطاقات المتجددة ومحاربة التغيرات المناخية والاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، إلخ. لذلك، لابدّ لهذا الإعلام أن يكون محوراً ضمن استراتيجية التّحسيس البيئي والتّربية البيئية، فالمراهنة على المواطن مسألة أساسية، لكي نتجنب السلوكيات الخطيرة التي يمكن أن تهلك الغطاء الغابويّ والتّنوع البيولوجي”.

في النهاية، يتضح أن تطرّف المناخ سيزيد في إفراز ظواهره الخطيرة على البيئة، بما في ذلك تنامي الحرائق في السنوات القادمة… لكن، هل ستزداد جهود الوكالة الوطنية للمياه والغابات لمكافحة وتجنب الحرائق لتجنب هذه الكوارث؟ وهل ستفعل الدولة المغربية وباقي الدول توصيات وتعهدات “اتفاقية باريس للمناخ” لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة المساهمة في ارتفاع درجة الحرارة على مستوى الكون؟

مقالات قد تثير اهتمامك: 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *