فرنسا في إفريقيا: نظام الرعب… و اتفاقيات تقنين السرقة 3\7
فرنسا، وبمقتضى اتفاقيات بشعة، تستحوذ منذ 1961، على احتياطات العملة الأجنبية لكل من: البنين، بوركينافاسو، غينيا بيساو، كوت ديفوار، مالي، النيجر، السينغال، الطوغو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، الكونغو برازافيل، غينيا الاستوائية والغابون. تقدر بعض المصادر أن فرنسا، تستحوذ على أكثر من 500 مليار دولار من العملة القادمة من هذه الدول.
فرنسا تسمح لهذه الدول بالولوج فقط، إلى 15 بالمائة من هذه الاحتياطات في السنة. وفي حالة ما إذا كانوا بحاجة لأكثر من ذلك… عليهم أن يطلبوا قرضا من فرنسا، وأن يسددوه بفوائد السوق.
تابعنا في الحلقتين الأولى والثانية من هذه السلسلة، كيف أصرت فرنسا على تأبيد استعمارها لإفريقيا؛ وكيف تخلصت، بالانقلابات العسكرية والدموية، من كل القادة الأفارقة الذين حاولوا بناء بلدانهم باستقلال عنها.
تابعنا… بعض أثر الجريمة، وهي تخرج من أفواه رؤساء فرنسيين سابقين كفرانسوا ميتران وجاك شيراك، وتابعنا كيف لازالت فرنسا تواصل استعمار الدول الإفريقية عن طريق الدين الاستعماري والإتاوة… وعن طريق العملة الاستعمارية…
في هذه الحلقة، نواصل اقتفاء بعض خيوط الحكاية.
… ما قامت به فرنسا في النهاية، هو عبارة عن تأسيس نظام “غير إنساني” و”غير أخلاقي”. نظام، أدانه الاتحاد الأوربي نفسه، لكن…
فرنسا لا تبدو مستعدة بالمرة، للتخلي عن هذا النظام…
لا تبدو مستعدة للتخلي عن نظام يدر على خزينتها، أكثر من 500 مليار دولار في السنة، تأتي مباشرة من إفريقيا، لتستقر داخل (وزارة) الخزانة الفرنسية، دون تعب أو جهد.
فرنسا، ولتأبيد استعمارها لإفريقيا، لم تضع فقط “نظاما” سياسيا واقتصاديا يخول لها الاستيلاء على ثروات الدول. بل وضعت أكثر من ذلك، نظام “رعب”؛ فهم معه الكثير من القادة الأفارقة، أن مجرد التفكير في فك الارتباط بالمصالح الفرنسية، يعني الانقلاب… أو القتل.
منذ تلك اللحظة، صارت المستعمرات الفرنسية السابقة بإفريقيا، مستعمرات فرنسية أبدية، وصار الاستقلال… مجرد كلمة كتبت على ورق.
فرنسا… ربطت هذه الدول، باستعمار دائم، عبر فرض شروط “بلطجة” وإتاوات، شملت استعمار هذه الدول من خلال الـ (FCFA) أو ما يسمى بـ “فرنك المستعمرات الإفريقية الفرنسية”، ومن خلال النظام التعليمي، ومن خلال الاتفاقيات العسكرية والتجارية…
البلطجة الفرنسية، التي انطلقت مع سنوات الخمسينات من القرن الماضي، شملت، بحسب بنود اتفاقيات الاستقلال التي عقدتها مع الدول الإفريقية:
ـــ أداء الدول الإفريقية المستقلة لدين الاستعمار، مقابل ما اعتبرته فرنسا فوائد الاستعمار الفرنسي لهذه الدول.
ـــ المصادرة التلقائية للاحتياطات الوطنية: فرضت فرنسا على الدول الإفريقية، وضع احتياطاتها النقدية في البنك الفرنسي المركزي.
فرنسا تستحوذ منذ 1961، على احتياطات العملة الأجنبية لكل من: البنين، بوركينافاسو، غينيا بيساو، كوت ديفوار، مالي، النيجر، السينغال، الطوغو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، الكونغو برازافيل، غينيا الاستوائية والغابون. تقدر بعض المصادر أن فرنسا، تستحوذ على أكثر من 500 مليار دولار من العملة القادمة من هذه الدول. فرنسا تسمح لهذه الدول بالولوج فقط، إلى 15 بالمائة من هذه الاحتياطات في السنة. في حالة ما إذا كانوا بحاجة لأكثر من ذلك… عليهم أن يطلبوا قرضا من فرنسا، وأن يسددوه بفوائد السوق. (هذا الملف، سنناقشه بتفصيل في القادم من حلقات هذه السلسلة).
ـــ حق فرنسا في “رفض” استغلال أي مادة خام أو ثروة طبيعية يتم اكتشافها بهذه الدول: بمقتضى هذا الحق الذي فرضته على مستعمراتها، يكون لفرنسا الحق في دراسة وتقييم أي معدن أو مادة خام أو ثروة طبيعية تم اكتشافها في مستعمراتها السابقة، وفقط… في حالة عدم إبداء فرنسا “اهتمامها” باستغلال هذه الثروة، تحصل المستعمرة الفرنسية، على ترخيص بالبحث عن شركاء آخرين.
ـــ الأولوية للمصالح والشركات الفرنسية في الصفقات العمومية: في كل العقود والصفقات العمومية للمستعمرات الفرنسية، يكون ــ بحسب الإملاءات الفرنسية ــ من الواجب أن تكون الأولوية للشركات الفرنسية، وفقط في حالة عدم “اهتمام” الشركات الفرنسية بالصفقة، يمكن للمستعمرات الفرنسية البحث عن شركاء آخرين. ليس مهما أن يكون العرض غير الفرنسي أكثر أهمية وأكثر جودة وأقل تكلفة. لأجل ذلك، نجد الشركات الفرنسية مستحوذة على أهم شرايين الاقتصاد بمستعمراتها، مثلا:
في كوت ديفوار: تستحوذ الشركات الفرنسية على توزيع المياه، الكهرباء، الهواتف، النقل، الموانئ، الأبناك الكبرى، وعلى التجارة والفلاحة.
ـــ الحق الحصري في تزويد المستعمرات بالعتاد العسكري وتكوين الأطر العسكرية: عن طريق نظام معقد ومضبوط، يجمع بين “منح دراسية” و”اتفاقيات عسكرية”، يكون على المستعمرات الفرنسية إرسال أطرها العسكرية للتكوين في فرنسا، أو في مؤسسات يسيرها فرنسيون. بعض المختصين الأفارقة يعتبرون الأمر هنا، أشبه بتكوين خلايا نائمة تابعة لفرنسا، ليتم استغلالها وقت الحاجة.
ـــ حق فرنسا في إرسال جيوشها والتدخل العسكري في الدول، حماية لمصالحها: بالاعتماد على بند فرضته فرنسا على مستعمراتها، تحت مسمى “اتفاقيات الدفاع”، فرضت فرنسا على هذه المستعمرات حق التدخل العسكري بها، وحق نشر قوات فرنسية دائمة بالقواعد والحاميات العسكرية.
بعض المصادر تذهب إلى أنه، حين حاول رئيس كوت ديفوار الأسبق “لوران غباغبو” وضع حد للاستغلال الفرنسي للبلاد، رتبت فرنسا انقلابا عسكريا ضده، وخلال حرب طويلة للتخلص منه، تقول ذات المصادر، شاركت القوات الفرنسية مباشرة في الانقلاب، عن طريق مدرعات، طائرات، وقوات خاصة… وأنها قامت بإطلاق النار حتى على المدنيين.
ـــ فرض الفرنسية كلغة رسمية ولغة للتعليم: في مستعمراتها الإفريقية، فرضت فرنسا… الفرنسية كلغة رسمية، وكلغة تعليم. وقد تم من أجل ذلك، خلق منظمة تحت اسم “Francophonie”، وتم ربطها بعدد من الجمعيات والمنظمات، تحت إشراف ورقابة وزارة الخارجية الفرنسية.
ـــ فرض عملة (FCFA) الاستعمارية الفرنسية: كما تابعنا خلال حلقات هذه السلسلة إلى حدود الآن، تعتبر هذه العملة، هي الدجاجة الإفريقية التي تبيض ذهبا… خلال الاستعداد لبدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة، اكتشفت عدد من الدول الأوربية هذه الوحشية الفرنسية، وطالب بعضها ــ خصوصا دول شمال أوروبا ــ بوقف هذه الجريمة، دون جدوى. (سنواصل النبش في هذا الملف في القادم من أجزاء).
ـــ فرض إرسال الميزانية السنوية للمستعمرات والتقرير السنوي لاحتياطي العملة الأجنبية لفرنسا: في حالة عدم مد فرنسا بميزانية الدولة الإفريقية أو بتقريرها السنوي حول احتياطاتها النقدية، لن تتسلم أي فرنك من أموالها الموجودة بالبنك المركزي الفرنسي.
… من بين الشروط أيضا، نجد فرض فرنسا على الدول الإفريقية، التخلي عن عقد تحالفات عسكرية مع أية دولة، مالم ترخص فرنسا بذلك (المعطيات تشير أن الدول الإفريقية هي الدول التي لديها أقل عدد من التحالفات العسكرية الجهوية)، و… هناك أيضا، فرض التحالف على المستعمرات الإفريقية مع فرنسا في حالة الحرب أو الأزمات الدولية الكبرى.
هل انتهت الحكاية هنا؟
… أبدا، هي لم تبدأ بعد.
وهذا ما سنتابعه في الحلقة المقبلة من هذه السلسلة.
الحلقة الأولى: فرنسا في إفريقيا… دولة تسرق قارة
الحلقة الثانية: فرنسا في إفريقيا: نهب الثروات أو…الاغتيال والانقلابات
الحلقة الرابعة: فرنسا في إفريقيا: قارة تحت حكم العسكر… الفرنسي
الحلقة الخامسة: فرنسا في إفريقيا: الثروة والفقر في القارة… والأثرياء في باريس
الحلقة السادسة: فرنسا في إفريقيا: مع ماكرون… نهاية فرنك المستعمرات. كذبة أبريل فرنسية
الحلقة السابعة/الأخيرة: فرنسا في إفريقيا: في انتظار تحرير القارة من القمع النقدي الفرنسي
مواضيع قد تهمك:
- محمد الزرقطوني: رجل تجرع السم… ليحيا وطن! 2/1
- محمد الزرقطوني… رجل المثل العليا الذي وهب روحه الشابة دون تردد ليحيا الوطن 2/2
- معركة الهري: فلتسألوا الاستعمار الفرنسي عن… طعم الهزيمة! 1\2
- معركة الهري: المفتاح السحري… لأول هزيمة لفرنسا بإفريقيا! 2\2
- جميلة بوحيرد.. الجزائرية التي جلدت بنضالها مقصلة المستعمر الفرنسي! 2/1
- جميلة بوحيرد: نذرت شبابها لاستقلال بلدها، ثم حين استقل… تنكر لها! 2/2
- فرحات حشاد… أيقونة النضال التونسية
- الفرنكفونية في المغرب، لغة أم سلاح؟ 2/1
- الفرنسية والإنجليزية في التعليم المغربي: هيمنة اللغة… لغة الهيمنة؟ 2/2