صحراء مرزوكة… حين كشفت “السّياحة الدّاخلية” عن جمالٍ يُخفي كوارث تنْموية! (صور) 1\2
من علامات عزل منطقة مرزوكة وتهميشها سياسياً، أنه “ليس هناك خطّ جوّي رابط بين الخارج والمنطقة بشكل مباشر، إذ لا يستقبل مطار مولاي علي الشريف بالراشيدية الرحلات الجوية من الخارج، والدولة تقاعست وتماطلت في إيجاد حلول لرفع هذا الحيف على منطقة هامّة تستقطبُ سيّاحا من كل القارات والدول والجِنسيات واللّغات”…
لا تشبهُ شفشاون بزُرقتها؛ ولا مراكشْ باخضرار ربيعها؛ ولا البيضاء في ضخامتها؛ حتى الرّباط أو مكناس أو فَاس بمآثرها… لا تشبهها!
في الحقيقة، لا تشبهُ أي مكان آخر، وأي تشابه في الجوّ أو الرمال، فهو، فقط، من صدف الطّبيعة ربّما!
هي صحراءٌ قاحلة بالجنوب الشّرقي بتافيلالت. تبعدُ عن مدينة الريصاني بستّة وثلاثين كيلومتراً، وبمائة وثلاثين كيلومتراً عن الراشيدية.
هُنا، ليس ثمّة ما يلفتُ الانتباه… إلا أن تخرجُ عليك الإبلُ وأنت في طَريقك إليها، أو الرمال التي تمارسُ نوعاً من الحبّ معَ بصرك كلّما اقتربت، طيلة مسالكِ الاستفراد بالرّمال. تُبصرُ من بعيدٍ عرگ للا مرزوكة المرتفع صوبَ زُرقة السّماء يناديك للاقتراب، وكأنّها لوحة فنّية للمدرسة الواقعية تبحثُ عن سدرة المنتهى.
مرزوكة… لا تبخلُ عليك بصحاريها وأنت قادمٌ تحملُ متاعكَ تطلبُ الاستِجمام، فمناظرُ الرمال الممتدّة في كلّ الآفاق وحدها، تُخبرك بأنّ على هذه الأرض… ما يستحقّ الحياة، كما قال درويش.
حتى وأنتَ طالبٌ للعِلاج، فهنا دواؤُك من عديد الأمراض، سيما داء المفاصل والرّوماتيزم. إذ تنشطُ السياحة الاستشفائية في مرزوكة خلال كلّ صيف، ويحجّ إليها طالبو العلاج الطّبيعيّ في الحمّامات الرّملية من كلّ حدب وصوب!
من المستحيل أن ترقن “مرزوكة” في محرّك البحث، ولا تنبهر بسطوة تلك الرمال الذّهبية على العين، وكيفَ تأسِرُها!
لكن… هل تخيّلت أن يلتقي هدوء الجمالُ والرّونق البانوراميّ مع صراخِ التّهميش واللاعدالة المجالية؟
هذا ما بيّنتهُ زيارة مرايانا لمنطقة مرزوكة خلال الأسبُوع الأخير قبل رمضان. وذاك تحديداً ما سننقلهُ للقارئ في هذا الملفّ!
بين العالمية… و”المغرب غير النافع“!
عادت صحراء مرزوكة إلى الواجهة في الأشهر الأخيرة، بعد علو موجات السفريات المنظّمة التي تتخذُ من صحراء الجنوب الشّرقي وجهةً لها.
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي غاصّةً بالصّور والعروض التسويقية. بيد أنّ حظّ مرزوكة العاثر، جعل جمالها يقعُ في جهة… “مغضوب عليها” تنموياً.
تقولُ السّاكنة إن مرزوكة جنّة سياحِية، لكن الذّهاب إليها يكشفُ “عورة” العدالة المجالية، ويبيّن أن هناك بالفعل مغربٌ لم ينل نصِيبه من التنمية بعد، سيما حينَ تكون المدينة ذات أهمية سياحية يأتي إليها الكلّ من شتّى بقاع العالم.
لا توجدُ رحلة سياحية منظّمة للمغرب ولا تتضمّن زيارةً لمرزوكة.
“صحراء أسامر لم تنل أيضاً نصيبَها من تسْويق الإرث المادي واللامادي للمنطقة ومنتُوجها السّياحِي، كما هو الحال مع المدن “الإمبريالية” الأربع: مراكش، الدار البيضاء، الرباط، وفاس، بالإضافة إلى أكادير…”
من الأشياء التي يحدّثنا عنها المرشد السياحي محمد المغاري، أنّ مرزوكة، رغم أهمّيتها العالمية وحضورها في المشهد السّياحي الكونيّ، إلا أنها ظُلمت كثيرا، فتخلّت عن رداء التنمية رغماً عنها، وتخلّفت عن مضاهاة المدن السياحية الأخرى في لباس التسويق على غرار مراكش وأكادير.
يضيفُ المغاري في حديثه لـ مرايانا، أنّ الحِصار جعل المنطقة تصرخُ في صمتٍ ولا يسمعها المركز، لكأنها تعيشُ نوعاً من العُزلة، حتى أصبحت الأيام متشابهة، وكأن التاريخ متوقّف في مرزوكة ونواحيها.
نعمان، سائح من سلا، يبلغ من العمر اثنين وعشرين سنة، لا ينكرُ، خلال تصريح لـ”مرايانا”، أنّه انبهر بالأفكار التي يعبر عنها أبناء المنطقة، إلاّ أنه “من الغريب أن تكون مثل هذه المشاريع الجميلة والأفكار الرائعة في وسط جغرافيّ منسيّ، وعبارة عن قفر وخلاء، وقنوط ولا يبعثُ على الحَياة”.
يضيف نعمان أنّ “مرزوكة تتمتع بخصوصية هائلة، كتصاميم الفنادق المبهرة، والرقص بعد وجبة العشاء قُرب النّيران، والنّجوم المُتعاركة في السّماء ليلاً، وهي مشاهد من الصّعب أن تتكرر في مناطق أخرى… جمالية النجوم في المنطقة حين يدلي الليل خيوطه بالفِعل رهيبة”.
من جهتها، عبّرت، الوافدة من مكناس، مريم هربوز، عن “انبهارها بجمالية المنطقة. لكنّ الوَضع التّنموي الرّاكد فاجأها، أمام انعدام بنية تحتية جيدة في المنطقة، وكذلك غياب مَرافق للتّرفِيه”.
مرزوكة جنّة سياحِية، لكن الذّهاب إليها يكشفُ “عورة” العدالة المجالية، ويبيّن أن هناك بالفعل مغربٌ لم ينل نصِيبه من التنمية بعد، سيما حينَ تكون المدينة ذات أهمية سياحية يأتي إليها الكلّ من شتّى بقاع العالم.
مع ذلكَ، “لا يجدُ أبناءُ المنطقة متنفّسا إلاّ في العيش في هذا الخلاء نظراً للألفة التي تربّت في قلوبنا للصّحراء وإدراكنا عن قُرب لجمالية الحياة، رغم أن الساكنة غير راضية عن الوضع التنموي البئِيس”، وفق ما عبّر عنه لحسن تغلاوي، وهو إعلامي محلّي، لمرايانا.
لكن، كل هذه الاعترافاتُ بخصوصية المنطقة وجمالها، لا تُسقطُ عنها وصمةُ “التّهميش” و”الظّلم”، حيثُ تمارس الطبيعة حيفها على مرزوكة بفعل الجوّ، الذي تبيّنه قلة التساقطات شتاء، إضافة إلى الرياح والحرّ في الصّيف.
والحيف السياسي عامل آخر ينضاف إلى قسوة الطبيعة. حيف سياسي، يمكنُ اعتباره ترجمة لإرادة، وليس لظروف حتمية قاهرة. إنّ هذا التهميش، يعبّر عن رؤية المغرب للجهات غير النافعة، رغم أن مرزوكة، بشكل من الأشكال، هي منطقة نافِعة في رواج السّياحة العالمية وجلب العملة الصّعبة!
مرزوكة… المظلومة جوّا وسياسةً!
تعيشُ نسبة لا تحصى من أسر المنطقة على عائدات المجال السّياحيّ. لذلك، كانت الجائحة بمثابة ضربة قاضية أصابت مرزوكة بشلل نصفيّ فباتت دون حراك لمدّة عام ونيف، قبل توافد السياح المغاربة مؤخّراً.
محمد حمدان، حقوقي وفاعل جمعوي، يرى أنّه من علامات عزل المنطقة وتهميشها سياسياً، أنه “ليس هناك خطّ جوّي رابط بين الخارج والمنطقة بشكل مباشر، إذ لا يستقبل مطار مولاي علي الشريف بالراشيدية الرحلات الجوية من الخارج، والدولة تقاعست وتماطلت في إيجاد حلول لرفع هذا الحيف على منطقة هامّة تستقطبُ سيّاحا من كل القارات والدول والجِنسيات واللّغات”.
حمدان، يعتقد ضمن تواصله مع مرايانا، أنّ الدولة أيضاً لم تكن جدّيةً في وضع بنيات تحتية تليق بمنطقة تستقبل السياح من العالم بكامله، ومن ذلك أنّ استراتيجية القصور والقصبات ومشاريعُ التّرميم لم تستفد منها كلّ القصور، فظلّ الوضعُ معيوباً إلى أجل غير مسمى.
صحراء أسامر لم تنل أيضاً نصيبَها من تسْويق الإرث المادي واللامادي للمنطقة ومنتُوجها السّياحِي، كما هو الحال مع المدن “الإمبريالية” الأربع: مراكش، الدار البيضاء، الرباط، وفاس، بالإضافة إلى أكادير كذلك، يقول حمدان.
أكثر من ذلك، تتمتّع تافيلالت بمنتوجات نادرة للمستحثات. وهو ما يُشكّل كنزاً كبيراً ومُهما، ولكن الدّولة لم تستثمرهُ كما يجِب.
“لا يجدُ أبناءُ المنطقة متنفسا إلاّ في العيش في هذا الخلاء نظراً للألفة التي تربّت في قلوبنا للصّحراء وإدراكنا عن قُرب لجمالية الحياة، رغم أن الساكنة غير راضية عن الوضع التنموي البئيس”
في ذات السياق، يذهبُ محمد المغاري إلى أنّ الدّولة عموماً لم “تفصح عن رؤية شامِلة للنّهوض بالقِطاع السّياحي بمنطقة مرزوكة، وأول الأدلة أنها ليست صارمة تجاه الإرشاد السياحي بالمنطقة، كما مراكش مثلاً، حيثُ يتوجّب أن يكون المرشد معتمداً من طرف وزارة السّياحة”.
كخلاصة، يعتقد المرشد وابن المنطقة، أنّ صُورة عجز الدّولة تتضحُ أكثر، “في غياب قانون ينظّم نشاط المخيّمات الرّملية السياحية، إذ وزارة السّياحة تعتبر هذه المخيمات نوعاً من الأنشطة العشوائية، حاربت بعضها وأزالتها، ولكنّها أبانت في الوقت ذاته عن فشلها في تسطِير قانون تنظيمي، يكفلُ مصالح المستثمرين المحليين في المخيّمات، وصياغة سياسة تشاركية، عبر إقحام الفاعِلين في سَنّ القوانين التي تنظم عملهم، وكذلكَ في استشَارتهم في كلّ ما يخصّ الوضع السياحيّ بالمنطقة”.
الأنكى، حسب ما يظهر من تصريحاتِ الفاعلين، أنّ الدّولة ليست لديها أي استراتيجية لإعادة بناء القطب السّياحي، الذي انهار من جراء تداعيات فيروس كورونا. لذلك، حدَث أن فتَحت مِنطقة مرزُوكة أبوابَها أمامَ “السياحة الداخلية”، بشكل غير مسبوق.
فهل تُداوي السياحة الداخلية إلى مرزوكة الأزمة التي اختنق على إثرها مئات العاملين في السّياحة بأسامر؟
سؤال سنحاول الردّ عليه في الجزء الثاني من هذا الملفّ.
- الجزء الثاني: صحراء مرزوكة… هل تشفي “السّياحة الدّاخلية” جرح أزمةٍ لم يتوقّف عن النّزيف بعد؟ (صور) 2\2
مقالات قد تثير اهتمامك:
- السياحة الداخلية دواءً لأزمة كورونا… هل ينجح المغرب في رهانه؟
- كلميمة… برلمانيان من الأحرار والبام ومستثمرون يهددون المنطقة بالعجز المائي والعطش…
- في غياب حلول بنيوية… يصبح موسم الثلج كابوسا سنويا لبعض المواطنين في المغرب! 1\2
- جائحة كورونا وسوسيولوجيا الهامش
- تاريخنا المجهول: مدينة البصرة المغربية… قصة ثاني عاصمة للأدارسة (صور)
- أحداث فجيج : مرايانا تلتقط أصل محنة الفلاحين المغاربة! 1/2