جائحة كورونا وسوسيولوجيا الهامش - Marayana - مرايانا
×
×

جائحة كورونا وسوسيولوجيا الهامش

إنها تراجيديا نافية للحياة ومؤججة للغضب. زيف العولمة النيوليبيرالية أنها أوهمتنا بنهاية المجتمعات، ونهاية المشترك الكوني… وهي اليوم تتخبط في عدميتها.
إن أزمة كورونا في الواقع، هي فرصة أمام تحقيق التغيير.

عدنان نصري طالب باحث في علم الاجتماع. ماستر الهشاشة، الفاعلون والفعل العمومي

يعيش العالم اليوم حالة استثناء بكل ما للكلمة من معنى. فالكل خائف، والأوضاع الاقتصادية أصبحت في خطر، والسياسات العالمية تنحو نحو التغيير. كل هذا وغيره بسبب كوفيد 19 الذي لا يرى بالعين المجردة.

لكن ما يمكن اعتباره أكثر أهمية… هو الشأن الاجتماعي؛ فالمجتمعات كانت الأكثر تضررا بهذا الوباء.

لقد ظهرت اليوم، وبفضل كورونا، الفئات الأكثر نسبة في المجتمع، والأقل استفادة من خيراته في نفس الوقت. نعم إنهم الفقراء، المستضعفون، المقصيون، والمهمشون، والناس الأكثر هشاشة داخل المجتمع.

هذه الفئة داخل المجتمع، هي الفئة التي هضمت حقوقها ولا تستفيد حتى من أبسط الحقوق كالصحة والرعاية الاجتماعية.

كلنا أمام الفيروس أجسام عارية، وكلنا أمامه متساوون باحتمال الإصابة ومسؤولون على احتمال نشر العدوى بما هي تهديد لحياة الآخرين. ولكن التساؤل الأكثر أهمية حسب نفس الدراسة، هو هل كنا في حاجة إلى جائحة أخرى لنفهم أن الانتماء للإنسانية هو انتماء للمشترك، وأن جموح الخلاص الفردي لا يقود إلاَّ إلى الجحيم؟

نستحضر اليوم دراسة حديثة قام بها “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” تحت عنوان “سوسيولوجيا الهامش في زمن كورونا: الخوف – الهشاشة – الانتظارات”، حيث يقول الباحث ماهر حنين: “سواء اعتبرنا اللامساواة ذات دلالة اقتصادية تتعلق بالدَّخل ومستوى العيش بالأساس، أو وسَّعنا من دلالات التهميش والهشاشة، لتشمل المجال الترابي والمجالي والرأسمال الاجتماعي والرمزي وسياسات الاعتراف، فإننا نقف اليوم على مفارقة أننا نعيش أمام مطلب الوحدة أو ضرورة الاتفاق على نفس الإستراتيجية لمواجهة الوباء، وهي ضرورة صحية في خضم الانكسار الاجتماعي والفوارق بين مجتمع مهيكل ومجتمع أو مجتمعات متوازية لا تخضع بنفس الدرجة إلى آلية معممة”.

اقرأ أيضا: عبد القادر الشاوي يكتب لمرايانا: زمن كورونا المغربي… التخويف مقابل الغموض والجهل 2/3

حسب الباحث التونسي ماهر حنين، في أقل من شهرين، حوَّل فيروس لا مرئي “القرية العالمية” كما تصفها سردية العولمة، إلى قرية مذعورة، فالخوف هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس اليوم، لأن الطبيعة الناقلة للفيروس لا تتوقف أمام حدود أراضي تحميها الآلهة، ولا أمام أجسام محصنة بقوة السحر أو التَّعبد أو الحرس الشخصي، وهي كذلك لا تتوقف أمام الدول المالكة لأعتى الجيوش، ولا على حدود الفراديس الجبائية وجزر الأغنياء.

كلنا أمام الفيروس أجسام عارية، وكلنا أمامه متساوون باحتمال الإصابة ومسؤولون على احتمال نشر العدوى بما هي تهديد لحياة الآخرين.

ولكن التساؤل الأكثر أهمية حسب نفس الدراسة هو التالي: هل كنا في حاجة إلى جائحة أخرى لنفهم أن الانتماء للإنسانية هو انتماء للمشترك، وأن جموح الخلاص الفردي لا يقود إلاّ إلى الجحيم؟

الإجابة عن هذا السؤال وحدها، تكفينا عن النقاشات السياسية وغيرها حول العدل أو العدالة الاجتماعية؛ فعلى الدول إذن، أن تتدارك الخطأ الفادح حول إهمال شرائح كبيرة من المجتمع وإقصائها وعدم تمكينها من أبسط حقوقها.

على الدول أن تخلق سياسات تنموية فعالة، تهتم بالهامش وبالهشاشة بكل أنواعها سواء الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية … إلخ.

كره الفقراء والمهاجرين وبسطاء الناس وبناء الأسوار دونهم، لا يمنع البشرية من أن تجد نفسها أمام مشاكل مشتركة. تراجيديا غياب المشترك ونهاية المجتمعات وشرنقة الفردانية، هي تراجيديا قاتلة نشعر بها اليوم، ونحن بين سندان الفيروس ومطرقة التقشف كإملاء اقتصادي نيوليبيرالي غير ديمقراطي بالمرَّة

إذا كان هناك درس يجب الاستفادة منه من خلال هذا الوباء، فيجب أن يكون عدم تغليب الجانب الاقتصادي على الجانب الاجتماعي، بل القيام بالعكس، والاهتمام بالجانب الاجتماعي أكثر من الجانب الاقتصادي، لأن الجانب الاجتماعي فرض نفسه على أرض الواقع كما فرضت الطبيعة نفسها عن طريق فيروس كورونا.

اقرأ أيضا: أسماء بن العربي: وجاءت سكرة كورونا بالحق!

ما يجب استخلاصه كذلك، بلغة ماهر حنين من هذا “الفيروس العادل”، هو الصعود القوي مجدَّدا لفكرة المساواة، فالأغنياء، أفرادا وطبقات ودولا، لا يستطيعون حماية أنفسهم لوحدهم من الشر كله في عالم غير عادل.

كره الفقراء والمهاجرين وبسطاء الناس وبناء الأسوار دونهم، لا يمنع البشرية من أن تجد نفسها أمام مشاكل مشتركة. تراجيديا غياب المشترك ونهاية المجتمعات وشرنقة الفردانية، هي تراجيديا قاتلة نشعر بها اليوم، ونحن بين سندان الفيروس ومطرقة التقشف كإملاء اقتصادي نيوليبيرالي غير ديمقراطي بالمرّة، سيضغط منطقة الإنساني على الحكومات بأمر الأطباء، لترك المسنين ونسبة من المرضى يموتون لعجز ميزانية الدول على علاجهم.

والحال أن نفس السياسة العالمية، مكّنت دون حرج، 1% من أثرياء العالم، من تملك ما يقارب نصف ثروة البشرية جمعاء.

إنها تراجيديا نافية للحياة ومؤججة للغضب. زيف العولمة النيوليبيرالية أنها أوهمتنا بنهاية المجتمعات، ونهاية المشترك الكوني… وهي اليوم تتخبط في عدميتها.

إن أزمة كورونا في الواقع، هي فرصة أمام تحقيق التغيير.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *