من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب عن هاجر الريسوني: عزيزتي هاجر، فلتسقط إرادتك!
نحن لا نتعاطف مع الحرية الجنسية، وكذلك لا نتعاطف مع ضحايا الاعتداءات الجنسية! نحن لا نتعاطف مع الأم التي تجهض حملها، وكذلك نلقي الأطفال في القمامة بدون توقف، أو نصمهم اجتماعياً بدون توقف. نحن لا نسمح بتداول وسائل التحكم في الحمل أو وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ، ولا نقدم التوعية الجنسية الكافية للأفراد لأن تلك الموضوعات لا تناسبنا كمجتمعات محافظة.
انطلقت يوم الإثنين الموافق 9 سبتمبر/ أيلول الحالي أولي جلسات محاكمة الصحافية المغربية هاجر الريسوني، حيث وجهت النيابة العامة إلى الصحافية تهمتي الإجهاض غير القانوني وممارسة الجنس قبل الزواج!
حاولت كثيراً ألا أخضع لاستفزاز الكتابة للمرة الثالثة عن سيدة تتم محاكمتها في دولة عربية، وبتهمة غريبة! يتذكر القارئ مقالين سابقين كتبتهما عن محاكمة سيدات أخريات في المملكة العربية السعودية بتهمة قيادة السيارة، لتصبح هذه هي المرة الثالثة التي أكتب فيها مقالاً عن السيدات اللاتي يتعرضن للمحاكمة بتهم (غريبة)!
عزيزي القارئ، أعدك بمقال لا يرهق أعصابك، لكنه سيثير خيالك بعض الشئ…
تذكر الأخبار أن القانون المغربي يجرم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. بقليل من البحث، نكتشف أن القانون المغربي- نفسه- كان يعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج الجاني من الضحية، وأن هذا القانون المشين ظل قيد التطبيق حتي تم الغاؤه رسمياً في يناير 2014.
اقرأ أيضا: عبد الإله أبعصيص يكتب: إجهاض وطن… لنهاجر من أجل قبلة.
القضية تُنظر حالياً أمام القضاء، والكاتبة لا تسعي بأي حال من الأحوال لمناقشة قضايا جدلية تخص حق الحياة أو حرية شخص عاقل بالغ راشد في ممارسة الجنس الرضائي غير التجاري خارج إطار الزواج!
يستغل بعض المشرفين سلطاتهم اللامحدودة على الأطفال ويباشرون الاعتداء عليهم جنسياً، أو استغلالهم في تجارة الأعضاء… من سيبحث عن حقوق الأطفال مجهولي النسب؟ الا يكفيهم أننا نتحملهم في مجتمعنا وهم أبناء الخطائين؟
أعترف أنني أضعت الكثير من الوقت والجهد لإقناع الآخرين بقضايا أبسط وأقل مثاراً للخلاف، كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد، والحق في احترام معتقدات الآخرين الدينية… وهي أمور شديدة البديهية والبدائية.
ولما كانت قدرتي على الجدل والإقناع تتناقص مع التقدم في السن وتغير لون الشعر من الأسود للرمادي، والبشر من حولي لا يزالون في طور الجدل حول الحقوق الأساسية للإنسان، فبالتأكيد لن أتجاوز أعواماً ضوئية من تقبل الإختلاف في ظل عدم الاتفاق على القواعد الأساسية، لأحاول إقناعهم بالحرية الجنسية أو الحق في الإجهاض الآمن.
اقرأ أيضا: سناء العاجي تكتب: هاجر الريسوني وقوانين القرون الوسطى
عزيزي القارئ، أعدك بمقال لا يرهق أعصابك، لكنه سيثير خيالك بعض الشئ…
ماذا لو تعرضت هاجر للاغتصاب؟
هاجر تسير بمفردها في ساعة متأخرة، أو مبكرة. تتعرض للاختطاف من شخص أو مجموعة من الأشخاص ويتناوبون على اغتصابها.
تعيش هاجر في مجتمع محافظ يتعامل مع ضحية الاغتصاب بوصفها مجرمة ومسؤولة عما وقع لها، كما أن المستشفيات في محيط سكن هاجر قد لا تجيد التعامل الصحيح مع السيدات ضحايا الاعتداءات الجنسية.
كل الطرق تقود إلى تجريم هاجر، سواء مارست الجنس برضاها أو بدونه، سواء استمرت في حملها أو أجهضته!
قد تدفع الضغوط الاجتماعية هاجر لقبول الزواج من مغتصبها لدرء الفضيحة، أو لعلها تخوض معركتها ضد المغتصب وسط عدم تعاطف المجتمع معها بوصفها (هي السبب أو المحفز).
لسوء حظ هاجر، يقع الحمل جراء الاغتصاب، لتضطر هاجر إلي إجهاض الحمل الناتج عن الإغتصاب!
اقرأ أيضا: جريمة الاغتصاب: كيف يحمي القانون المغربي الطفل الناتج عن الاغتصاب؟ 3/3
لكن مهلاً! القانون المغربي يجرم الإجهاض، وبالتالي، سوف تتعرض هاجر للمحاكمة وعقوبة السجن!
هل يختلف الحال في هذا السيناريو عن الواقع، بخلاف أن هاجر لم تُجبر على ممارسة الجنس، وإنما مارسته برضاها وإرادتها؟
لكن إرادتك في مجتمعاتنا… غير ذات قيمة عزيزتي هاجر!
هاجر لن تلجاً إلى الإجهاض لأن الإجهاض مجرم، ومحرم:
الخيار الثاني أمام هاجر هو أن تحتفظ بالحمل لمدة تسعة أشهر، وتظل طوال الأشهر التسعة تسترجع الذكرى المؤلمة في كل لحظة، وهي تكره الطفل الذي تحمله داخلها.
تتعرض هاجر للوصم الاجتماعي بسبب كونها حملت خارج إطار الزواج. أي نعم، فإن الحمل قد حدث نتيجة لاغتصاب وحشي تم خارج إرادتها… لكن المجتمع قاسٍ لا يرحم، ولا يميز بين ما تم رضائياً وما تم بالغصب.
سوف تضع هاجر مولودها، ثم تسارع بالتخلص منه أمام ملجأ للأيتام، أو في مكب للقمامة، وتُخلي مسؤوليتها وتترك الطفل لمصيره!
هل تجد عزيزي القارئ أن الأمر اختلف كثيراً عن السيناريو الأول؟ فكر كثيراً قبل الإجابة!
اقرأ لنفس الكاتبة: ناشطات، ولسن سبايا ولا فاسدات 1\2
سيناريو آخر: وماذا عن الطفل؟
شاءت الأقدار أن يعيش الطفل داخل ملجأ لمجهولي النسب. سيتم التعامل معه طوال الوقت على أنه ابن غير شرعي، أو باللغة الدارجة (ابن زنا)… وسوف يظل موصوماً طوال حياته بهذه الوصمة التي لا ذنب له فيها.
المسؤولون في الملجأ شديدو القسوة والعنف، ولا يتورعون عن زجر الأطفال ومعايرتهم بكونهم مجهولي النسب.
يستغل بعض المشرفين سلطاتهم اللامحدودة على الأطفال ويباشرون الاعتداء عليهم جنسياً، أو استغلالهم في تجارة الأعضاء… من سيبحث عن حقوق الأطفال مجهولي النسب؟ الا يكفيهم أننا نتحملهم في مجتمعنا وهم أبناء الخطائين؟ أسنكون أحن عليهم من آبائهم وأمهاتهم الذين تركوهم وهم رضع أمام الملجأ في العراء أو في مكبات القمامة؟
حسناً، لن يحدث كل ذلك، وسوف يكبر الأطفال بدون الكثير من الدراما. سوف يصبحون شباباً وفتياتٍ رائعين، لكنهم مجهولو النسب… وسوف تطاردهم هذه الوصمة ماداموا أحياء!
لكن حمداً لله… لقد جرمنا الاجهاض، وأنقذنا حياة الأطفال… فقط كي يصبح لدينا فرصة لجعلهم يعيشون الأسوأ طوال حياتهم!
هاجر مجرمة في جميع الأحوال… لكن ما فائدة الإرادة؟
الأب المشرع الذي يحاكم هاجر بتهمة الإجهاض، قد يجبر امرأة على الدخول معه في علاقة بحكم النفوذ، ثم يجبرها مرة أخرى على إجهاض حملها بحكم النفوذ أيضاً… ثم يصدر عليها الحكم داخل قاعة المحكمة بحكم موقعة كمركز قوة.
كل الطرق تقود إلى تجريم هاجر، سواء مارست الجنس برضاها أو بدونه، سواء استمرت في حملها أو أجهضته!
حقيقة الأمر أنني حتى الآن، لا أعرف تحديداً بأي تهمة تُحاكم هاجر! أهي تُحاكم على خيار قامت به بكامل إرادتها الحرة؟ أم تحاكم على أنها لا ترغب في أن تنجب طفلاً تتخلص منه أمام ملجأ أو يعيش معها ومع والده بوصمة أنه ابن من علاقة غير شرعية؟
الموضوع مُربك بعض الشئ، ومربك لي أيضاً!
نحن لا نتعاطف مع الحرية الجنسية، وكذلك لا نتعاطف مع ضحايا الاعتداءات الجنسية! نحن لا نتعاطف مع الأم التي تجهض حملها (غالباً خلال الأشهر الثلاث الأولى)، وكذلك نلقي الأطفال في القمامة بدون توقف، أو نصمهم اجتماعياً بدون توقف. نحن لا نسمح بتداول وسائل التحكم في الحمل أو وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ، ولا نقدم التوعية الجنسية الكافية للأفراد لأن تلك الموضوعات لا تناسبنا كمجتمعات محافظة.
نحن نقدم فقط كراهية مجانية مثيرة للإعجاب، ونتفنن في اختلاق طرق مبتكرة لممارسة الكراهية والوصم والتمييز والسيطرة.
الأب المشرع الذي يحاكم هاجر بتهمة الإجهاض، قد يجبر امرأة على الدخول معه في علاقة بحكم النفوذ، ثم يجبرها مرة أخرى على إجهاض حملها بحكم النفوذ أيضاً… ثم يصدر عليها الحكم داخل قاعة المحكمة بحكم موقعة كمركز قوة.
بالطبع، فإن الحق في الحياة مقدس. لكن، هل يمكنك عزيزي القارئ في نهاية المقال أن تُعرّف المقصود بالحق في الحياة، وأنت تضع في الاعتبار النهايات السعيدة وتحاول الحفاظ على حياة جميع الأطراف، وبكرامة؟ أتمنى ذلك.
اقرأ لنفس الكاتبة: المرأة الناشطة… جسد مستباح 2\2