جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1 - Marayana - مرايانا
×
×

جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1

تسلط “مرايانا” في هذا الملف، الضوء، على جريمة الاغتصاب التي ظلت لوقت طويل في الدائرة المعتمة، في مقاربة تجمع بين الاجتماعي والديني والقانوني.

هي… من بين الجرائم التي يستنكرها الرأي العام كلما علم بوقوعها، وكما يؤكد ذلك القانون المغربي؛ جريمة تمس بـ “الآداب العامة”.

جريمة الاغتصاب، كما تعرف عن نفسها وعن شناعتها، وفق المجتمع والمهتمين، باتت في الآونة الأخيرة تطفو إلى سطح المعلوم بعدما ظلت سنوات طوال في الدائرة المعتمة؛ فكان الجاني ينعم بخوف المجتمع من إشاعة ما أتاه، وكانت الضحية تعيش عذابا نفسيا واجتماعيا طويل الأمد، مع أن للقانون المغربي قوله الفصل، وللدولة جهودها في حماية المرأة من العنف.

في هذا الملف، نحاول أن نحيط بجريمة الاغتصاب والإجابة عن عدد من الأسئلة حيالها. فماذا يقصد بجريمة الاغتصاب؟ لماذا ظلت ترزح في عتمة “الحشومة”؟ ما الأسباب المؤدية لها؟ ما العواقب النفسية والاجتماعية التي تطال المغتصَبة؟ ماذا يقول القانون المغربي في هذه الجريمة؟ ماذا يرتب عنها من جزاءات؟ وماذا يقول الفقه أيضا؟ ثم ما جهود الدولة الحمائية للمرأة؟

أكثر من أي وقت مضى، صارت بين الفينة والأخرى، تطالعنا في الصحف الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي، أخبار عن حدوث جرائم اغتصاب.

طفت الظاهرة إلى السطح في السنوات الأخيرة، على الأرجح لوجود معدات كاشفة مثل آلات التصوير التي تحتويها الهواتف، توثق الحالات التي تتعرض للجريمة؛ الأمر الذي كان في السابق نادرا، ذلك أنه كان ينظر إلى جريمة الاغتصاب كالفضيحة التي لا يجب أن تشيع.

اقرأ أيضا: من مصر، سارة أحمد فؤاد تكتب: المرأة الناشطة… جسد مستباح 2\2

تؤكد الدراسات أن الاغتصاب ليس فيه خطر على الصحة الفزيولوجية والجسدية فقط للضحية، بل يتعدى ذلك إلى صحتها النفسية والسيكولوجية، ومن ثم فإنه يلغي في أحيان كثيرة رغبتها في الاستمرار في عيش حياتها كما تريد، ويقزم بل ويلغي شخصيتها.

عقب انتشار مقطع يوثق لمحاولة اغتصاب جماعية لفتاة مختلة عقليا على متن حافلة للنقل العمومي بالدار البيضاء، ذكر موقع مجلة “جون أفريك” الفرنسية وفق إحصائيات كشف عنها تقرير حكومي نشر سنة 2015، أعدته وزارة العدل والحريات بالمغرب، أنه تم تسجيل 1114 حالة اغتصاب سنة 2015 (رقم أقل من الواقع بكثير، حسب المهتمين، وذلك إذا احتسبنا الحالات الكثيرة للاغتصاب، التي لا يتم التبليغ عنها).

الأرقام الخاصة بسنة 2008، تتجاوز الـ300 حالة بقليل. بالمقارنة مع الرقم أعلاه نستنتج إذن أن النساء أصبحن يقبلن أكثر فأكثر على الكشف عما تعرضن له والتبليغ به لدى المحاكم أو في أقسام الشرطة، بعدما كان الأمر يعد لسنوات طويلة ضمن عداد “الحشومة” ، أو الخجل من الفضيحة.

في عداد “الحشومة”

في الواقع، ظل موضوع الاغتصاب منسيا ومنتميا لدائرة المجهول لسنوات عديدة. هكذا، تواجه الباحث فيه مشاكل عدة تتعلق أساسا بشح المعطيات ذات الصلة.

يعزى ذلك إجمالا وفق أستاذ التاريخ الإسلامي، خالد حسين محمود[1]، إلى أن الرقابة الأخلاقية غيبت جريمة الاغتصاب عن الكتب، ومن ثم لم يستفض الحديث فيها، فجعلتها في العتمة المسكوت عنها التي لا يسلط عليها ضوء، وهكذا بقيت موضوعا غامضا إلى حد ما.

اقرأ أيضا: عذرية المرأة… حين يصبح “العار” بالزواج شرفا! (الجزء الثاني)

استنادا إلى خصوصية المحافظة التي طبعت المجتمع المغربي ذا النزعة القبلية، فإنه غالبا ما تحاط جريمة الاغتصاب بسياج من السرية والتكتم؛ فالعار متصل بالجنس بشكل كبير خوفا من الفضيحة، وهو ما يدفع إلى تحاشي إشاعة حتى محاولة اغتصاب رجل لامرأة لأن العار حتما سيلحقها.

انتفاء رضى المرأة، شرط أساس!

يعرف الفصل 468 من القانون الجنائي المغربي الاغتصاب فيقول: “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة دون رضاها”.

الاغتصاب لغة مأخوذ من فعل غصب، ومصدره الغصب. غصبَ؛ أي أخذ ظلما بمعنى اغتصب. وغصب شخص فلانا على شيء؛ أي قهره على فعله.

أما اصطلاحا، فأكثر ما يرد في تعريف الاغتصاب، التعريف ذاته الذي أخذ به المشرع المغربي، بصياغته، مواقعة رجل لامرأة دون رضاها.

يمكن تعريف الاغتصاب بكونه وسيلة لتحقيق المتعة الجنسية، يهدف من خلالها الجاني لتلبية رغباته وشهواته عن طريق القوة، ضاربا كل القواعد والقوانين المنظمة للمجتمع بعرض الحائط؛ وهو بالتالي، يعد من أخطر أنواع الانحرافات الجنسية.

ينفي عدد من علماء النفس أن يكون الهاجس الجنسي هو الذي يقود الجاني لارتكاب جريمة الاغتصاب، إنما مجرد حاجته إلى تحقير وإذلال المرأة\الضحية، ودفعها إلى ممارسة الجنس وجرح شعورها دون النظر إلى الطريقة التي سيتم بها ذلك.

في أحيان كثيرة، لا تهم المغتصب طبيعة الضحية بقدر ما يهتم بالوصول إلى إشباع نزواته ورغباته الجنسية بأي وسيلة كانت، حتى إن وصل إلى درجة التخلص من الضحية أو الحد من مقاومتها بالقتل.

اقرأ أيضا: هل هي نهاية “فحص العذرية”؟ أطباء مغاربة يمتنعون عن منح شهادة العذرية ويدعون إلى مقاطعتها

الدراسات تؤكد أن الاغتصاب ليس فيه خطر على الصحة الفزيولوجية والجسدية فقط للضحية، بل يتعدى ذلك إلى صحتها النفسية والسيكولوجية، ومن ثم في أحيان كثيرة يلغي رغبتها في الاستمرار في عيش حياتها كما تريد، ويقزم بل ويلغي شخصيتها.

أسباب كثيرة يصعب حصرها

يجمل الباحثون الأسباب التي تدفع عادة المغتصب إلى إتيان جريمته، في عوامل عدة، فمنها ما يتعلق بعوامل اجتماعية كانعدام التربية، والتفكك الأسري، وتأخر سن الزواج، والمخدرات، وما إلى ذلك. ومنها ما يتعلق بعوامل نفسية، أو طبيعية أو مرضية. كما لا ينفي المهتمون ارتباط الاغتصاب بتفاقم الثقافة المجتمعية التي تبرر الاغتصاب وتلوم الضحية بدل الجاني. شعور المغتصِب بإمكانية الإفلات من العقاب القانوني والمجتمعي يجعله يلغي أي رادع محتمل لتصرفه.

بالمقابل، نجد أبحاثا أخرى تقول إن غالبية مجرمي الاغتصاب يستطيعون تلبية حاجاتهم الجنسية بطرق أخرى سهلة لا تؤدي إلى المشاكل، مثل مواقعة عاملة جنس. لكنهم، إذ يعجزون أحيانا عن إيجاد شريكة جنسية، يعمدون إلى الاغتصاب بغية تلبية حاجتهم. من هذا المنطلق، ففعلتهم تعتبر جريمة جنسية.

اقرأ أيضا: سناء العاجي: كلكم شركاء في الجريمة…

الأسباب المؤدية إلى ارتكاب جريمة الاغتصاب كثيرة يصعب تعدادها، لكن عددا من علماء النفس ينفون أن يكون الهاجس الجنسي هو الذي يقود الجاني، إنما مجرد حاجته إلى تحقير وإذلال المرأة\الضحية، ودفعها إلى ممارسة الجنس وجرح شعورها دون النظر إلى الطريقة التي سيتم بها ذلك.

بالمقابل، هذا العنف قد لا يكون عارضا، إنما قد يكون ناشئا عن رغبة الجاني في الانتقام أو الثأر من تجربة سيئة مر بها على أيدي آخرين. هكذا، يسعى إلى إيلام وعقاب وإذلال ضحيته عن طريق الجنس، وهنا يكون الجنس وسيلة تعنيف وغاية في الآن ذاته.

ما قول القانون في جريمة الاغتصاب؟ ما الفرق بينها وبين جرائم أخرى كهتك العرض والفساد؟ بما يعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب؟ ما الحالات التي يشدد فيها القانون العقوبة؟ ثم هل يهدف المشرع بالمقتضيات التي نصها بخصوص جريمة الاغتصاب إلى حماية المرأة قبل ارتكاب الجريمة أو بعدها؟ أسئلة من بين أخرى، نتابع إجاباتها، في الجزء الثاني من هذا الملف.

لقراءة الجزء الثاني: جريمة الاغتصاب: هذا ما ينص عليه القانون الجنائي المغربي، فهل يهدف إلى حماية المرأة قبل وقوع الجريمة أم بعدها؟ 3/2

لقراءة الجزء الثالث: جريمة الاغتصاب: كيف يحمي القانون المغربي الطفل الناتج عن الاغتصاب؟ 3/3


[1]  أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة عين شمس بمصر، عن بحث بعنوان “جريمة الاغتصاب في بلاد المغرب”ت.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *