المرجئة… الأصول الانتهازية لفرقة مناصرة للخلافة الإسلامية 1 - Marayana - مرايانا
×
×

المرجئة… الأصول الانتهازية لفرقة مناصرة للخلافة الإسلامية 1\2

كيف اعتُبر تفسير المرجئة انتهازيا؟ ولماذا قيل إنّه كان لائقاً بالنّظر للوضع السياسي لحظتئذ؟ و… هل ذلك صحيح؟

بكثير من الحذر… فضّلوا عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة بعد مقتل عثمان وخلال الفتنة الكبرى. تركوا القطع بوعيد الفساق من أهل القبلة، فصاحب الكبيرة مؤمن عندهم. آمنوا بأنّ الذنب، مهما عظم، لن يؤثّر على الإيمان، وقالوا بأن قيمة العمل مفصولة عن الإيمان عند الفرد. أنكروا الشفاعة، لأن الكَبائر لا تضرّ بالإيمان، ومنه… لا فائدة في الشّفاعة.

كانت بدايتهم العقديّة والسياسيّة انتهازية، ولازمت صفّ الخلافة الأموية كفرقة تبريرية للظلم والجور. لكنها سرعان ما تحوّلت إلى فرقة ثورية ناصبت العداء للأمويين.

هم زعماءُ فرقة المرجئة التي ظهرت في سياق سياسي مليء بالاقتتال والفوضى بعد اغتيال عثمان بن عفان، وبداية الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.

فكيف ظهرت فرقة المرجئة؟ وما هي أهم فرقها؟ وما ملامحُ الفكر الانتهازي “الوسطي” في أفكارها العقدية والسياسية؟ وكيف تحوّلت إلى فرقة ثورية ضد الخلافة بعد أن كانت طُغمة تبريرية للأمويين؟

الظّهور المشبوه للمرجئة

الشهرستاني في كتابه الملل والنحل يقول: “الإرجاء على معنيين أحدهما بمعنى التأخير والإمهال، والثاني يعني إعطاء الرجاء، وقد أُطلق عليهم لأنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة”.

هذا الموقف بالذات، جعل الدارسين يربطونه بتسميتهم بالمرجئة، وتحديداً موقفهم من قضية مرتكب الكبيرة، إذ كان رأيهم هو إرجاء الحكم إلى الله، دون أن يسلكوا نهج الخوارج في تكفيره، ودون أن يجعلوه في منزلة بين الكفر والإيمان كما ذهب المعتزلة.

في تفسير الماتريدي، نجد أنّ الأساس العقدي الذي انتصب عليه الإرجاء، هو الفصلُ بين الإيمان والعمل، فالمرجئة يذهبون إلى أن الإيمان عقد بالقلب، “وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ووليّ لله عز وجل، من أهل الجنة”.

دفع هذا الكثير من الباحثين، من عيار إبراهيم الفيومي، إلى القول بأن هذا التفسير كان لائقاً بالنّظر للوضع السياسي، الذي كان قائماً حينئذ.

لذلك، من ناحية، ينظر إلى كون تفسير المرجئة قدّم حلاّ لمعضلة سياسية، وحقنا لدماء المسلمين، ولم يكن تفسيرا دينياً صرفاً للإيمان.

أحمد أمين ينضافُ إلى هذا التيار، ويعتبر الفكر الإرجائي يخدم السياسة، ولو من طريق غير مباشر، وأقل ما فيها أن تجعل أصحابها محايدين، لا ضد الدولة ولا معها.

لا شكّ في أنّ المعطيات التاريخية المتوفّرة ترجّح أنّ ظهور المرجئة في النهاية، يشكّل ردّ فعل واضح لما كان طافحاً من تطاحنات طائفية وفكرية، حيثُ كانت فرقة الخوارج تكفّر مرتكب الكبيرة، وبالتّبع معه الخليفة وما يأتي منه من ظلم… ثمّ تعصّب الشّيعة الذين كانوا يكفّرون بعض الصحابة.

الوضعان أفرزا فرقة وسطاً، لا إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، ولم تكن تلك الفرقة إلاّ المرجئة. وذلك راجعٌ إلى أنّ الوضع السياسي، إبان حكم الأمويين، كان مشتعلاً؛ لأن الفِرقتين تُكفّران الأمويين لأنهم، في نظرهما، مغتصبون للخلافة، بينما المرجئة وقفوا بين اليسار (الخوارج والشيعة) واليمين (الحكم الأموي).

ظهرت الفرقة كحزب وسط، يسالم الاتجاهين سياسياً، بناءً على أسس عقدية، ملخّصها إرجاء الحكم على مرتكب الكبيرة إلى الله… و”كانت الغاية التي تهدف إليها -أصلاً- الامتناع عن التسرع في إصدار الأحكام على أعمال الصحابة والتابعين”، وفق تفسير الماتريدي.

محمود إسماعيل يرى أنّ المرجئة في بدايتها، لم تكن تحملُ همّا ثورياً لتغيير الأمر الواقع، قدر اهتمامها بالحفاظ على مصالحها، إذ وجد فريق منهم “الحكمة في الانصراف إلى أمور دنياهم والاهتمام بزراعتهم وقطعانهم”.

وكان منهم، أيضاً، من كان موالياً لعثمان قبل مقتله، فلم ينتصروا مع ذلك للثوار، كما لم ينحازوا لمعاوية خشيةً على مصالحهم، لأن الموقف في بدايته كان لصالح علي. لذلك، “فاعتزالهم الصراع كان من باب التريّث الانتهازي الحذر، فلما تمخض الصراع عن تدهور مركز علي وبدأ نجم معاوية في الظهور لم يتقاعسوا عن نصرته، فاعترفوا بشرعية خلافته وبرروا لسياسة الأمر الواقع”.

هذا الانحياز إلى صف معاوية، جعل النوبختي يصفهم بأنهم “أهل الحشو وأتباع الملوك وأعوان كل من غلب، فسموا مرجئة لأنهم توالوا المختلفين جميعاً وزعموا أنّ أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر للإيمان”.

معالم الانتهازية

اتضحت معالم الانتهازية في فكر المرجئة حين انتهى الصراع بغلبة معاوية. انحازوا إليه وجعلوا أفكارهم آلية تبريرية لخلافته وحمل المسلمين على وجوب طاعته.

من هذا تحديداً، لا يبرئ محمود إسماعيل المرجئة في قولهم بارتكاب الكبيرة، وإرجاء هذا الأمر لله، من كونه رأياً يحاول دحض الآراء الأخرى المطروحة في الساحة آنذاك: الشيعة والخوارج والمعتزلة؛ لكن، في عمق ذلك، مخالفة لكافة الأحزاب السياسية المناوئة التي نظرت إلى بني أمية كمغتصبين للخلافة.

كما أنهم قالوا بأنّ الإيمان تصديق بالقول دون العمل، بمعنى أنّ العمل ليس ركنا من أركان الإيمان ولا داخلاً في مفهومه، كما يرى أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام.

بينما محمود إسماعيل يفسّر قولهم هذا برغبة في “العزوف عن مناوأة الحكام والرضوخ لطاعتهم دون أن ينال ذلك الموقف السلبي من صحيح إيمانهم؛ على عكس الخوارج، الذين دعوا إلى ضرورة مناوأة الخصوم وفقاً لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

أكثر من ذلك، يجد الكاتبُ أنّ قول المرجئة: ما دون الشرك مغفور، وأنّ العبد إذا مات على توحيده لا يضره ما اقترف من الآثام واجترح من السيئات”؛ هو تبرير واضح لاغتصاب بني أمية حق الإمامة بوسائل التدليس والاغتيال وأساليب الترغيب والترهيب.

دفع هذا الفكر الانتهازي الكثير من الباحثين إلى وصف دين المرجئة، في بداياته، بـ“دين الملوك”، لأنهم لم يعارضوا الأمويين على غرار الفرق الأخرى المنشرة وقتئذٍ، بل كان الإرجاء وسيلة لدفع المسلمين لطاعة الخليفة والدّعوة إليه.

يفسَّر هذ، بجلاء، من خلال البطش الأمويّ الذي طال الفرق الأخرى المعارضة للخلافة القائمة، بينما استثنى المرجئة؛ فالأخيرة لاقت اهتماماً من طرف الأمويين، وتمكنوا من الإقامة في دمشق والبصرة، بينما تعرّض الخوارج للتنكيل والقتل والاضطهاد من طرف ولاة العراق، وكذلك الشيعة تعرضوا للقهر والقمع في الكوفة.

لكن… كيف تحولت المرجئة إلى فرقة سياسية معارضة للخلافة الأموية؟

هذا ما سنراه في الجزء الثاني من هذا الملف.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *