محمد شحرور… عندما نادى المفكر الإسلامي بتجفيف منابع الإرهاب داخل النص الديني! 3/3
شحرور يذهبُ إلى أنّ الثّقافة الإسلامية الموروثة ربطت بين القتال والقتل والغزو والشهادة والشهيد. في نفس الوقت، فقد قللت من قيمةِ الحياة والحرصِ عليها وطلبت ممن يحبّ الحياة ويكره الموت أن يشعر بالذّنب، وأنّ الذي يقتل في سبيل الله سيدخل الجنّة مباشرة دون انتظار.
تابعنا في الجزأين الأول والثاني من هذا البورتريه، بعض آراء محمد شحرور، ودوره في أنسنة النصّ الديني، بغية إنصاف المرأة في مسائل التعدد الزوجي والإرث والقوامة واللباس.
في هذا الجزء الثالث والأخير، نلقي نظرةً على مناداة المفكر الإسلامي محمد شحرور بتجفيف منابع الفكر الطائفي والإرهابي!
شحرور يذهبُ إلى أنّ الثّقافة الإسلامية الموروثة ربطت بين القتال والقتل والغزو والشهادة والشهيد. في نفس الوقت، فقد قللت من قيمةِ الحياة والحرصِ عليها وطلبت ممن يحبّ الحياة ويكره الموت أن يشعر بالذّنب، وأنّ الذي يقتل في سبيل الله سيدخل الجنّة مباشرة دون انتظار. [1]
يدين المفكر، أيضاً، تواطُؤ التراث الإسلامي مع السّلطة الحاكمة في العصرين الأموي والعباسي، فلم ينبس بكلمةٍ عن احترام حرية النّاس في اختيار عقائدهم وشعائرهم وحرية الكلمة وحرية الضّمير.
كان لا مجال، وقتئذٍ، للفصل بين الشهادة والقتل والموت وحرية النّاس في اختيار عقائدهم. من هناكَ، جاء أصل التفكير الإرهابي في الثّقافة الإسلامية، فتم ترسيخ قتل المرتد وجعله من ثوابت الدين الإسلامي، كما أن طاعة السلطان، وإن كان ظالماً، تعتبر من طاعة الله ورسوله. [2]
كانت الحروب وقتئذٍ على أساس أمميّ، أي أمّة “إسلامية” ضدّ أمّة “الكفر”، أو دار الإسلام ودار الكفر، مع أنّ الهدف الأساسي منها كان سياسيّا محضاً، وهو الفتوحات لكسبِ وجمع الجزية فضلاً عن إبعاد المعارضة، كما يرى شحرور.
شعارُ “الوسطيّة”!
يعتقد شحرور أنّ رفع شعار الوسطية لدى الكثير من الفقهاء، منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، وما تلاها من أعمال إرهابية، غيّرت نظرة العالم للإسلام كدين، وأن طرح مفهوم الإسلاموفوبيا على السّاحة الدولية، لم يكن سوى تخريجة مثل باقي التّخريجات، ما دامت لم تتم معالجة الإشكال الكائن داخل النصّ!
يضربُ شحرور المثل بالكثير من التخريجات التي برزت في التاريخ الإسلامي، كفقه الأولويات وفقه الأقليات، حيثُ لم يتقنه أحد كما أتقنه “فقهاء” الدين، فاخترعوا الناسخ والمنسوخ لتلافي التناقض الظاهري بين بعض الآيات القرآنية، وخاصّة لحلّ التناقض بين آيات القتال.
الإشكال على ما يبدو، أنّ هذا التناقض جعل الثقافة الإسلامية انتقائية في تعاملها مع هذه الآيات، فمن يريدُ القتال يستدلّ بآيات القتال، ومن يريدُ السّلم يبحثُ عن آيات السّلم… لكنّ ما لم يجرؤ عليه أحدٌ، هو القول بأنّ آيات القتال تعني سياقاً معيّنا وأحداثاً وقعت منذ قرون، وينبغي إفراغها من مُحتواها اليوم كتجفيف فعليّ لمنابع الإرهاب!
بين الجِهاد والقِتال!
يعتبرُ شحرور أنّ أحد منابع الإرهاب هو خلطُ الفقهاء بينَ المفهومين.
أكثر من ذلك، يعتبرُ أنّ ثمّة فرق بين الجهاد والقتال، حيثُ الجهاد الأكبر، وفق قراءتهِ، عشرات مجالات الحياة كالسعي في طلب الرّزق وتحصيل العلم ومعاناة آلام الحيض والولادة عند النّساء والوقوف في وجه المغريات والصّمود أمام التهديدات. في كلّ هذه المجالات، يخلو الجهادُ من العنف والاصطدام المسلّح، تماسكاً بالأيدي ورشقاً بالحجارة وضرباً بالسّيف وقصفاً بالقنابل. [3]
أمّا القِتال في أصله، يضيف الكاتب، فلا يكُون إلاّ بين طرفين متقاتلين لتسوية نزاع لم تنفع في تسويته كل الوسائل، إمّا على الصعيد الفردي أو الجماعي؛ ومثاله معارك بدر وأحد وخيبر والطائف والأحزاب، وهي كلها أحداث تاريخية مرتبطة بزمانها ومكانها كأحداث موسى ونوح وغيرهم.
لكنّ الأعجب، حسب شحرور، أنّ الفقهاء وأصحاب التراث لم يكتفوا بتحويل الجهاد إلى قتال، بل حوّلوا الجهاد إلى غزو والقتال إلى قتل.
من الواضح إذن أن القضاء على أحد منابع التطرف هو الفصل بين كلمتي الجهاد والقتال، ذلك أنّه لم يرد في القرآن بهذا المعنى العنيف دائماً، وعندما نجد في القرآن في سورة لقمان “وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ”، فالجهاد هنا لا يعني قتال الوالدين؟
وتبقى الآيات التي ورد فيها القتل والقتال متعلّقة بأحداث سردية من القصص القرآني، ولا تشير إلى تشريع صالح لكلّ زمان ومكان، فالآيات إن كانت حتميةً وقتها، فإنّها اليوم، معضلة وآفة إنسانية لا يمكن القضاء عليها إلاّ بتجفيف منابعها بالتّراث الفقهي الإسلامي وتهذيب الفتاوى المتوحّشة!
باختصار… فإنّ تفسير الفقهاء، منذ العهد الرّاشدي، ساهم في رسم عقيدة قتالية لدى الأفراد والجماعات.
عقيدة… تجسّدت لدى الأفراد بالموت في أرض المعركة طلباً للشّهادة _بمعناها الاصطلاحي _ ونيل الجنّة… ولدى الجماعات _أي الجيوش_ بغزو المشركين والكُفّار في عُقر دارهم، ولو لم يصدر عنهم عدوان. [4]
بهذهِ العقيدة المتطرّفة تم اغتيال عُمر بنجلون ومهدي عامل وحسين مَروة وفرج فودة…
في النّهاية… رحل محمد شحرور عن الدّنيا في 21 دجنبر 2019. رحل وهو مؤمن بمشروعه رغم كلّ الانتقادات، لأنّه لم يكن يريد سوى أن يقرأ النصّ الديني بمنظوره واجتهاداته. وذاك من حقّه ما دام مشروعه لقي ترحيباً من طرف كل من يريد العيش بسلام وبحرية وبكرامة دونما سلطة دينية مفرُوضة…
أمّا بخصوص تحريف المفكر الإسلامي القرآن فهو… رأي فقط، لأنّ القائل به لا يملك التأويل الصحيح لتلك الآيات التي اتهمَ شحرور بتحريفها!
[1] شحرور محمد، تجفيف منابع الإرهاب، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع.
[2] المرجع نفسه.
[3] نفسه.
[4] نفسه.
اقرأ أيضا:
- محمد شحرور… المفكر الإسلامي الذي نظر للقرآن بعيون القرن الحادي والعشرين! 1/3
- محمد شحرور… من تحديث النص الديني إلى إنصاف المرأة ومواجهة التيارات السلفية والإخوانية! 2/3
- “قول في التسامح” بعد أحداث فيينا ونيس… لمَاذا يحتاجُ الإرهَابيّون باسم الدّين إلى قِراءة فكْر فُولتير! 1/2
- اغتيال فرج فودة: حين يحاكم القاتل… قتيله!
- الأمن الروحي… مفهوم “مستحدث” لمواجهة التطرف أم حجر على حرية التعبير؟ 2/1
- ذكرى الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي: من هنا كانت البداية!
- التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!