أي استراتيجية تواصلية تريد الحكومة؟ بين خطاب الساسة… وتدبير رجال الأعمال 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

أي استراتيجية تواصلية تريد الحكومة؟ بين خطاب الساسة… وتدبير رجال الأعمال 2/2

إن حكومة رجال الأعمال أضعفت الخطاب السياسي المغربي، لأن منطق رجل السوق، الذي يهمه العرض والطلب فقط، ليس منطق الفاعل السياسي الذي يضع ردود فعل الرأي العام نصب أعينه، ويخشى المحاسبة في المواعيد الانتخابية. لذلك، تكون استراتيجيته التواصلية حاسمة في نجاحه أو فشله.

في الجزء الأول من هذا الملف، انطلقنا من مقاربة تحليلية للتواصل الحكومي بين الحضور والغياب. حيث يغيب في كثير من الأحيان، ويحضر قليلاً، مقتصرا على الخرجة الإعلامية للناطق الرسمي باسم الحكومة، والتي بدورها تعرف خللاً، حسب الباحثين.

هل من استراتيجيات للتواصل الحكومي خلال الأزمة وغيرها؟ وهل إضعاف المشهد الحزبي للحكومة الجديدة التي يقودها حزب “رجال الأعمال” أثَّر سلبا على التواصل السياسي لبقية الأحزاب وتراجع أدوارها التواصلية في الحكومة والبرلمان؟

تواصل اللا تواصل

يعتبر رشيد العزوزي، الباحث في الإعلام والتواصل، أن عجز الحكومة عن التواصل لا يعود لقصورٍ تواصلي أو نقص في الأطر، إلا أنه من الوارد أن يكون اللا تواصل استراتيجية تواصلية رسمية في التعامل مع الأزمات التي لم تفلح في حلها حتى الآن حكومة أخنوش (البطالة، التعليم، الصحة).

أي استراتيجية للتواصل السياسي عند الحكومة؟ تجيب حياة الدرعي، المتخصصة في التواصل السياسي، أنه لا توجد استراتيجية تواصلية محددة للحكومة، ففي الغالب نكون أمام تصريحات للناطق الرسمي للحكومة يطغى عليها الجانب التوضيحي.

الدرعي أكدت أن الإشكالية تكمن في أن الأحزاب الحكومية، تحتكر وسائل الإعلام العمومية، وتقدم نفسها وكأنها الفاعل الأوحد الذي يحقق المكاسب ويراكم الإنجازات، في غياب مُحاور فعلي يعكس المصالح والمتطلبات المنسية أو المؤجلة، ويعكس الإنتظارات المجتمعية.

اتصال أم انفصال؟

حسب ابراهيم الشعبي، أستاذ الإعلام، ورئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان فيمكنُ القول أن من بين الآليات التي يجب أن تشتغل بها الحكومة، في إطار التواصل الحكومي، هي خلق خلية للتواصل العادي وخلية للتواصل الأزماتي وقسم للصحافة. وفي اعتقادي، يواصل الشعبي، لا توجد هذه الخلية لا في رئاسة الحكومة ولا في الوزارة التي يشرف عليها الناطق الرسمي باسم الحكومة.

الشعبي أكد في حديثه لمرايانا أن غياب مؤسسة الناطق الرسمي، يُضعف التواصل الحكومي، كما دعا إلى ضرورة مأسسة الناطق الرسمي باسم الحكومة، لتكون مؤسسة لها أقسامها وخلاياها. هاته الخلايا تهيئُ كل ما يجب أن يقوم به أو يقوله الناطق الرسمي.

استراتيجية الحكومة في التواصل يُعبر عنها رشيد العزوزي بأنها غير مسبوقة في النسق السياسي المغربي، ولها تفسير واحد: عجز الحكومة على بلورة وعودها على الأرض من جهة، وعجزها أيضا عن تبرير هذا العجز، هل هو ذاتي أم موضوعي.

من جهته، يؤكد الأكاديمي إبراهيم الشعبي أنه لا يمكن القول بأن هناك استراتيجية تواصلية. هناك محاولات للتواصل الحكومي. الاستراتيجية يجب أن تكون مبنية على ضوابط علمية، وليس فقط كلام يُقال في بعض المناسبات، والدليل على غياب الاستراتيجية، أن المغرب يمر حاليا بأزمات عدة: غلاء الأسعار، المحروقات، ندرة المياه، إلخ. هناك أحداث ووقائع كبيرة تحتاج إلى معطيات يجب أن يعرفها المواطن حتى يطمئن على مستقبله.

حسب المتحدث، يُمكن أن نتحدث عن استراتيجية بالمعنى الإعلامي. غير أنها لا توجد بالمعنى العلمي، وبالتالي فهناك محاولات للإخبار، غير أن تلك الأخبار قليلة وغير مواكبة للأحداث الكبرى.

تتفق حياة الدرعي مع الشعبي حيث تتجه إلى أنه لا يمكن القول بأن هناك استراتيجية أو مقاربة متفق عليها، فكل وزير يدبر أموره بالشكل الذي يراه. هنا تقع بعض الفلتات الإعلامية، والتعبيرات غير الملائمة، التي يحاول هذا الوزير أو ذاك امتصاصها لاحقا أو تأويلها بشكل أو بآخر.

حسب الدرعي هناك بعض القضايا ذات الأثر الكبير، وذات الامتداد الزمني التي يتم علاجها بنوع من الإستراتيجية الضمنية المدروسة، كالخطاب الذي تمَّتْ به وعبره، إدارة الارتفاع المهول في الأسعار بُعيد أزمة كورونا، بل وحتى ملاءمة المغاربة مع ظروف الحجر الصحي. على خلاف إدارة أزمة الأساتذة المتعاقدين (رابط نحو مقالك الأخير عن الموضوع)، الذي ظل يشوبه الغموض، والذي تمت إدارته بوسائل أخرى مختلفة.

رجال الأعمال: إضعافُ السياسية

علاقة بالنقاش الدائر حول إضعاف الخطاب الحزبي، يقول العزوزي إن حكومة رجال الأعمال أضعفت الخطاب السياسي المغربي، لأن منطق رجل السوق، الذي يهمه العرض والطلب فقط، ليس منطق الفاعل السياسي الذي يضع ردود فعل الرأي العام نصب أعينه، ويخشى المحاسبة في المواعيد الانتخابية. لذلك، تكون استراتيجيته التواصلية حاسمة في نجاحه أو فشله.

يؤكد الباحث أن الاعتبارات المذكورة مغيبة بالنسبة للتكنوقراط. في الواقع، الديمقراطية اليوم تميل إلى التقليل من هذا النوع في التدبير العمومي، اللهم ما كان ضروريا ومحدودا لا يحول والمحاسبة.

أما الدرعي، فتعتبر أن رجال الأعمال هم مشرعون ومنفذون في الوقت نفسه، وهم كذلك معنيون بالسياسات العامة في مختلف المجالات، وبالتالي فهم في الغالب ليسوا مهيئين لتبني خطاب قريبٍ من الناس، خطاب مباشر، مقنع. لذلك، يغلب على هذا الخطاب منطق التدبير والإدارة والتبرير، دونما وضوح أو توفر هدف واضح.

حسب الدرعي، فإن الفعل السياسي لحكومة رجال الأعمال لا يكاد يحضر فيه الخطاب الذي يلامس حاجيات وتطلعات المواطنين، وأحيانا تخوفات المواطن، والذي يفترض فيه أن يقدم حلولاً واضحة ومحددة، ضمن جدول زمني مقنع.

تؤكد الدرعي أن خطاب الحكومة ظل يراوح بين مستويين: مستوى القضايا الإستراتيجية الكبرى التي يحضر فيها خطاب ضمني، لكنه مدروس موحد ومنسجم بين مختلف مكونات الحكومة، وحالات التدبير اليومي التي كثيرا ما يتم فيها ترديده بشكل قد يكون مرتجلا أو تنقصه الرؤية والواقعية.

 

لقراءة الجزء الأول: التواصل الحكومي بالمغرب: ندوة صحافية لناطق رسمي صامت 2/1

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *