بين المهنية والإنسانية والمسالك الوعرة: صحافة “ناجية من الدمار” تسرد قصص وصولها لمناطق الزلزال - Marayana - مرايانا
×
×

بين المهنية والإنسانية والمسالك الوعرة: صحافة “ناجية من الدمار” تسرد قصص وصولها لمناطق الزلزال

أحاول العمل على نفسي لتجاوز المشاهد الصعبة والمؤلمة العالقة في ذهني، من خلال استحضار كافة الدروس النظرية التي أخدتها سابقا في السلامة النفسية والصحافة الاستقصائية. لكن واجبها المهني يحتم عليها الصمود والقوة للاشتغال أكثر من أجل إيصال صوت منكوبي الزلزال.

في كثير من الأحيان، يكون الصحفي في حذ ذاته مادة خبرية أو قصة. خلال مواكبتهم لفجيعة زلزال الحوز، غطى كثير من الصحافيين تفاصيل الكارثة بمهنية وحس إنساني وتأثر شديد. ذلك ما وقفت عليه مرايانا خلال مرافقتنا لعدد من الصحافيين.

صحافية كسَّرت الحواجز

خلال حلول مرايانا بمنطقة الحوز بؤرة الزلزال، التقت سعيدة مليح؛ صحفية وكاتبة بموقع عربي، تقول في حديث لمرايانا إنهُ فور علمها بوقوع الزلزال، وفي الصباح الموالي بعد الفاجعة، انطلقت من الرباط نحو مراكش، لتبدأ رحلتها نحو المناطق المنكوبة لتغطيتها.

تقول سعيدة مليح إن رحلتها كانت مجازفة؛ فالسفر نحو منطقة الزلزال رحلة شاقة غير أنها كانت متأكدة من وصولها. غطَّت سعيدة البدايات الأولى للدمار، تسلحت بعدستها وقلمها وسارت نحو أشد المناطق خطرا حيث نقطة انطلاق الزلزال المدمر.

تقول سعيدة: كنتُ أول صحفية تصل إلى منطقة تلات نيعقوب بعد فتحها من طرف الجيش المغربي إلى جانب زميلين صحافيين. لمحت حجم الدمار ورائحة الموت التي تُخيم على المكان. كانت لحظات صعبة عشت فيها ضغطا وتيها بين واجبي المهني وحسي الإنساني.

بين قلق الأهل وصعوبة العمل خلال تلك اللحظات،  أكدت سعيدة أنها كانت تحاول تغطية هاته المناطق والسعي إلى الوصول إلى أشدها خطورة، متحدية بذلك الصور النمطية التي تحوم حول الصحافيات وعملهن من غرف التحرير. هنا، كسرت سعيدة هاته الحواجز لتحمل حقيبتها نحو جبال الأطلس الكبير.

تقول سعيدة إنها غطت منطقة الحوز، واشتغلت على مواد إعلامية ميدانية لتعود بعدها إلى العاصمة، غير أنَّ رحلتها لم تتوقف هنا، حيث عادت مباشرة مع قافلة لجمعية المتطوعون الرحَّل، لتغطية رحلة القافلة نحو مناطق متضررة من الزلزال بإقليم تارودانت.

مجازفة ورحلة الألف ميل

نور الدين البيار، صحفي قدم لتغطية إعلامية لفائدة قناة أجنبية، يقول بدوره لمرايانا: غطيت الكثير من القضايا في المغرب، لكن الكوارث الطبيعية لم يسبق أن غطَّيتها ميدانيا. حسب البيار، فإن تجربة العمل الميداني متفردة، تجعلك تتحول لعابر سبيل يبحث عن المعلومات، يتحقق من المعطيات الواردة على الأرض. لذلك، توجه هذا الصحافي إلى مراكش يوم الأحد، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الاولى التي عقبت الزلزال عجَّت بالأخبار الزائفة.

انطلقت تغطية نور الدين من آسني، التي بدت مختلفة تماما بعد الزلزال؛ خيام صفراء وزرقاء وأخرى بدائية، يقول المتحدث؛ حيث رصد، بداية، الصدمة البادية على وجوه سكان المنطقة، فيما كانت فرق الإنقاذ تسابق في كل مناطق الزلزال.

المتحدث أورد أن الطريق كانت تعجُّ بسيارات المساعدات، وكان الوصول الى تلات نيعقوب صعبا. كان ينوي المبيت في ويركان ليواصل طريقه في الصباح، لكن ظروف الزلزال منعت ذلك بسبب تصدعات طالت الفنادق، وفق صاحب نزل اتصل به المتحدث.

يقول نور الدين: حاولت جاهدا الوصول إلى تلات نيعقوب بحقيبتي التي زادت من تأزيم الوضع، وجدت نفسي وسط الصخور، والطريق بين ويركان وتلات نيعقوب. كانت المروحيات تمر فوقي والسيارات بجانبي فيما سيطرت عليَّ فكرة واحدة: كيف سأقضي ليلتي هنا إذا لم أجد من يقلني إلى تلات نيعقوب؟

يضيف نور الدين، بعد أخذ ورد مع زميلي الذي وصل إلى تلات نيعقوب، قررت العودة إلى مراكش، وهي عودة لم تكن سهلة. بعد ساعة تقريبا، استطعت إيجاد سيارة للنقل المزدوج. استمرت الرحلة نحو ست ساعات؛ غادرت في السابعة ووصلت مراكش في الواحدة ليلا.

في اليوم الموالي، يورد المتحدث،  اتضحت الصورة جيدا، فقرر أن تكون مدينة مراكش مكانا قارا للمبيت. غدا التنقل سهلا، كما أن الممر لم يعد كما كان، بعد تمكن المصالح المختصة من تكسير الصخور وتسريح الطريق. رحلة السبع ساعات تقلصت الى ثلاث ونصف.

استعداد نفسي ومهني

سفيان البالي، صحفي بقناة أجنبية، يقول في حديث لمرايانا: كانت هذه أول تغطية ميدانية لي، منذ أول لحظة علمت بها بخبر الزلزال بدأَت رغبتي تتصاعد لخوض التجربة. حاولت تحضير نفسي ذهنياً ونفسياً. حضرت المواد المطلوبة: البيانات الضرورية لتكوين نظرة شاملة عن الوضع، التفكير في الخرائط ومسارات محتملة للرحلة، التنسيق مع الفاعلين المحليين.

يورد سفيان: يوم السبت، بدأت إعداد الحقيبة التي رتبتها تحسباً لكل طارئ: ملابسُ تحسباً لتغيرات الجو، أحذية مناسبة للأراضي الوعرة، خزانات كهرباء، ميكروفونات، مصباح ليلي، علبة إسعافات أولية. يوم الأحد، وصلت مراكش، فانطلقت مباشرة في التغطية، بداية برصد الناس الذين كانوا يبيتون ليلتهم الثالثة في العراء.

يقول سفيان: في اليوم الموالي، انتقلت إلى القرى المتضررة، على محور آسني ويركان. لأول مرة وجدتني ألمس ضعف سكان تلك المناطق. لسان الحال كان أن “الزلزال قد ضربها لعقود قبل الـ 8 سبتمبر”، زلزال تراكم انعدام التنمية، اللاعدالة المجالية، التهميش.

حسب المتحدث في إمكدال، الناس يقطعون الوادي للوصول إلى منازلهم عبر جسر قصديري، لا يفي حتى بمهمة إيصال مصاب إلى الطريق المعبدة. في آسني، بمخيمات الإيواء، النسوة تبكين ما ضاع لهن من أهل ودور كانت تضمهم قبلها. كل هذه القضايا فرضت نفسها على التغطية، وهذا ما سعى سفيان لإبرازه؛ فضلاً عن روح التضامن الكبيرة التي سادت بين المغاربة مع إخوانهم المتضررين، والتي رسمت الفرحة على محيا المنكوبين.

نفسية منكسرة

قصص إنسانية، وجدت صداها عند الصحافيين، وهو ما أثر على سلبيا نفسيتهم. تقول سعيدة مليح في هذا الصدد: أحاول العمل على نفسي لتجاوز المشاهد الصعبة والمؤلمة العالقة في ذهني، من خلال استحضار كافة الدروس النظرية التي أخدتها سابقا في السلامة النفسية والصحافة الاستقصائية. لكن واجبها المهني يحتم عليها الصمود والقوة للاشتغال أكثر من أجل إيصال صوت منكوبي الزلزال.

تقول سعيدة إن الوضع مؤسف، فالأهالي يعيشونَ الفقر والتهميش منذ سنوات، وأتى الزلزال ليَزيدهم ألما. لكن سعيدة مليح تتمنى أن تصل الأمانات إلى أهلها، وأن يعالج الإصلاح وإعادة التعمير ما علق في ذاكرتهم من وجع. نداء سعيدة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي أن يرحموهم من كثرة الانتقادات، فمن استطاع المساعدة فليبادر، ومن لم يرى الواقع فليصمت.

أما سفيان البالي فيقول: عدت إلى مدينتي بجراح كبيرة حملتها معي. خلال الليلة الأولى لم أنم، قضيتها في التفكير، صرت أحس أن كل القضايا لم يعد لها معنى بعد كل هذا، وقلبي يعتصره ألم أعجز عن وصفه بالكلمات. كلما حاولت إغماض عيني لا أرى سوى صور الدمار، الجوع والرعب المرسومين على الوجوه هناك.

حسب سفيان البالي، فإن اللحظات التي أفلحَ في النوم فيها كان يستيقظ مفزوعاً بفعل الكوابيس. أثر هذا حتى على علاقاته مع أقاربه وأصدقائه، بحيث أصبحت مشاكلهم الشخصية تبدو له تافهة، وهو ما فتح الباب لنزاعات وتوترات طفيفة.

هي آثار الفجيعة، اختارت مرايانا، أن تقتفي بعض ندوبها، في أرواح من عملوا دوما على نقلها. هي بعض من آثار وجع… في جسد مهنة أنهكها الوجع. لكن بعض المنتمين لها، لازالوا يحرصون على مهنيتها وسلامتها، رغم الكوارث المتعاقبة التي دمرت الكثير من معالمها.

مقالات قد تهمك:

هشام روزاق يكتب: شعب الزِّ(غْـ)ــــــــزال… مايسترو يعزف رقصة الأطلس

مؤثرون وصحافيون “ساعدوا” الزلزال : تجارة وانتحال صفة وبطولات وهمية

وثقتها مرايانا : ليلة الزلزال المُدمر. كيف قضى ناجون ليلة الرعب الأولى في العراء

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *