مؤثرون وصحافيون “ساعدوا” الزلزال : تجارة وانتحال صفة وبطولات وهمية - Marayana - مرايانا
×
×

مؤثرون وصحافيون “ساعدوا” الزلزال : تجارة وانتحال صفة وبطولات وهمية

غير بعيد عن المؤثرين الاجتماعيين، حلَّ بمنطقة الفاجعة عدد من المراسلين وبعض المنابر الإعلامية، والتي عرفت تغطيتها انزياحات أخلاقية، وهو ما استدعى تدخُّل المجلس الوطني للصحافة الذي عبر في بلاغ له، عن قلقه من تواجد عدد من الأشخاص المنتحلين لصفة صحافي ووجود مواقع إلكترونية عديدة تشتغل بشكل غير قانوني.

أنا “أوسيلفي” إذن أنا مُتضامن! شعار الكثير من المؤثرين الذي جعلوا من فاجعة زلزال الحوز طبقا دسماً لنشاطهم الاجتماعي، فيما آخرون انتهكوا خصوصية الأطفال والنساء وشرعوا في التقاط صور للأطفال، وغيرها من صور تتضمن إيحاءات جنسية استنكرها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

تجارة رابحة

عمر أمدي؛ باحث في الإعلام والاتصال وإدارة الأزمات، يقول في حديث لمرايانا إن خطاب هؤلاء الأشخاص الذين يسمّون أنفسهم “مؤثرين”، وهم صناع محتوى بالدرجة الأولى، ينبني أساسا على “دغدغة” عواطف الناس ومشاعرهم من أجل استمالتهم عبر فيديوهات مؤثرة تصور مآسي الناس وتظهرهم في مشاهد “مذلة” من أجل حصد التفاعل، فالجمهور ينجر ويميل دائما إلى كل ما هو إنساني يحرّك مشاعره.

يورد الباحث أن صناعة المحتوى أصبحت تجارة قائمة بذاتها، تدر أموالا طائلة على هؤلاء “المؤثرين”، فتوثيق مآسي الضحايا والأطفال الصغار، واستغلال لحظات ضعفهم بشكل بشع، يزيد من نسب المشاهدات، لأن هذا النوع من المحتوى يحظى بمتابعة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا المعطى هو الذي يفسر تسابق مشاهير “الويب” على السفر إلى مناطق الفواجع حيث يجدون “مواد دسمة” لـ فيديوهاتهم.

من جهتها، يسرى هتافي، وهي باحثة في الإعلام والتواصل، تقول إن الخطاب الرائج عند المؤثرين تشوبه الكثير من التناقضات، حيث يعتبرون أنفسهم هم من قاموا بتشجيع المواطنين على المبادرات الخيرية وإن لهم الفضل في ذلك.

حسب يسرى هتافي، فإن حركات من يسمون بـ “المؤثرين الاجتماعين” ونشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يدخل في خانة الاستفزاز واللعب على الوتر الحساس، متجاوزين بذلك الحس الإنساني وروح التضامن عند المغاربة، منذ الوهلة الأولى بعد الزلزال المدمر.

تؤكد يسرى أن هذا الخطاب لا يغدو أن يكون مجرد تجارة فاسدة، واستغلال فادح لوضعية الناجين من الزلزال، فضلاً عن كونه تجارة بالمآسي والمعاناة.

على هامش نشاط المؤثرين، طفت على السطح صور تحمل إيحاءات جنسية للأطفال، يلتقطها مؤثرون آخرون. سلوك يقول عنه عمر أمدي، إنه مرفوض، واستغلال لبراءة أطفال الزلزال. لذا، يجب إحالة كل شخص سولت له نفسه استغلال هؤلاء الأطفال “جنسيا” على القانون، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حقه، ومعاقبته على هذه الممارسات الدنيئة.

أبطال وهميون

الحضور الكثيف للمؤثرين، يقول عنه عمر أمدي، إنه حب للظهور/ “للشو”، وخلق “البوز” وتعزيز “الشهرة الافتراضية”، وكلها غايات يهدف منها “المؤثر” زيادة أعداد المشتركين والمتابعين له بقنواته وصفحاته بـ”السوشل ميديا”، لأن الفواجع تجذب كل الأنظار وتكون الحدث الأبرز في ساحة “الويب”، وبالتالي الركوب على الموجة، وهو ما لاحظناه في فاجعة الزلزال وقبل ذلك في حادثة سقوط الطفل ريان في بئر.

من جهتها، تنتقد يسرى هتافي الحضور الكثيف للمؤثرين واستغلالهم للأطفال القاصرين من خلال بث صورهم، مطالبة بتدخل السلطات للحد من هاته الجرائم، موردة في سياق متصل، أن هؤلاء يعملون على تحسين صورتهم أمام المتابعين، وكسب بعض اللايكات واستدراج المتابعين الميسورين لإرسال المال لهم قصد التبرع بطريقة غير مباشرة.

تقول يسرى هتافي، إن السِمة الأساسية التي تطبعُ المؤثرين هي حب الظُهور والهوس بالسوشل ميديا. هوس الصورة والفيديو تحت أي ظرف وفي أي مكان دون مراعاة للحالة الإنسانية للأهالي. كما أن هؤلاء العناصر يحبون التظاهر، ركوب الموجة والتأثير في المتلقي قصد زيادة عدد المتابعين والسطو على أموال الغير.

حسب عمر أمدي، فإن فاجعة الزلزال أظهرت أن “المؤثرين” يتنافسون فيما بينهم، فكل “مؤثر” يحاول أن يبرز للجمهور أنه “المخلّص” وأنه يقوم بعمل بطولي من خلال توثيق مبادراته التضامنية بتوزيع المساعدات على الضحايا والمتضررين، خصوصا الأطفال والفتيات بالدواوير، بهدف حصد “اللايكات”. لذلك، كان في خطاب بعضهم جانب من “تعظيم الأنا” والتباهي أمام الملأ، من قبيل: (أنا أول واحد وصلت إلى هذا الدور الذي لم يصله أحد بعد مشقة) أو (أنا دعوت الناس للتبرع…).

صحافة تحت المجهر

غير بعيد عن المؤثرين الاجتماعيين، حلَّ بمنطقة الفاجعة عدد من المراسلين وبعض المنابر الإعلامية، والتي عرفت تغطيتها انزياحات أخلاقية، وهو ما استدعى تدخُّل المجلس الوطني للصحافة الذي عبر في بلاغ له، عن قلقه من تواجد عدد من الأشخاص المنتحلين لصفة صحافي ووجود مواقع إلكترونية عديدة تشتغل بشكل غير قانوني.

المجلس أكد أن ممارسة مهنة الصحافة، ليست هواية يمكن أن يقوم بها من لا يتوفر على التكوين والكفاءات الضرورية للقيام بها على أحسن وجه، أو محطة نهاية الخدمة، أو مجرد محاولة من طرف أشخاص للحصول على المكانة الاجتماعية التي تخولها.

تفاعلاً مع هاته التغطية، يقول الباحث عمر أمدي إنها كانت مقبولة، غير أنها عرفت مجموعة من الخروقات المهنية والانتهاكات غير الأخلاقية، مثل تصوير الأطفال والقاصرين بملامحهم في وضعيات إنسانية صعبة، دون مراعاة حالاتهم النفسية وهول الصدمة التي يعيشونها بغرض الإثارة وجذب الاستعطاف “المجاني”.

يقول عمر أمدي إن هذا النوع من التغطيات غير قانوني ويمس حقوق هذه الفئات، إضافة إلى عدم احترام خصوصية سكان تلك المناطق وكرامتهم أثناء التغطية، من طرف بعض حاملي الميكرفونات، كما يظهر في عدد من الفيديوهات.

يُرجع عمر أمدي الإشكال العالق إلى افتقار بعض الصحافيين لدورات تكوينية في مجال تغطية الكوارث الطبيعية والفواجع، إلى جانب وجود “متطفلين” و”منتحلي” صفة صحافي في ساحة الحدث، غير متمكنين من قواعد مهنة الصحافة وأخلاقياتها، لأنها لن تصدر عن صحافي مهني.

وبخصوص التغطية الإعلامية الدولية، يلاحظ عمر أمدي أن بعض المنابر، لاسيما الفرنسية منها، حاولت التركيز على الجوانب السلبية خلال تعاطيها مع الفاجعة، عوض نقل الأحداث بالتوازن والمهنية الضروريتين.

من جهتها، ترى يسرى هتافي، أن التغطية كانت جيدة ومقبولة، خصوصا متابعة القناة الثانية. أما الانزياحات، فتتمثل في عدم احترام الصحافة الأجنبية لخصوصية الساكنة، حيث، مثلا، قامت صحفية مصرية تنتمي لموقع أمريكي بالتقاط صورة لسيدة وهي تُرضع مولودها الصغير، وهو ما يتنافى مع خصوصية أهالي المنطقة.

عن تسليط الضوء على الأطفال، تقول يسرى هتافي، إنه مقبول وغالبا ما يكون في النكبات والفواجع حتى لا نبالغ، فغالبية المنابر العالمية تلتقط صوراً لأطفال سوريا وفلسطين وضحايا الزلازل. غير أن إقدام المؤثرين على تصوير الأطفال بشكل مبالغ فيه، ومتضمن لإيحاءات جنسية، أمر مرفوض كلياً، فضلا عن اقتناص صور للأطفال وهم يتسلمون المساعدات وهذا مرفوض، وهو ما ويمكن إدراجه في خانة الاتجار بالبشر والاسترزاق بمآسي المنكوبين.

مؤثرون بصموا على مشهد اتفق الجميع على أنه استغلال لمآسي الناس، وتجارة وانزياحات أخلاقية استغلت صعوبة اللحظة وقسوتها… هذا ما اتفق عليه عمر أمدي ويسرى هتافي، ومعهما الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي…

في النهاية، تطرح هذه السلوكيات، سؤال تدخل الدولة لردع هاته الممارسات، إما لتأطير هاته الفئة وردع تجار الأزمات، أو إيقاف العبث الحاصل في السوشل ميديا… كما تطرح أكثر من سؤال، عن حالة الجسد الصحافي المغربي، وسؤال الأخلاقيات والمهنية.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *