شجرة الكلام: شاي وثقافة واحتفاء بالكلمة والصنعة الكناوية - Marayana - مرايانا
×
×

شجرة الكلام: شاي وثقافة واحتفاء بالكلمة والصنعة الكناوية

في انتظار أن ترخي شجرة الكلام بظلالها، تتسلل إليك نسمات الشاي القادمة من المطبخ. جلسة الشاي عند المغاربة مقدسة، ثقافة ممتدة مع جذور شجرة الكلام، حين يحضُر الشاي على أصوله، تحضر اللَّمة، ويكون البوح والحديث عنوان الجلسة، ببساطة تقديم الشاي كنوع من الكرم. أما أن يكون ممزوجا بالكلام والفن الكناوي فذاك بُعد آخر، بُعد الحكمة، الأزلية، تجارب الحياة، روح المحبة والإنسانية التي تجمع بين الملتفين تحت شجرة الكلام.

نحن هنا لاستحضار روح لحسن الزيتون، أحمد بوصو، عبد الرحمان باكو، جورج لاباساد، محمود غينيا وغيرهم. هنا يحلو الحديث عن تاريخ كناوة وموكادور وتبادل الكلام الموزون حول مهرجان الصويرة وموسيقى العالم، بحضور مهتمين بالفن الكناوي ومعلمين، وأهل الزجل وفن القول وغيرهم. نتواجد الآن بالمعهد الفرنسي، شجرة الكلام.

أكورا كناوية

شجرة الكلام، فسحة للتفكير والنقاش. عُرفٌ سنوي دأب عليه كل من حضر مهرجان الصويرة. لا يمكن لزائر المهرجان أن يمُّر على المدينة دون إطلالة على شجرة الكلام، واحتساء الشاي، وسماع مقاطع كناوية حيث تمتزج الموسيقى بالثقافة والكلام وفن القول. وهذا ما اتجهت له مرايانا.

من ساحة مولاي الحسن، وعبر أزقة الصويرة، نصل إلى المعهد الفرنسي؛ حيث تُقام شجرة الكلام. ما إن تصعد الدرج لسطح المبنى حتى يستقبلك أهل الدار بحفاوة. المشهد شبيه بجلسة تعود لزمن جلسات الأهالي برياضات الصويرة، افترشت مرايانا الأرض بجانب الحاضرين. منهم من يستند إلى الحائط، ومن يجلس وسط الحلقة؛ حيث الزرابي التقليدية. البساطة هنا لا تخطؤها العين، فئة أخرى تجلس في الدرج، بينما يُطل البعض من الشرفة.

في انتظار أن ترخي شجرة الكلام بظلالها، تتسلل إليك نسمات الشاي القادمة من المطبخ. جلسة الشاي عند المغاربة مقدسة، ثقافة ممتدة مع جذور شجرة الكلام، حين يحضُر الشاي على أصوله، تحضر اللَّمة، ويكون البوح والحديث عنوان الجلسة، ببساطة تقديم الشاي كنوع من الكرم. أما أن يكون ممزوجا بالكلام والفن الكناوي فذاك بُعد آخر، بُعد الحكمة، الأزلية، تجارب الحياة، روح المحبة والإنسانية التي تجمع بين الملتفين تحت شجرة الكلام.

امتزاج الأرواح 

عن تجربته في حلقة شجرة الكلام، يقول المعلم عبد المجيد كردودي، وهو معلم كناوي قادم من تارودانت في حديث لمرايانا، إن شجرة الكلام تعني الكلام الموزون، الكلام الهادف، فسحة للتفكير والتأمل في تجربة كناوة وعالم تاكناويت. شجرة الكلام فرصة للتزود بالزاد الكناوي وتجاذب أطراف الحديث وسط عُشاق هذا الفن، وبحضور فنانين كناويين توارثوه جيلاً عن جيل.

يشعر المعلم عبد المجيد بفرح شديد؛ غنى رفقة مجموعته بشجرة الكلام، امتزجت الأرواح خلالها في جو كناوي، يقول المعلم عبد المجيد: “أنا محظوظ كثيرا لدعوتي للحضور والجلوس برحاب شجرة الكلام، الشجرة التي أرخت بظلالها علينا جميعا واستفدنا منها ومن الكلام الموزون تحتها”.

يعتبر عبد المجيد تجربته في شجرة الكلام، وفي مهرجان الصويرة “تجربة زينة”. هكذا بلكنته الرودانية ينقل لنا عبد المجيد تجربته، وهو الكناوي الذي دأب على حضور مهرجان كناوة ودأب على حضور شجرة الكلام، تعرفه ساحات الصويرة كما تعرف أبناءها وقاطنيها، نقل لنا ارتسامه بعد المهرجان، الذي قال إنه رد الاعتبار لكناوة، وساهم في التعريف بهم عالميا ووطنيا.

أفاد عبد المجيد أنه، في وقت سابق، كانت تاكناويت معروفة عند فئة خاصة فقط، هاته الفئة تعرف كناوة وليالي الجدبة وغيرها. أما الآن، فقد صارت على كل لسان، يعرفها الكبير والصغير، صارت لها مكانتها وقيمتها باعتبارها إرثا فنيا وثقافيا، وكلاماً موزونا تناقلناه عن آبائنا، يُترجم اليوم من خلال شجرة الكلام والمهرجان.

الأجواء هنا تطبع عليها الثقافة والموسيقى والفن والإنسانية. هنا يتعارف الناس، يتقاسمون الأفكار ويستفيدون من بعضهم البعض، يبحثون عن أفق أرحب لتاكناويت. الكل هنا يجمع على أن كناوة تستحق الأفضل. شجرة الكلام وغيرها من اللقاءات تدفع الكثيرين للبحث في أسرار الثرات الكناوي، فالغناء الكناوي ينطلق من الكلام. هو الأساس، ثم فيما بعد الموسيقى.

شاي، وَتَرْ وأنثروبولوجيا 

منير هو الآخر عاشق لكناوة، يحضر للمهرجان منذ 2006. الجلوس تحت ظلال شجرة الكلام طقس لابد منه، بين تاريخ وأنثروبولوجيا الفن الكناوي، يلتقط إشارات عديدة داخل شجرة الكلام، أو خلال حضوره بمنتدى المهرجان لحقوق الانسان “الهويات وسؤال الانتماء”، أو عبر النقاشات التي يفتحها المثقفون في المقاهي المحاذية لفضاءات المهرجان.

يقول منير في حديثه لمرايانا إن شجرة الكلام تعني له الكثير، فهي الشجرة التي تُتَرجم فيها كلمات كناوة وأعلامها (بابا ميمون، لالة ميرة، والساندية)، ونعبر من خلالها رحلة كناوة حيث التاريخ والامتداد، بحضور أنثروبولوجيين ومتخصصين في سوسيولوجيا الفن والمهتمين بكناوة كمادة علمية دسمة.

يعتبر منير أن شجرة الكلام هي ذاك التجمع الذي يُترجم أغاني كناوة ثقافيا، في لمة إنسانية يغلب عليها طابع البساطة والإنسانية. نشترك الجلوس كتفا إلى كتف، نتجاذب أطراف الحديث، نحتسي الشاي الذي يُقدم لنا عربون ترحيب ومودة، وهذا يلقى استحسان الكثيرين وتحديدا السياح الذين ينبهرون بالشاي المغربي.

هنا في شجرة الكلام مداخلات وتجاذبات أنثروبولوجية وثقافية، تتخللها بين الفينة والأخرى مقاطع غنائية لمعلم كناوي أصيل، فالشجرة تتجاوز حدود الممكن هنا، غير أنها لا زالت لم تأخذ حقها الكامل ضمن أنشطة المهرجان. جلستان ضمن المهرجان أمر غير كاف. لذلك، أتمنى أن تتمدد جذور شجرة الكلام في الزمان والمكان، وتتجاوز حتى إطار المهرجان، لتقام في مواعيد متعددة، تحتضنها فضاءات أخرى للتعريف بهذا التراث العالمي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *