“لا أرحام بين الملوك”… عندما قتل الخلفاء العثمانيون إخوتهم - Marayana - مرايانا
×
×

“لا أرحام بين الملوك”… عندما قتل الخلفاء العثمانيون إخوتهم

أول ما ابتدأ به السلطان محمد الثاني (1451-1481) حكمه، هو قتل أخيه الرضيع أحمد. قام محمد الثاني بتلفيق تهمة قتل الرضيع إلى أحد رجال دولته، وأمر بقتله قصاصا للمقتول.
… شريعة قتل الأخ سيجري تقنينها مع محمد الفاتح، إذ وضع بندا خاصا لقتل الإخوة، ضمن مجموعة “القانون نامه” الذي أصدره، والذي جاء فيه: “وأي شخص يتولى السلطة من أولادي، فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به”.

يعتبر الكثيرون… أن الدولة العثمانية، تشكل نموذجا للخلافة الإسلامية. بل ذهب آخرون إلى الحلم بإعادتها، وهو ما لعب، ويلعب كثير من الساسة إلى اليوم، على وتره.

في هذه الورقة، نقدم أحد أوجه الإمبراطورية العثمانية (1299-1922).

إمبراطورية…إضافة الى اقترانها بعصور الجمود والانحطاط، تخللتها صراعات دموية، أجازت لسلاطين بني عثمان تشريع قتل إخوتهم.

ما قبل تشريع قتل الأخ

انطلقت دولة بني عثمان بصراع بين عثمان بن أرطغرل (1299-1326) وعمه، انتهى بقتل الأخير، فيما سيقوم السلطان مراد الأول (1360-1389) بقتل شقيقه سليمان ليصل للحكم. أما ابنه بايزيد الأول… فقد قتل أخاه صاووجي.

بعد مقتل السلطان مراد الأول في ساحة القتال، بايع كبار القادة بايزيد (1389-1403) سلطاناً في 16 يونيو 1389. فكان أول ما قام به قتل أخيه يعقوب خنقاً.

محمد الفاتح يقنن قتل الإخوة

افتقد العثمانيون لقانون ينظم توارث الحكم، وكانت هذه معضلة لازمت الدولة العثمانية. لذا، كان أول ما ابتدأ به السلطان محمد الثاني (1451-1481) حكمه، هو قتل أخيه الرضيع أحمد، وإرجاع والدة الرضيع، الأميرة مارا الصربية، إلى والدها. قام محمد الثاني بتلفيق تهمة قتل الرضيع إلى أحد رجال دولته، وأمر بقتله قصاصا للمقتول.

بعد وفاة السلطان سليم الثاني، تولى الحكم مراد الثالث (1575-1596)، فكان أول ما قام به، الأمر بقتل أخوته الخمسة (محمد، سليمان، مصطفى، جهانكير، عبدالله).

… بعد وفاة مراد الثالث عام 1596، تولى الحكم ابنه، السلطان محمد الثالث، وكان له تسعة عشر أخاً، فكان أول ما أمر به، قتلهم جميعا عن طريق الخنق، وذلك قبل دفن أبيه، ودفنهم معاً اتجاه جامع آياصوفيا في إسطنبول

شريعة قتل الأخ سيجري تقنينها مع محمد الفاتح، إذ وضع بندا خاصا لقتل الإخوة، ضمن مجموعة “القانون نامه” الذي أصدره والذي جاء فيه: “وأي شخص يتولى السلطة من أولادي، فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به”.

حصل الفاتح على تأييد الفقهاء، إذ أعلن عدد منهم أن هذا التشريع لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأصبحت سنة عند سلاطين بني عثمان.

بايزيد: لا أرحام بين الملوك

ترك السلطان محمد الفاتح ابنين هما جم وبايزيد. بعد وفاة السلطان محمد الثاني، في 3 ماي 1481، خلفه ابنهَ الأكبر بايزيد الثاني، بدعم من قوات الإنكشارية، وهو ما رفضه الأمير جم، فأعلن الثورة، ونصب نفسه سلطاناً على الأناضول، وأمر بالدعاء باسمه في خطبة الجمعة، وسك النقود باسمه.

قام الأمير جم بإرسال بعثة إلى أخيه يقترح الصلح مقابل اقتسام البلاد، فيكون القسم الأسيوي من نصيب جم، والأوربي لبايزيد الثاني، وهو ما رفضه هذا الأخير.

اقرأ أيضا: شغب ناعم… قصة جارية حكمت الدولة العباسية 1/2

 قام الأمير جم بعدها بتكليف عمتهم سلجوق خاتون، التي تحظى باحترام العائلة المالكة، بترؤس وفد ً ضم كبار العلماء لإقناع بايزيد بقبول مقترح جم.

ولما التقت سلجوق خاتون بالسلطان بايزيد في معسكره، وطلبت منه أن يقبل عرض أخيه جم، تجنباً للحرب بين الأخويين، رفض بايزيد مقترحاتها ومن معها قائلا لهم: “أن لا أرحام بين الملوك”.

ضريبة لفرسان الصليب والبابا، مقابل أسر الأخ

دارت رحى الحرب بين بايزيد الثاني وأخيه جم، وانهزم هذا الأخير مرارا حتى أرغم على اللجوء إلى جزيرة رودس، التي كانت تحت سيطرة “فرسان الإسبتارية”، إحدى الفرق المنبثقة عن فرسان المعبد، أحد الاذرع القوية خلال الحروب الصليبية.

رغم العداوة المستحكمة بين بايزيد وفرسان الاسبتارية، الذين كانوا يغيرون على سواحل ليبيا وتونس بشكل مستمر، إلا أن بايزيد أرسل وفداً إلى رئيس الفرسان، يعرض عليه إبقاء الأمير جم أسيرا لديه، وإبعاده عن جزيرة رودس، مقابل دفع السلطان لضريبة سنوية، مقدارها (45000) ليرة / دوكاً ذهبية، والتعهد بعدم التعرض لجزيرة رودس طيلة حياته.

بعدما رزق السلطان أحمد الأول بابنه عثمان سنة 1605، حاول أن يقتل أخاه مصطفى، إلا أن الأمراء ورجال البلاط منعوه من القيام بذلك، خوفا من حدوث ما يقطع نسل آل عثمان.

بعد هذه المرحلة، جرى استبدال شريعة قتل الأخ بقانون آخر، ينص على سجن كل الأمراء، –باستثناء أبناء السلطان الحاكم، في القصور ومنعهم من كل أشكال الاتصال بالعالم الخارجي، ليقضوا حياتهم في صحبة الجواري والعبيد والغلمان.

قبل رئيس الفرسان بالعرض، وأرسل جم إلى فرنسا، حيث ظل يتنقل في بلداتها مدة سبعة أعوام، إلى أن سلمه رئيس الرهبنة إلى البابا انوسان الثامن.

حينها كان على بايزيد أن يجد حلا…

والحل كان في غاية البساطة…

اتصل بايزيد الثاني بالبابا، وطلب منه إبقاء الأمير جم عنده، مقابل أن يدفع له ما كان يدفع لُفرسان الاسبتارية.

سليم يعزل والده ويصفي إخوته

تآمر سليم ابن بايزيد مع الإنكشارية على والده وأرغموه، سنة 1512 م، على التنازل عن العرش لابنه سليم، وهو ما أثار غضب أخيه أحمد، فثار على أخيه السلطان سليم. هذا الأخير قاد حملة عسكرية ضده، فما كان من أحمد إلا أن لاذ بالفرار، ليقوم سليم بقتل أولاد أحمد الخمسة، الذين كان أكبرهم يبلغ من العمر عشرون عاماً، وأصغرهم لم يتجاوز السبعة أعوام، ثم تمكن من أحمد وقتله، ثم قتل أخاه كوركود.

بعد وفاة السلطان سليم الثاني، تولى الحكم مراد الثالث (1575-1596)، فكان أول ما قام به، الأمر بقتل أخوته الخمسة (محمد، سليمان، مصطفى، جهانكير، عبدالله).

اقرأ أيضا: توريث جاه النبوة: سياسة للناس، توسيع للنفوذ ومراكمة للثروات! 3/2

بعد وفاة مراد الثالث عام 1596، تولى الحكم ابنه، السلطان محمد الثالث (1596-1603)، ابن صفية الإيطالية، وكان له تسعة عشر أخاً، فكان أول ما أمر به، قتلهم جميعا عن طريق الخنق، وذلك قبل دفن أبيه، ودفنهم معاً اتجاه جامع آياصوفيا في إسطنبول، وهو ما أثار غضب العامة عليه.

الحجز عوضا عن القتل… خوفا من انقطاع النسل

ظل خلفاء محمد الفاتح يسيرون على نهج تشريع قتل الإخوة، إلى أن تولى السلطان أحمد (1603-1617) الحكم بعد وفاة والدة السلطان محمد الثالث.

السلطان أحمد سيبطل شريعة قتل الإخوة، وذلك لأنه تولى الملك وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة، ولم يكن له أبناء، وكان له أخ واحد، مختل عقليا اسمه مصطفى، لذا لم يقتله خوفاً من انقطاع نسل أسرة آل عثمان، فحجزه، وعزله عن العالم الخارجي في جناح خاص، داخل جناح الحريم في قصر السلطان.

بعدما رزق السلطان أحمد الأول بابنه عثمان سنة 1605، حاول أن يقتل أخاه مصطفى، إلا أن الأمراء ورجال البلاط منعوه من القيام بذلك، خوفا من حدوث ما يقطع نسل آل عثمان.

بعد هذه المرحلة، جرى استبدال شريعة قتل الأخ بقانون آخر، ينص على سجن كل الأمراء، –باستثناء أبناء السلطان الحاكم، في القصور ومنعهم من كل أشكال الاتصال بالعالم الخارجي، ليقضوا حياتهم في صحبة الجواري والعبيد والغلمان.

كانت هذه صفحة من صفحات تاريخ سلاطين الدولة العثمانية، التي كان طابعها الصراع حول الملك، ودسائس القصور، وكثيرا ما قتل الأبناء آباءهم أو العكس… طمعا في العرش.

 

اقرأ أيضا: ملف “المُلك عقيم” من خمسة أجزاء

تعليقات

  1. مصطفى

    مهتم بالتاريخ

  2. Rachida

    مواضيع مفيدة

  3. momo

    good

  4. abde rrahim

    مواضيع هادفة

  5. فتاح

    مواضيع هامة

اترك رداً على abde rrahim إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *