الدين البهائي بالمغرب: مرايانا داخل عقائد البهائيين المغاربة 1 - Marayana - مرايانا
×
×

الدين البهائي بالمغرب: مرايانا داخل عقائد البهائيين المغاربة 1\2

“البهائيّة” التي قد يعتبرها البعض مذهبا أو فرقة إسلامية، هي، في نظر معتنقيها، تاريخيا، دين عالمي مستقلّ كليًّا عن الديانات السماوية الأخرى.

هذا الدين يعيش حكاية خاصة، لأن نشأته قريبة زمنيًّا منا، إذ لم تتجاوز قرنا ونصف بعد. يؤرخ لدعوة ميرزا حسين علي النوري في ربيع سنة 1863م في بلاد الفرس، إيران.

ترجع جذور هذا الدين لشاب تاجر يلقب بـ”الباب” الذي بشّر سنة 1844م بقرب ظهور رسالة جديدة مقدّر لها أن تُحدث تحولا في حياة البشر الروحانية. كان دور الباب أساسا التهييء والتمهيد لظهور “رسول” جديد، سيُعرف في ما بعد بلقب “بهاء الله”.

رسالة بهاء الله، وفق معتنقيها، تواري هدفا لتطوير “الحضارة العالمية، وذلك عبر الأخذ بعين الاعتبار البعدين الروحاني والمادي لحياة الإنسان. من أجل ذلك، تحمّل السجن والتعذيب والنفي طيلة أربعين عاما”. سيترجل بهاء الله بعد رحلة طويلة في الدعوة في عكّا بفلسطين سنة 1892.

لكن رحيله لم ينهِ الدين البهائي، بل كانت الآثار الكتابية التي خلّفها بوصلة لاستمرار “قداسة” البهائية… حتى وصلت للمغرب. فما حكاية البهائية التي يدين بها بعض المغاربة؟ وكيف وصلت للمغرب؟ وكيف يعيش المنتسبون إليها؟

عصبُ الديانة والاستقلال

ياسين بقير، 32 سنة، مستشار في الاقتصاد الاجتماعي، هو بهائي مغربي يقدم لمحة عن البهائية التي يعتقد بها دينيا.

يبيّن بقير أنّ الدين البهائيّ يتمحور ‎”حول مبدأ الوحدة. يؤمن البهائيون بوحدانية الله الواحد الأحد، ويؤمنون بوحدة الدين بحيث يُعتبر دين الله واحدا، يتجدّد باستمرار عن طريق تعاقب الرّسل ورسالتهم. يتمّ ذلك حسب احتياجات الإنسانية في كل زمان، كتتابع صفحات الكتاب الواحد، مع التأكيد على مبدأ استمرار الهداية الإلهية للبشرية.

ياسين بقير, 32 سنة، عضو مكتب الاتصال للبهائيين في المغرب

كما “يؤمنون كذلك بوحدة الجنس البشري حيث أنّ الإنسانية اليوم تمرّ من مرحلة طفولتها الجماعية نحو مرحلة البلوغ والنضج، والتي ستشهد تأسيس الوحدة العضوية للأسرة الإنسانية وتحقيق السلام العالمي”.

بقير، الذي هو عضو مكتب اتصال البهائيين بالمغرب، يجد أنه لابد من الإشارة إلى دعوة بهاء الله إلى “السلام العالمي، والوحدة في التنوع، ونبذ التعصبات العرقية والقومية والدينية والطبقية، وإرساء المساواة التامة بين الجنسين، وضرورة توافق الدين والعلم، ونبذ الخرافات، وتحري الحقيقة بدون قيود، وعدم توريث الدين أو فرضه أو توظيفه للجدال والخصام، والحدّ من الثروة الفاحشة والفقر المُدقع، وفرض التعليم العمومي للبنات والأولاد على حدّ سواء، وأهمية التربية الروحانية والفكرية والفنية والجسمانية، وتعويض مؤسسة الكهنوت بمؤسسات منتخبة، والتخلّي عن السياسة الحزبية”.

أكثر من ذلك، فإنّ الدين البهائي يدعو، وفق ما يوضّحه بقير لمرايانا، إلى “تأسيس مؤسسات دولية لحلّ الخلافات سلميا وتقريب الشعوب وتحقيق العدالة العالمية، واعتماد لغة عالمية ثانوية بجانب اللغات المحلية، والاهتمام بالثقافات والفنون المحلية، واتخاذ نظام عالمي موحّد للعُملة والمقاييس، وغيرها من المبادئ التي توازن بين الحرية الفردية والصالح العام، وبين البُعد المحلي والبعد العالمي للمجتمعات المعاصرة، في عالم متنوع ومترابط يواجه تحدّي تطاحن الهُويات الفرعية في ما بينها بالإضافة لكل التحديات البيئية والاقتصادية والصحية والغذائية التي تستدعي استجابة جماعية وتضامنا عموميا”.

لكن… كيف يعكس المغاربة البهائيون كلّ هذه العقائد فكراً وعملاً؟  قبل أن يجيب، يريد وديع بنعمر، بهائي مغربي، أن يشير إلى بدايات البهائية بالمغرب، التي تعود إلى بداية الاستقلال، وخصوصا خلال سنتي 1952 و1953م. حينها، كانت بعض العائلات التي تدين بالبهائية قد قدمت للاستقرار بالمملكة المغربية التي تخوض غمار الحركة التحريرية من الاستعمارين الفرنسي والاسباني.

تلك العائلات كانت من أصول مختلفة، لكن الجامع بينها، كان الرغبة في نشر الديانة البهائية بالعالم والتعريف بهذا “الدين الجديد”. وبالفعل، اعتنق بعض المغاربة معتقدات بهاء الله، وتشكلت نواة الجامعة البهائية المغربية.

وديع بنعمر، بهائي مغربي، ومندوب صحي

غير أنّ القصّة لم تستمرّ على ذاك النحو. لم يكن الأمر مجرد حكاية معتقدات دينية تلزم معتنقيها، بل تحولت إلى قضية سياسية أدّت إلى اعتقال أربعة عشر فردا بهائيا بمدينة الناظور المغربية سنة 1962.

صدرت، حينها، أحكام مختلفة في حقّ معتنقي هذا الدين، بلغت حدّ الإعدام بالنسبة لثلاثة منهم. الوعي المغربيّ كان مركبا وقتها، وكانت هناك قوى تقدمية وحداثية تناضل لأجل إسقاط التهم عن البهائيين.

حدث نقاش عام دفع المجلس الأعلى للقضاء إلى الحكم بإبطال جميع التّهم وتبرئة المعتقلين دون إحالة سنة 1963. هنا، نشير أنّ التضييق على التجربة الإيمانية البهائية ظلّ ساريا بالمغرب حتى بداية الألفية، واتخذ أشكالاً مختلفة.

 حياة البهائيين المغاربة… اليوم؟

نصرة بنعمار، 25 سنة وهي صحافية وبهائية مغربية، تقول في تصريحها لمرايانا إنّ البهائيين يمارسون شعائرهم وأعيادهم بكلّ أريحية وتلقائية داخل مجتمعهم.

البهائيون مغاربة قبل كلّ شيء، لذلك تعتقد بنعمار أنّ “خطاب الكراهيّة قلّ نتيجة التطور الذي طبع المجتمع المغربي. حتى التعايش صار ممكنا لأنّ التضييق على الأقليات الدينية لم يعد مثلما كان في السابق. التصورات الرافضة التي تصدر عن البعض هي فقط حالات معزولة، ولا تعكس هجومًا ممنهجا من طرف جماعات أو من طرف جهات إعلامية ما”.

نصرة بنعمار، صحافية وبهائية مغربية

تبعا لتجربتها الخاصّة، تعتقد بنعمار أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تسهيل حياة البهائيين المغاربة، وفي فهم الآخر وحقّه في أن يكون كما يشاء.

تواصل المتحدثة قائلة: “من الطّرائف أنني قبل أربع سنوات، انتقلت إلى مدينة صغيرة معروفة بمحافظتها. ظننت أنه سيكون صعبا أن أعبر عن قناعاتي الدينية، لكني اندهشت بسلوكات الشباب المتقبّلة. أنا على يقين أنّ هذا الجيل الذي نشأ في الرقمية وتكوّن جزء كبير من قناعاته داخل الأكوان الافتراضيّة، سيكون ثمرة جميلة لمفاهيم التعايش الخصبة بين الأديان في أفق المغاربة”.

أمّا فيما يتعلق بالأعياد التي يحتفل بها البهائيون المغاربة، فهي تسعة أعياد، تسمى بالأيام المحرمة، وأولها يسمى بعيد النوروز، وهو عيد رأس السنة البهائية ويكون إما 21 أو 22 مارس من كل سنة، حسب الاعتدال الربيعي، فيكون أول يوم للسنة البهائية وأول يوم في فصل الربيع وهو من أقدم الأعياد الموجودة في التجربة الإنسانية ويحتفل بها في بلدان فارس والمنطقة المجاورة لبلاد فارس؛ وفي نفس الوقت، هو شبيه بعيد الفطر عند المسلمين.

شريعة الصيام تتم وفقا للتقويم البهائي، الذي يتشكل من 19 شهراً، كل شهر يتكون من 19 يوماً. هكذا، يكون الصيام في شهر العلاء، وهو الشهر الأخير في السنة البهائية. يصوم البهائيون المغاربة كغيرهم من فاتح مارس أو اليوم الثاني منه إلى غاية 21 أو 22 من ذات الشهر.

أما شريعة الحجّ، فتقام في بيت “الباب” بمدينة شيراز بإيران، وبيت سكنه بهاء الله ببغداد، بالإضافة لضريح الباب بمدينة حيفا، ومرقد بهاء الله في مدينة عكا الذي يعتبر قبلة البهائيين. إيران والعراق معروفتان بمواقفهما المتطرفة ضد البهائيين. لذلك، فشريعة الحج تقتصر حاليا على زيارة تسعة أيام بالمركز البهائي العالمي في حيفا وعكا.

وعن الأعياد، يوضح لنا وديع بنعمر أنّه “يتم إحياؤها في البيوت ولا تعقد بطريقة عمومية كما يحدث في دول أخرى. ما يميز هذه الأعياد أنها مفتوحة للجميع، لأنها تشكل لحظة تعايش حقيقي حيث تنتفي تلك العزلة الاحتفالية ويصبح الكلّ مدعوا للمشاركة سواء كان الحاضرون يعتنقون الدين البهائي أم لا. كبهائيين، نبارك لأصدقائنا وجيراننا من المسلمين والمسيحيين واليهود أعيادهم، كما أنّ العديد منهم يبادلوننا نفس الأمر في أعيادنا، بل ويشاركوننا في ذلك عبر تأكيد قيم “تمغربيت” والكرم من خلال إحضارهم للمأكولات والمشروبات، إلخ”.

هنا، يتقاسم ياسين بقير بعض المشاهد التي تعكس وجود البهائيين مغربيًّا، حيث يقول إن العديد من معارفه من المسلمين “يأتون قبليًّا للتّجهيز معنا لأجواء الاحتفالات داخل منازلنا ويشاركوننا فرحتنا من خلال أنشطة فنية وأنشطة شعرية. بعض الأصدقاء تجاوزوا المتعارف وصاروا يدعون بهائيين لمنازلهم، ليحتفلوا بأعياد تخص البهائيين الضيوف حصراً.

هذه المسألة لم تكن متاحة في السّابق نظرا لكون الدين البهائي لم يكن معروفا في المجتمع، والهوية الدينية كانت محطّ تحفظ كبير من طرف معتنقيها بسبب الأحكام الظنية، وبسبب القمع والتعتيم الذي طال البهائيين في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي”.

لكن بقير يرى أنّ مطلع الألفية حمل ظهور بعض الجديد فيما يخص الدين البهائي بالمغرب، حيث صرنا نرى تقبلا كبيرا يتجاوز خطاب الكراهيّة الذي ساهم في تحجيم الحساسيات الدّينية الأخرى. “الآن، صار سهلا أن نعرّف بأنفسنا كبهائيين. الصّدمة والاستغراب غالبا ما تبدو على وجوه المسلمين حين نخبرهم. لكن، ليست صدمة رفض وجودنا، وإنما صدمة معرفية خالصة، لأن معرفتهم بالدين البهائي أحيانا منعدمة، أو متواضعة إجمالاً”.

يعود بنعمر مجددا ليؤكد أنّ هدف العبادات عند البهائيين هو تهذيب الروح، حتى تقدم في النهاية “مواطنا” صالحا ومنتجا؛ أي أن عبادته لا تكون مبنية على الخوف أو الطمع في الأجر، وإنما لكي تجعله فردا جيدا داخل مجتمعه ودولته بالمفاهيم المعاصرة. لهذا، فالإيمان مقترن بالعمل عند البهائيين.

بالنسبة للصلاة في الدين البهائي، فهي صلاة فردية، وليس هناك صلاة جماعية إلا صلاة الجنازة. كل شخص يصلي بمفرده، لكن تلاوة المناجاة والأدعية يمكن أن تتم إما فرديا أو بشكل جماعي، ويمكن أن تتم أيضا، وهذا المثير، بمشاركة أي عقيدة أو ديانة أو مذهب أو طائفة.

يمكن أن يجلس البهائي مع أشخاص من ديانات مختلفة يحملون كتبهم المقدسة ولا يشعرُ بأيّ امتعاض تجاههم لأنهم مختلفون عقائديا. الغاية هي توحيد الأرواح والأفكار حول الأفكار النبيلة للدّين وجعله عامل توحيد وليس عامل تفرقة، طبعا بعيدا عن المعنى السياسيّ للمسألة.

في الجزء الثاني، نقدم قصصًا لمغاربة كانوا مسلمين أو نشأوا في أوساط عائلية إسلامية، ثمّ “تحولوا” للبهائية. ما هي تفاصيل هذا “التحوّل”؟ كما سنقدم بعضا من تطلّعات البهائيين المغاربة للمجتمع والدولة.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *