الديانة البهائية في المغرب: مغاربة مسلمون… اختاروا البهائية 2 - Marayana - مرايانا
×
×

الديانة البهائية في المغرب: مغاربة مسلمون… اختاروا البهائية 2\2

في هذا الملف الذي نخصصه لمعيش البهائيين المغاربة، قدمنا في الجزء الأول أهمّ المبادئ التي تعتبر أسسا جنينية لهذه الديانة منذ ظهورها في القرن 19، كما قدمنا تأريخا لوجود البهائية بالمغرب، التي تعود إلى بداية الاستقلال و”تفكيك” الحمايتين الفرنسية والاسبانية.

في هذا الجزء الثاني، سنرصد قصصًا لمغاربة اعتنقوا البهائية طوعا واختياراً في سبيل ما يعتبرونه “تحري الحقيقة”… كما سنعرض، على ألسنة البهائيين المغاربة، أهم تطلعاتهم في إطار مشروع الدولة المدنية الحديثة.

بالنسبة للبهائيين المغاربة، فهم موجودون في معظم المدن المغربية الكبرى، وكذلك في بعض المناطق القروية، وهم لا يعيشون كجماعات منغلقة على نفسها، بقدر ما هم منخرطون في المجتمع والهوية المغربيين. غير أنّه، نظرا لغياب أرقام وإحصائيات، فليست هناك معطيات دقيقة عدديا فيما يتعلّق بالمغاربة البهائيين. ومع ذلك، هم يعتبرون أنّ الشرط هو الوجود، وهذا أبلغ من العدد.

من الإسلام إلى البهائيّة

وديع بنعمر، بهائي مغربي ومندوب صحي، يرى وفقا لتجربته التي تكللت بالعبور من الإسلام إلى البهائية، أنّ “اعتناق البهائيّة يأتي في إطار البحث عن “الحقيقة”. لكنّ ذلك لا يعني الخروج من دين والدخول في آخر، لأنه، في الديانة البهائية، ثمّة تصور يقول بأنّ الديانات متسلسلة ومتكاملة وليس هناك دين أفضل من دين أو طريقة تعبدية صحيحة في ملة وخاطئة في ملة أخرى، بقدر ما هناك ضرورة لتطوير بعض المفاهيم الدينية والروحانية التي تناسب كل عصر. كما أنّ الإعلام بالمغرب لعب دوراً أساسيًّا في التّعريف بالبهائيّة التي نبتت في عقائد جزء من المغاربة.

وديع بنعمر، بهائي مغربي

هناك، بالفعل، حسب بنعمر، إعلام ينطلق من مرجعيّة مختلفة قد يعتبرنا على ضلال أو “كفارا”، لكنه صار ينحصر، لأن الأمر أصبح بيد إعلام مهني يطرق أبوابنا منذ سنوات، ويستمع إلى تجاربنا ويعرّف بديننا وعقائدنا. هذا التوجه ساهم في تصحيح الكثير من المغالطات التي يمكن أن تكون سائدة عند الناس حول البهائيّة”.

لكن، رغم كل ذلك، يفسر المتحدث لمرايانا أنّ “التحول”، أو لنقل مواصلة رحلة التدين مع البهائيّة، لازال يطرح مشكلا في أفهام الناس. “هم لا يعرفون الشيء الكثير عن ديننا، وبمجرّد معرفة أنّنا لا نعتنق الإسلام يؤطروننا داخل أفق المسيحيّة أو اليهوديّة”.

يواصل بنعمر بأنه: “أحيانا، نمر بالشّارع ونسمع “ها هو المسيحي”، أو “أيها اليهوديّ”، إلخ. نحن نتخذ أعذارا للعوام بما أن هذه التجربة الإيمانية ليست معروفة بشكل كاف، ومعظم الناس لم تسمع قطّ بهذا الدين”.

يخلص بنعمر بأنه “لا يمكن أن ندخل في نقاشات مع كلّ فرد، فليس كلّ شخص مستعد لتقبل الاختلاف، لذلك نقتصر في نقاشاتنا العقدية مع أشخاص نعرف أن النقاش والاختلاف معهم لن يفسد للود قضية أبدا”.

عن اعتناقه للبهائية، يقول مصطفى قريشي، بهائي وأستاذ متقاعد، إنه حين ذهب للدّراسة بالنّاظور في ستينيات القرن الماضي، كان لديهم مقتصد لطيف يسمى عبد العزيز الورياشي. كان هذا المقتصد شخصا بمثابة قدوة في السلوك والنهج والأخلاق والمبادئ. لكن، بعد مدة شاع أنه تم القبض على مجموعة من البهائيين بالناظور سنة 1962، وكان ضمنهم الورياشي.

يقول قريشي مضيفا: “صدمنا أن يكون هذا الرّجل بهائيًّا. كنت متدينا كثيرا وقتها. وحضرنا للمحاكمة وأردنا أنا وبعض زملائي أن نُحضر الحجر لنرجم البهائيّين. بمجرد وصولنا، وجدنا جماهير غفيرة أمام المحكمة. وكانت هناك مكبرات للصوت لكي نتابع أطوار المحاكمة.

مصطفى قريشي، بهائي مغربي

كان أول سؤال للقاضي لكلّ بهائيّ هو “أين السلاح؟”. في الجلسات الأخرى، كانت الأسئلة دينية خالصة وكان أحد المحكومين يجيب أجوبة مدهشة تجعل الكثير ممن يستمعون يصفقون. أدركنا أنهم متعاطفون مع البهائيين المحكومين”.

ثمّ، بعد مدة، تعرف قريشي بالصّدفة على أحد البهائيين المحكومين. كانت تبرئتهم قد تمت حينها. يقول المتحدث عن ذلك: “فتحنا نقاشا وكان متعجلا وقدم لي كتابا بعنوان “التّبيان والبُرهان”. قرأت الكتاب بمتعة كبيرة، وأنهيته متعطشا لمزيد من المعرفة عن هذا الدين، فسألت شخصا كنت أعرفه بهائيا عن الجزء الثاني من الكتاب. قرأته وطالعت كتبا كثيرة. أيقنت أنّ ضالتي موجودة في هذا الدين. وبعد رحلة معرفية خالصة صرت بهائيا بعدما كنت مسلما”.

في سياق متصل، يرى باسين بقير، عضو مكتب اتصال البهائيين بالمغرب، أنّ “موضوع “الانتقال” من الإسلام إلى البهائيّة يتعلق بالتّجربة الخاصّة لكلّ فرد، ومفهومه الشّخصيّ لما يعرفُ في ديننا بتحرّي الحقيقة. لكن، ما يشد بقير كثيرا في الدين البهائي هو مفهوم التطور والتحول. بقير والده مسلم ووالدته بهائية، لكنه انخرط في رحلة طويلة لتقصي الحقائق منذ سن الخامسة عشرة، ولا يزعم أنّ عملية التقصي انتهت…

مفهوم التطور، حسب ما يوضحه بقير لمرايانا، “يقاوم النّكوص والجمود، بما أنّ المجتمعات تتطوّر وأشكال الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية تتغير باستمرار. البهائية لا تراهن على جمود عقديّ يتم اجتراره لقرون، بل هو متجدّد في ذاته. التطور المادي عندنا يقتضي تطوراً روحانيًّا.

والتطور الذي دخلته الإنسانيّة منذ القرن 19 هو الأضخم على الإطلاق، لذلك لم تعد الثّروة الرّوحية القديمة كافية أمام هذه التحوّلات الكبرى… لم يعد مهما، مثلاً، أن نتحدث عن الطّائفية أو عن المؤمن والكافر، لأنّ المواطنة هي المفتاح الأوّل داخل الدول الحديثة”.

تطلّعات مشروعة

أمينة جاوان، أستاذة جامعية وبهائية مغربية تبلغ من العمر 61 سنة، تعتبر أنّه، عندما تكون حرية المعتقد مكفولة بموجب القانون، فهذا يعزز المساواة بين جميع المواطنين، في الحقوق والواجبات، مهما كانت خلفيتهم الدينية ومعتقداتهم، وهذا يقوي الإحساس بالأمان والاطمئنان، بما أنه يُفترض أن القانون سيحمي ضدّ أي تجاوزات قد تمسّ بهذه الحرية.

ولكن القانون لوحده لا يكفي، بل ينبغي أن يرافقه تطور في الفكر المجتمعي والذي يحتاج الاهتمام أكثر بالتربية والتعليم الذي ينبغي أن تندمج فيه القيم والمفاهيم الضرورية لضمان حرية العقيدة.

في المقابل، يعتقد ياسين بقير أنّ النظر العميق للمنظومة التشريعية، لا يجعلنا نعثر على تجريم صريح أو مباشر لحرية المعتقد، لكن ثمة قوانين جنائية يمكن أن تشكّل تضييقا على حرية المختلفين دينيا. كما يأملُ البهائيّون أن يكون لهم الحقّ في زواج مدنيّ لا يتمّ توثيقه فقط وفقا لـ”عقد النّكاح” الإسلامي، هذا مع العلم أنّ عقد الزواج بالمغرب، لم يعد يحمل توصيف عقد نكاح بعد تعديل مدونة الأسرة. لكنه لازال يتم وفق الطريقة الإسلامية بشكل حصريّ.

ياسين بقير, 32 سنة، عضو مكتب الاتصال للبهائيين في المغرب

لذلك، لابدّ من إعادة النظر في منظومة الأحوال الشخصية  لكونها لا تعترف بالمغاربة الذين يدينون بديانة غير الإسلام أو اليهوديّة. الوضع الحاليّ يُقصى مواطنين بهائيين ومسيحيين من حقوق أساسية كالزواج والطلاق والإرث والدفن وما إلى ذلك من الحقوق التي تستند على تشريع ديني محدّد.

بالإضافة إلى بعض الصعوبات في ما يخصّ الحقوق الجماعية، وخاصة عدم توفّر صيغة إطار قانوني يسمح بتدبير بعض الأنشطة الخاصة بالمغاربة غير المسلمين كما يدبّر المسلمون أنشطتهم بالدول غير المسلمة.

بالموازاة مع ذلك، ومن الناحية المجتمعية، فإنّ البهائية أمينة جاوان ترى أنّ المجتمع المغربي ليس على بينة كافية بالغنى الثقافي والعقائدي الموجود فيه. من بين الأسباب، بالنسبة لجاوان، النقص الكبير في القراءة والاطلاع على الجديد من المصادر الموثوقة، والتشبث ببعض التمثلات غير الصحيحة حول بعض مكونات المجتمع، مما ينتج عنه الريبة والتخوف من الآخر المختلف. لهذا من الصواب أن تكون هناك استراتيجية تصحيحية.

المشكل الذي تجده أمينة جاوان، هو أنه يتم الاقتصار فيما يخص التعايش على قبول الآخر و”التسامح” مع تواجده ولكن بكامل اللامبالاة، وبالتالي، لا يتم استثمار التنوع الثقافي والعقائدي من أجل بناء المجتمع بطريقة تضمن التعاون في العمل والتكامل والتماسك واستغلال جميع الطاقات الكامنة في هذه المكونات المتنوعة.

يتقاطع، هنا، وديع بنعمر مع جاوان، حين يدعو إلى ضرورة تصحيح كثير من الصور النمطية. بنعمر يقول إن لديه أطفالا “واجهوا تحدّيات للاندماج في المدرسة بسبب معتقدهم. لكنّهم، مع ذلك، صبروا رغم أن الأطفال في مرحلة تكوين نفسي حساس ومختلف.

ما يضرّ أكثر أن تصدر آراء نكوصية عن بعض أساتذتهم. لكننا نربي أبناءنا على الصّدق، ويدرُسون ويثابرون ويحصلون على نقط جيدة، وهم يندمجون في فصولهم الدراسية شيئا فشيئا، كما أن هناك مجموعة من الأساتذة الذين تعاملوا إيجابيا مع الموضوع، وهذا ما نريده أن يكون مُعمّما”.

إذا كان بنعمر يقرّ أن أبناءه البهائيين يحصلون على نقط عالية في مادة التربية الإسلامية، فإن أمينة جاوان تجد أنّ مادة التربية الإسلامية تحتاج إلى تغيير جذري من حيث المضمون ومنهجية التدريس، بدءاً من عنوانها. بالنسبة لجاوان، التربية “الدينية” أو “الأخلاقية” أو “الروحانية”، ستكون مناسبة أكثر؛ يمكن فيها الاهتمام برفع الوعي بتواجد العديد من الديانات والمعتقدات في العالم، ويتم التركيز فيها على القيم الأخلاقية الكونية التي تربي الإنسان على الإقرار بوحدة الجنس البشري وكل المبادئ السامية التي تنبثق عن هذه الوحدة.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. Abdelilah

    C’est intéressant ce que
    vous publier

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *