اتهمونا بالعمالة لإيران وأخرجونا من الإسلام: محنة المغاربة الشيعة - Marayana - مرايانا
×
×

اتهمونا بالعمالة لإيران وأخرجونا من الإسلام: محنة المغاربة الشيعة

يقال إنّ هناك اتجاها نحو تقبّل الأقليات الدّينية بالمغرب. لكن، هل هذا حقا ما يشعر به الشّيعة المغاربة؟
ربّما، كغيرها من الحساسيات الدينية المغربية، تعاني مدرسة التشيّع من خطر “التّكفير الوهابي”، ما يجعل العيش بحريّة شيئا مُصادراً مجتمعيًّا. هذا ما يقوله الباحثون. لكن، السؤال: هل بالفعل، يوجد تضييق على المرجعية الشيعية في المملكة المغربية، حيث الأغلبية سنية وحيث توجد إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية الخالصة؟

قد يبدو لأيّ منا أنّ مذهب التشيّع غائب عن الإعلام المغربي، خصوصا العمومي، لكنه يحضر باحتشام في الخاص. فما مردّ هذا “التّعتيم” على كل ما يرتبط بالتشيع في المغرب تراثا وأفكارا وتصورات وأعلاما؟ وما علاقة الشّيعة المغاربة بإيران؟ وهل، حقًّا، يشكّل التشيّع “تهمة” في نظر المغاربة؟

أسئلة وأخرى، تطرحها مرايانا للنقاش.

كيف وطأ التشيّع المغرب؟ 

فيما يخصّ تراث “آل البيت” في المغرب، فمحمد أكديد، الباحث في علم الاجتماع السياسي، يعتبره أمراً معروفا وردنا بفضل توافد شيعة، من أتباع العلويين على المغرب، سيما بعد قيام الدولة الإدريسية التي تعرف بأنها أول دولة شيعية قامت في البلد، لكون مؤسسها، المولى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، كان من أئمة أهل البيت.

قصد المولى إدريس المغرب برفقة مولاه راشد الأمازيغي هربا من موقعة فخ (8 ذو الحجة 169 هـ – 11 يونيو 786م)، التي جرت في المشرق (مكان بالقرب من مكة يسمى فخ) بين الشيعة والعباسيين.

يفسر أكديد لمرايانا بأنه حينها، بايعه أمازيغ قبيلة أوربة ووحدوا رفقته باقي القبائل القوية في المغرب لتأسيس الدولة، حيث التحق به فيما بعد الكثير من الشيعة الفارين من بطش العباسيين ناقلين معهم الكثير من طقوس ومراسيم التراث الشيعي كـ”الخْميسة” التي ترمز للخمسة أصحاب الكساء: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وعددا من الأدعية المأثورة عنهم وكذا طقوس عاشوراء وقصائد الملحون التي تزخر بحبّ وتبجيل أهل البيت…

لكن، بالنسبة للمتحدث، “فمنذ ذلك الوقت لليوم حدثت تطورات كثيرة. إلاّ أنه، في زمننا هذا، نلاحظ تعسفا واضحا لربط الشيعة بأجندة إيران وولاية الفقيه. الذين يريدون ترويج هذا الخلط، يتجاهلون أنّ هناك عددا من الشيعة المغاربة، وحول العالم، يسجّلون مواقفهم من سياسات إيران الخارجية، كما يعارضون نظام ولاية الفقيه الذي يعطي صلاحيات أكبر للمرشد”.

من هذه الأطروحات تمخّض تيار “الخط الرسالي” بالمغرب؛ وهو بالمناسبة تيار يدعو إلى ولاية الأمة وينتصر للتجربة البرلمانية في الديموقراطية والمؤسسات الحديثة إجمالاً.

غير أنّه، رغم “الوجود التاريخي” لمرجعية التشيع بالمغرب، فالمثير أنٍ الشيعة المغاربة لازالوا ملتزمين، بشكل قطعيّ، بإخفاء توجهّهم المذهبيّ، وفق ما يقوله الشيعيّ المغربيّ يوسف، الذي تواصل مع مرايانا.

المتحدّث يوضّح أنّ “الفكر السلفيّ الوهّابي صار، للأسف، مسيطرا على أغلبية المغاربة. بدأ الأمر بتلفيق اتهامات نحن بريئون منها تماما من قبيل أننا نسبّ الصّحابة وزوجات الرسول. الذين يقترفون هذه الأفعال من الشيعة هم محطّ إدانة منّا أصلاً، وهم لا يمثلون سوى أقليات متطرّفة، ويغلب عليها التعصب والتشدد لمذهب أهل البيت الذي يتعارض منهجه مع منهجنا”.

جوابا على أسئلة مرايانا بخصوص التعايش، يرى يوسف، وهو شيعي مغربي، أن التّطرف موجود لدى السنّة أيضا. غير أنّ نوعا من التعايش صار يلوح في الأفق بالمغرب، لكنه “رهين بدرجة وعي الناس وفهمهم العميق للاختلاف وحرية العقيدة. فمثلا أنا في عملي معروف أنني من أتباع أهل البيت”.

في البداية، يقول المتحدث إنّ زملاءه “لم يستطيعوا تبيّن ذلك لأنني كنت أقيم صلاتي أمامهم دون اختلاف عن صلاتهم وأتحدث في أمور دينية أثناء نقاشنا دون تعصب ودون تغليب لمرجعيتي. في النهاية، صرحتُ بمذهبي، لأنني لا يهمني أن يصل رأيي أو أستقطب شخصا، بقدر ما يهمني أن يتعايش الآخر معي في سلام واحترام لمذهبي. كانوا يروجون أن صلاتنا مختلفة؛ وهذا ما تأكد عكسه دائما”.

لا ينكر يوسف نهائيًّا أنه يحاول أن يعكس صورة جيدة عن المرجعية الشيعية، حيث يظهر احتراما كبيرا لمدرسة السنّة ورموزها وشخصياتها الدينية، كالخليفة الأول والثاني؛ وذلك، حسب ما شرحه يوسف، “تجنّبا لأيّ غلو وشنآن قد يحدث بيننا، أو يجعل الأمر يبلغ حدّ القطيعة أو التخوين أو التكفير. هذا ما نحرص أن نتفاداه، ليس خوفا مثلاً، وإنما لأنني أصدق قول الحلاج: “فمالي ومالُ النَّاسِ إن مالوا وإن عَدِلوا … ديني لنفسي ودينُ النَّاس للنَّاسَ.

مآزق بسبب التّشيع؟ 

الواضح أنّ الشيعة المغاربة أصبحوا أكثرا حضورا داخل المجتمع، ويتعايشون مع المواطنين الآخرين، على اعتبار أنّ المواطنة الحديثة سابقة للعقيدة الدينية. لكن، كيف يصطدمون مع ثقافة المجتمع “المحافظة”؟

يقول هشام، وهو شيعيّ مغربيّ، إنّ “المغاربة يعتبروننا خوارجا أو روافضا. ويسبوننا ويسبون أئمتنا، ويردّدون: هؤلاء مجرد شيعة. كأنّ التشيع سبّة أو جريمة عقدية. لكننا، كشيعة مغاربة، نتصور أنّنا مواطنون بالدرجة الأولى، ونحن ننتصر للمواطنة التي يضمنها ويكفلها الدستور المغربي”.

كما يشدد موضحا: “نعتقد أن المغرب دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات وأن حقوقنا الدينية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية يكفلها الدستور ويضمنها. مطالبنا هي كمطالب جميع المغاربة، الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية في الدولة المدنية، وبذل المزيد من الجهد لتكريس ثقافة التعايش وثقافة حقوق الإنسان بين أبناء الوطن الواحد”.

هشام، كغيره من الشّيعة المغاربة الذي تواصلنا معهم، يجزم أنّ “هناك رغبة لإقصاء صوت المذهب وتغييبه. لهذا، لا نسمع عن التّشيع في الإعلام المغربي. من بين المُغالطات السّائدة لدى عموم المغاربة، ومن الواجب تصحيحها، هو مسالة التشكيك في انتمائنا لبلدنا المغرب، واتهامنا بولائنا لإيران مثلا”.

“نحن مغاربة، ولسنا إيرانيين يقطنون بالمغرب. لنا كلّ الولاء لوطننا وقضاياه. الدين لله والوطن للجميع، وبلدنا وقّع على اتفاقيات ومواثيق دولية من أجل احترام الحريات الدينية بصفة عامة، ونحتاج أن نرى ثمارها في الواقع”، يقول هشام بحرقة.

من جهتها، تتساءل نزهة، وهي شيعية مغربيّة: “لماذا لازالت الجرأة للحديث عن هذا الموضوع مصادرة؟” ثمّ تواصل: “هناك تصورات كثيرة ظنية سائدة، وهناك مغاربة يتفهمون أن المشكل سياسيّ، وأنه لا يعنينا نحن كأفراد، وهناك أيضا من يعجبه أننا على دين الإسلام ولا يعير أهمية للمذهب، وهناك كذلك من يرفض وجودنا جملة وتفصيلاً. مطالبنا واضحة، وأساسها إبعادنا عن الصراعات السياسية التي لها ارتباط وطيد بالأيديولوجيا. نحن مغاربة نعيش كشيعة في مرجعيتنا، ولا نحمل عداء أيديولوجيًّا لأية مدرسة“.

نزهة، في تصريحها لمرايانا، تعود زمنا للوراء، وتحكي أنّها أصبحت شيعيًّة عندما عاينت الدعم المادي والمعنوي الذي خصه الشيعة للقضية الفلسطينية. تساءلت: “إذا كان الشيعة فعلاً أعداء لنا، لماذا يدافعون عن القضية المحورية بالنسبة إلينا في ذلك الزمان؟ كنت طبعا ساذجة حينها. لم أعرف جيدا أن للأمر حسابات جيوسياسية واستراتيجية، لكنّني لا أنفي أنّ ذلك كان حافزاً حتى أسبر أغوار مدرسة التشيّع.

فهمت نرهة أن التشيع ينتصر لآل البيت أكثر ما ينتصر للصحابة، لذلك تقول: “ازداد فضولي وقرأت بعض الكتب، وأصبحت أميل للتشيع. في النهاية، لم أخرج من الإسلام، والتشيع مجرد مذهب، وحين أتحدث مع بعض المغاربة بالموضوع يشهرون ورقة التكفير قبل أن أفصح عن مذهبي أصلاً“.

تمضي نزهة في حديثها قائلة: “كان النّقاش عن نفاق المجتمع المغربي شَقِيًّا. وكنتُ أريد أن أكسر حاجز الخوف، لم أقبل أن أصف نفسي بأنني منافقة. لذلك، عبرت لعائلتي عن اعتناقي التشيع فظنوا أنها مزحة، سألني والدي بسخرية: “إذن، ستتزوجين شيعيا يجلدُ نفسه بالشارع ويتجول راقصا كأحمق؟”.

تسترسل المتحدثة قائلة: حاولتُ أن أشرح لوالدي سبب وجود تلك الممارسات في مدرسة الشيعة، فأدركت العائلة أن الأمر ليس لعبة، وأني صرت شيعيّة حقا. هددوني بالطرد إن لم أعد إلى الملة، فاضطررت للشهادة بالله والرسول محمد، لأوضح لهم أنني لازلت مسلمة. فقط قناعاتي عن خلفاء السنة تغيرت. واجهت صعوبات كثيرة بسبب ذلك. إذا كان الإسلام دين الدولة، فأنا مسلمة. لكن الغريب أنني اكتشفت أنّ حقوقنا، كمسلمين شعية، مهضومة… في بلدنا!“.

مغاربة متسامحون؟ 

من جهته، يرى الباحث محمد أكديد أنّ “المغاربة يتسمون بتنشئة أكثر تسامحا مقارنة بعدد من الشعوب المسلمة، خصوصا في دول الخليج والشّرق الأوسط. كما أنّ المغاربة معروفون بحب ومودة أهل البيت، الأمر الذي يستثمره الشيعة بقوة للدعوة إلى مذهبهم. أما الصعوبات فتظهر عادة عندما يتم انتقاد الصحابة المقدمين عند السنة، أو الخوض في الخلافات التاريخية بينهم، مما يرفع عادةً درجة التوتر والاحتقان الطائفي بين أتباع المذهبين، حيث يتعصب في العادة كل فريق لآرائه”.

بالنسبة لأكديد، فإنّ من المغالطات، أن التشيع هو دين آخر أو مذهب منحرف ضد التسنن، إذ أن الخلاف بين المذهبين هو سياسي بالأساس، كما يتعلق الأمر بالخلاف حول المرجعية. لذلك، أهم مطالب الشيعة المغاربة في الواقع؛ مطلب حرية التعبير في وسائل الإعلام وتشكيل الجمعيات وكذا حرية التدين وإحياء المناسبات الخاصة بآل البيت، كما في عدد من الدول الإسلامية كتركيا وباكستان ولبنان واليمن والكويت”.

يجمل المتحدث قائلاً إنّ “الإعلام المغربي جد متحفظ ضد المذاهب المخالفة وضد التشيع خصوصا، كما أنه متأثر بالأيديولوجيا الوهابية المتطرفة في أحكامها ضد هذا المذهب. وطبعا، هناك رغبة مقصودة للتعتيم على هذا الطيف الديني الذي يشكل جزءا من الهوية المغربية”.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

  1. hamza

    nn c’est pas possibme

  2. hamza

    alah awdi

  3. Yassine

    its god

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *