عمال الإنعاش الوطني بالمغرب: بعض الولاة والعمال والقياد يطلبون منا تنظيف بيوتهم 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

عمال الإنعاش الوطني بالمغرب: بعض الولاة والعمال والقياد يطلبون منا تنظيف بيوتهم 2/2

تابعنا في الجزء الأول جذور مأساة فئة عمال وعاملات الإنعاش الوطني، التي تعود إلى ستينات القرن الماضي: ظهير 15 يوليوز 1961، ثمّ قدمنا تبريرات وزارة الداخلية بخصوص هذا الموضوع.

في هذا الجزء الثاني، نقدم ما تعتبره هذه الشريحة خروقات في حقها، وما هي أهم مطالبها.

هل من “خروقاتٍ” من طرف الدولة؟ 

لا تتردد فئة عمال وعاملات الإنعاش الوطني في اعتبار ما يجري لها “خروقات قانونية واجتماعية”.

عبد الرحمن، عامل إنعاش بإحدى مقاطعات الرّباط، يعتبرُ أنّ “من أهم الخروقات هو انعدام إطار قانوني أو قانون شغل، أو حتى مقترح قانون ينظم قطاع الإنعاش الوطني ويضمن حقوق هذه الشريحة ويقنن واجباتها، كما هو الشّأن في الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص. لذلك، نجد، مثلاً، أنّ التعويض عن الساعات الإضافية من العمل، غير متوفر، ولو أنّ جلنا يشتغل خارج أوقات العمل”.

رغم أنّ وزارة الداخلية أكدت أنها نفذت “زيادات” في الأجور، إلاّ أن عبد الرحمن ومن معه، يعتبرون “الأجور هزيلة للغاية، ولا تسمح لأي كان بالعيش بكرامة. الأجرة تبلغ 1500 درهم ولا تكفي لتغطية المصاريف الحياتية اليومية. بالتالي، يضطر محدّثنا إلى التقشف، كما أنه قد يحرم أطفاله من أمور أساسيّة”؛ رغم أنّه يقول إنه “يؤدي وظيفة إدارية داخل المقاطعة مثله مثل باقي الموظّفين”.

في مناطق كثيرة بالمملكة، وفق ما يقوله عبد الرحمن لمرايانا، يتمّ استغلال عمال الإنعاش الوطني بشكل يحطّ من كرامتهم. “تصلنا كثيراً شهادات من أناس نعرفهم، أنّ بعض الولاة والعمال والقياد ورؤساء المجالس الجماعية والبلديات، يقومون بتوظيف هذه الفئة في منازلهم وإرسالهم لقضاء أغراضهم الشخصية بعيداً عن العمل: التنظيف، الطبخ، رعاية الأطفال، إلخ.

وبما أنّ العمّال خائفون على الدوام من خسارة “مورد الرزق” هذا، فهم يواظبون على ذلك، بل ويجتهدون للبقاء في عملهم. وكلّ هذا يحدث لأن القانون المنظم لهذه الفئة منعدم”.

واجبات… “دون حقوق”؟ 

في وقت تعتبر وزارة الدّاخلية الإدماج في الوظيفة العمومية غير ممكن، يطالب عمال الإنعاش الوطني بتسوية الوضعية الإدارية للعمال ممن قضوا أكثر من سبع سنوات من الخدمة في القطاع الذي أعيروا إليه، بل منهم من تجاوز 30 و40 سنة من العمل ولم يتم إدماجه.

من بين الحقوق التي يطالب بها عمال الإنعاش الوطني، كما تنقلها سميرة نفيلي، مقررة المكتب الوطني للنقابة الوطنية لعمال وعاملات الانعاش الوطني، أن يتم تأطير وتقنين وضعية الإعارة كما هو الشأن في الوظيفة العمومية حتى يضمن العامل كل حقوقه في إطار هذه الإعارة، ومنها حق الإدماج في القطاع الذي يشتغل به.

الوضع الحالي، كما تقول نفيلي في حديثها لمرايانا، جعل العامل يبقى “في إطار “الاستغلال”/”العمل” دون أدنى امتياز يمنحه له هذا القطاع المستغل كمنح أو تعويضات. فالإعارة تعني وضع عامل الإنعاش الوطني تحت تصرف القطاع المستغل بصفة شمولية تسودها الضّبابية التامة في انعدام التّواصل وانعدام سبل للرّقي بالذات”.

توضح نفيلي أنّ عمال الإنعاش الوطني “لا يتمتّعون بأيّ حق من حقوقهم القانونية المتمثلة في الزيادة في الأجرة، أسوة بالزيادات التي تهم كل القطاعات المهيكلة للدولة، أو الحصول على بيان أو شهادة الأجرة، أو الحُصول على شهادة العمل. كما أنّ هذه الشّريحة محرومة من التّعويض عن الأقدميّة والتّعويضات العائليّة ومنحة الولادة، فالمرأة الإنعاشية قد تذهب للعمل في اليوم التالي من الولادة، خوفا من اقتطاع تلك الأيام من أجرتها الزهيدة”.

عمال الإنعاش الوطني يطالبون، أيضا، بالتّأمين على التقاعد، ذلك أنّ العامل يظلّ يزاول عمله إلى أن يصبح في سن جد متقدمة وغير قادر على العمل، إما بسبب المرض أو الشّيخوخة أو حادثة شغل أو الوفاة، دون حق في التقاعد. الأخير في حد ذاته مطلب، لكون العمال بمجرد ما يتوقفون عن العمل، تقطع الإدارة كل صلة لها بهم دون تعويض أو صرف أجرة للمعاش أو أي دعم مادي”.

أيضًا، تقول هذه الفئة إنّ الاستفادة من الإجازة السنوية وإجازة المرض والأمومة، حقّ مغيب، لكنه منشود من طرف العمال الإنعاشيين، لأنه وإن استفاد هذا العامل منها يتم اقتطاع تلك الأيام من مبلغ الأجرة الشهرية، ما عدا لو منحه المسؤول “رخصة” على نحو أخلاقي ومبدئي، لكن ليس على نحو قانوني. فضلاً عن مطالب الاستفادة من ترخيص استكمال الدراسة أو التكوين لمن تتوفر فيهم الشروط اللازمة لذلك.

في الختام، تعتبر المتحدّثة أنه ينبغي أن يكون لعمال الإنعاش الحق في الاستفادة من القروض، خاصة قروض السكن، فهم لا يتوفرون لا على رقم التأجير ولا على ضمان من الجهة المشغلة، ويجب أن يتمتعوا بالحماية من حوادث الشغل بتوفير اللوازم والأدوات الكفيلة بالحماية من مخاطر العمل.

التعويض عن حوادث الشغل حسب ما يخوله القانون بهذا الصدد، فهناك العديد من العمال أصيبوا أثناء مزاولتهم لعملهم بعاهات مستديمة ومنهم من وافته المنية ببعض الأقاليم دون أن تستفيد أسرهم من شيء. ولابد أن بتمتع هؤلاء بحقهم في العمل النّقابي، ليناضلوا داخل إطار اجتماعي، كما هو منصوص عليه في الدّستور.

هل من حلّ في الأفق؟ 

المستشار البرلماني السابق عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عبد الحق حيسان، يرى أن ما يعانيه عمال الإنعاش الوطني هو مشكل طال أمد حلّه بفعل التّماطل والتسويف.

حيسان، في تصريحه لمرايانا، يعدّ هذا الملف نقطةً سوداء في مدونة الشغل بالمغرب المعاصر. ويعدّ، بالتّبعة، هذه الفئة من بين الفئات الأكثر هشاشةً وتضررا في نسيج الطبقة العاملة المغربية، وفي قطاع الشغل بالمغرب في شموليّته. فإذا كان قانون الوظيفة العمومية ينظم عمل الموظفين بالدولة والمؤسّسات العموميّة وأجهزة الأمن، ومن ناحية أخرى القطاع الخاص له قانونٌ ينظمه، فمن ينظم عمل هذه الشريحة من عمال الإنعاش الوطني؟ هذه الضبابية مشكل في حد ذاته، وتتعارض مع قيم النزاهة والشّفافية.

هذه المسألة توضح لنا، حسب المتحدث، أنه ليست لدينا ثقافة الشغل، وليس لدينا وعي به، لأننا نجد شبابا حاصلين على الإجازة وشواهد عليا أخرى، ويشتغلون في الإنعاش الوطني، وتهضم حقوقهم بكلّ وضوح، حيث يتم الاعتماد على مكتسباتهم الأكاديمية في الإدارة، لكنهم يحافظون على إطار ووضعية اشتغالهم: الإنعاش الوطني.

بمعنى، أنّه يتم اعتمادهم لسدّ الخصاص في إدارة ما، دون إدماجهم فيما بعد، ويظلون بنفس الأجرة الهزيلة، حتى لو اشتغلوا سنوات كثيرة دون انقطاع.

الغريب، وفق حيسان، أنه لا أحد يريد حلّ هذا المُشكل، والكلّ يتهرّب منه على نحو مريب. فرغم توالي الحكومات والوزارات والبرلمانات، ظلت الأسئلة تتكرر والأجوبة ذاتها تتكرّر باستمرار، دون أن يكون هناك حلّ جذريّ ينصف فئة تعاني الأمرين أمام أنظار الجميع.

وضعيتهم باتت معروفة للجميع، وأعدادهم كبيرة جدا، ويشكلون قطاعا حيويا وحسّاسا بالبلد. لهذا، ليس علينا أن ننظر هل للموضوع حل في الأفق، بل أن نخلق نحن الحل بالتغيير الجذري لظهير 15 يوليوز 1961، ووضع إطار قانوني جديد يتسم بروح العدل والإنصاف.

في النهاية، يبدو الموضوع شائكا، لأن وزارة الداخلية لها “أسبابها”، التي تبرر بها عدم إمكانية حل هذا المشكل، رغم أنّ الحلّ يكمن في تغيير القانون برُمته.

فهل ستنتهي مأساة شريحة مجتمعيّة هشّة قريبا، أم سيبقى وضعهم معلّقا؟

إلى حين توفر الجواب، سيظلّ هذا الملف عالقا وحارقا في آن، وستبقى وضعية العمال هشّة و”كارثية” إداريًّا واجتماعيًّا… وحتى نفسيًّا.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *