عمال الإنعاش الوطني بالمغرب… حكاية “عبيد القرن 21″؟ 1 - Marayana - مرايانا
×
×

عمال الإنعاش الوطني بالمغرب… حكاية “عبيد القرن 21″؟ 1\2

هي شريحة تشتغل بأجر زهيد يشكّل نحو 53 في المائة فقط من الحد الأدنى للأجور بالبلد. شريحة يتقاضى كلّ عامل فيها مبلغا شهريًّا قدره 1500 درهم، وذلك في وقت يصل فيه الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة 2828,72 درهم شهريًّا.

ربّما… قد يتساءل معظمنا: ما سبب هذا الفرق؟ ولماذا لا يحصلون على نفس الحد الأدنى من الأجور؟ وهل… هي في الأصل حكاية ظلم حقا أم قصة قانون بيروقراطي جامد؟

جذور “مأساة

أصول مأساة هذه الفئة من العمّال أنّهم يخضعُون لمقتضيات الظّهير الشريف رقم 1.61.205 الصادر بتاريخ 1 صفر 1381 الموافق لـ15 يوليوز 1961 المنظم لقطاع الإنعاش الوطني. هذا الظهير كان، على الدّوام، بمثابة الحجّة القانونيّة التي تتخذها وزارة الداخلية لتبرير عدم إدماجهم في الوظيفة العمومية.

على امتداد عقود، تمّ تقديم زخم من الوعود لفئة عمال الإنعاش الوطني. لكنّ الأوضاع لم تتغيّر، وظلت ظروفهم المادية هشّة، نظرا لانعدام أي ترقية أو زيادة في الأجور أو حوافز أو تعويضات؛ وذلك لأنّ الظهير يخلو من أيّ تنصيص على إمكانية أو وجوب إدماج وتوظيف المشتغلين بهذا القطاع في الوظيفة العموميّة.

وفق ما تفسّره لمرايانا سميرة نفيلي، مقررة المكتب الوطني للنقابة الوطنية لعمال وعاملات الإنعاش الوطني، فإنّ “عمال الإنعاش الوطني يشهدون وضعية مادية ومعنوية شاذة ومبهمة، تخضع في تسييرها للمديرية العامة للإنعاش الوطني التابعة لوزارة الداخلية. الميزانية المرصودة للقطاع تقدر بـ800 مليون درهم، وقد ساهمت هذه الفئة عبر تاريخ المغرب ماضيا وحاضرا في إنجاز مهام وطنية كبرى من قبيل مشروع طريق الوحدة في ستينات القرن الماضي الذي أعاد ربط شمال المغرب بجنوبه“.

نفيلي تضيفُ أنّ “هذه الفئة تشتغل في العديد من الإدارات العمومية المغربية والجماعات الترابية، ويتكلف بعضهم بمهام أساسية، يوجد ضمنهم حاملون لشهادات عليا ومتوسطة (بكالوريا، دبلوم الدراسات الجامعية العامة، إجازة، تقني). ونظراً لطول سنوات العمل، يتوفر أغلبهم على خبرات كبيرة في مجال اشتغالهم”.

الخطير أنّ عمال الإنعاش الوطني لا ينظمهم أي قانون من القوانين المعمول بها بخصوص الأجراء المغاربة، سواء في القطاع الخاص أو العام (عطل، أجور، تعويضات، معاش…). ونظرا لحرمانهم من الحق في التقاعد، فإنهم يشتغلون بين سن 18 سنة إلى ما فوق السبعين سنة أحيانا، وفق ما بدا لمرايانا أثناء البحث.

يتقاضى عمال الإنعاش أجرتهم دون احتساب أيام السبت والأحد، رغم اشتغالهم طيلة أيام الأسبوع في غالب الأحيان وحتى خارج أوقات العمل، وتتراوح بين 18 يومًا و22 يوما و24، حسب تقدير المسؤول المباشر، ودون الخضوع إلى ضوابط واضحة.

علاقة بالظّروف “المأساوية”، التي تعيشها هذه الشريحة، تقول سميرة نفيلي إنّ هذه طبقة لم تجد لها مكانا ولم تحصل على أي درجة في السّلم الاجتماعي. هذا الوضع لم يعد مقبولاً في مغرب القرن الواحد والعشرين؛ فهذه الفئة العريضة والمهمة من المجتمع المغربي، التي يمكن أن نسميها “عبيد القرن 21”، تشتغل داخل وخارج الإدارات المغربية في جل الوزارات (وزارة الداخلية، وزارة الصحة، وزارة العدل، وزارة المالية، وزارة التعليم، وغيرهم من الأماكن الحساسة…).

تجملُ المتحدّثة أن “العامل الإنعاشي قد يشتغل لمدة تتراوح ما بين 10 و40 سنة دائمة دون انقطاع. يتقاضى هؤلاء أجرة هزيلة تقدّر بـ1500 درهم، والغالبية لا تتوفر سوى على واجب الشغل لساعات غير محدودة وغير مقنّنة، بدون تغطية صحية ولا تقاعد ولا أي حق يُذكر”.

ما قول وزارة الداخلية؟ 

لم تنكر وزارة الداخلية يوما أن الإنعاش الوطني يعتبر قطاعا حيويا، لما يلعبه من دور أساسي في تحريك عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع ربوع المملكة، في مجالات مختلفة ذات منفعة عامة.

الوزارة أكدت ذلك مراراً، كلّما أثير الموضوع في قبّة البرلمان. مثلاً، قبل حوالي سنة، وجه البرلماني الاتحادي سعيد بعزيز سؤالا حول أسباب عدم إدماج هذه الفئة في سلك الوظيفة العمومية، ومسألة تحسين وضعيتها المادية والمعنوية.

في الجواب، أوضحت وزارة الداخلية أنّ فئة عمال وعاملات الإنعاش الوطني “تعتبر في وضعية غير نظامية ما دامت صيغة اشتغالها في الأصل لا تكتسي صبغة الديمومة، وما دامت تتقاضى عن عملها أجراً يومياً وليس شهرياً، وهو الأمر الذي لا يمكن معه احتساب خدماتهم للترسيم بالوظيفة العمومية”.

كما شدّدت الوزارة على أن “مقتضيات الظهير المنظم لقطاع الإنعاش الوطني تعتبر هذه الفئة، من الناحية القانونية، عمالاً ينتسبون لأوراش لا تكتسي بطبيعتها الموسمية صفة الديمومة”؛ مؤكدة أن “أمر ترسيم عمال الإنعاش في الوظيفة العموميّة، يعارض بشكل صريح مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة لولوج الوظيفة العمومية؛ حسب الاستحقاق المنصوص عليه في الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية“.

علاقة بالوضعية المادية لهذه الفئة، كشفت وزارة الداخلية أن احتساب أجور عاملات وعمال الإنعاش الوطني يتم على أساس الحد الأدنى للأجر الجاري به العمل في القطاع الفلاحي (SMAG)؛ وفقاً لمقتضيات المرسوم 2.19.424 الصادر في يونيو 2019.

لم يخل جواب وزارة الداخلية من الإشارة إلى تنفيذ زيادات متتالية في أجور هؤلاء العمال ناهزت 15 في المائة سنتي 2011 و2012، و10 في المائة سنتي 2014 و2015، و10 في المائة سنتي 2019 و2020، معتبرةً أنّ “هذه الزيادات تقتطع مباشرة من الميزانيّة المخصّصة لهذا القطاع على الرّغم مما تشكله لهذه الأخيرة من عبء مالي نتيجة ارتفاع كتلة الأجور”.

عمال الإنعاش الوطني، حسب وزارة الداخلية، يستفيدون من الحماية الاجتماعية المتمثلة في التعويض عن حوادث الشغل على غرار الأعوان غير الرسميين التابعين للإدارات العمومية، طبقاً لمقتضيات القانون 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.

في جواب آخر على سؤال تقدم به فريق الاتحاد المغربي للشغل، في شخص المستشارة وفاء القاضي، في دورة أكتوبر 2018، قال وزير الداخلية آنذاك، عبد الوافي لفتيت، إن وزارة الداخلية بذلت جهدا مضاعفا لإدماج عمال وعاملات الإنعاش الوطني في نظام التغطية الصحية (RAMED)، بحيث بلغ عدد المنخرطين به إلى حدود 2018، ما يناهز 38000 منخرط، دون احتساب 2186 عاملا تم تسجيل انخراطهم في مختلف منظمات الرعاية الصحية والاجتماعية.

لذلك، تقرّ وزارة الداخلية أن قطاع الإنعاش الوطني يوفر فرصاً للشغل للفئات الاجتماعية الضعيفة، من خلال فتح العديد من الأوراش الموسمية، وإنجاز العديد من المشاريع، من أجل تأمين دخل للمواطنين الذين يعانون من البطالة والهشاشة أو الفقر، سواء بالعالم القروي أو الحضري…

في الجزء الثاني، نتابع ما تعتبره هذه الشريحة خروقات في حقها، ونعاين مطالبها المشروعة، ثم نطرح السؤال التالي: هل من حل في الأفق لهذا الملف؟

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *