المعامل “السّرية” في المغرب… باطرُونا على وزن “باندية”؟ 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

المعامل “السّرية” في المغرب… باطرُونا على وزن “باندية”؟ 2/2

هذا الوضع حالة كلاسِيكية لما يُسمّى بالمُناولة؛ وهي أكثرُ من ذلك “تعبير عن حالة فشل للاختيارات الاقتصادية للدّولة، إذ من بين اختيارات النموذج الاقتصادي، أنّهُ عوض تطوير صناعة وطنية من البداية إلى النّهاية، تكون فيها القيمة المضافة تشمل كل مراحل الإنتاج، تم اختيارُ العمل بالمناولة.”

بعد أن تتبعنا، في الجزء الأوّل، إشكالية تحديد الاقتصاد المهيكل بشكل دقيق، والتلاقي الذي يحدثُ بين النطاقين المهيكل وغير المهيكل، نتابع، في هذا الجزء الثّاني، كيف يخرجُ رأس المال “مُدنّساً” بما وصفهُ محلّلُون بالاستغلال والجشع.

جشع “الباطرونا” ومأساةُ العمّال!

يشتغلُ العُمّال في بعضِ هذه المعامل غير القانونية بدون عقدِ عمل ولا يتمّ التّصريح بِهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. يتقاضون 350 درهماً للأسبوع، كما أفاد محمد الشنتوف، صحافي مقيم بطنجة، لـ”مرايانا”، باعتبارهِ يعرف بعض المشتغلين في هذِه المعامل!

الشّنتوف يقولُ إنّه، مثل باقي أبناء طنجة، كان يعتقد أنّ المكان مُرخّص له، وأنّه يعمل في ظروف قانونية وعادية، على اعتبار أن العمال يدخلون ويخرجون على مرأى العموم… قبل أن تُبيّن هذه الفاجعة حقيقة الكثير من الوحدات الصّناعية “السّرية”.

هذه المعامل غير القانونية هي تعبير عن أقصى درجات الجشع لدى “المستثمرين” في هذا النطاق غير المُهيكل بالمغرب.

أبعد من ذلك، تداوَلت شبكاتُ البثّ المفتوح روبورطاجات تلفزيونية قديمة لقنوات إسبانية، حيثُ عُرض على المشغّل في أحد هذه الوحَدات الصّناعية “السّرية”، التي تنشطُ في قطَاع النّسيج، أن يُصنّع 10 آلاف قطعة في ظرف أسبوع، فقبل العرضَ قائلاً: “كل شيء ممكن، العمال عندنا يشتغلون ليل نهار!”

فيديو جعل المغاربة يعلّقون على أن هؤلاء المشغلين ليسوا مستثمرين، بل هم في الحقيقة “باندية”، يستغلّون الحاجة والعوز لهضم حقوق العُمال. هاجسهم في هذا الجشع والمزيد من الجشع !

الاتحاد العام لمقاولات المغرب، قال، في بلاغ له، إنّ وحدات القطاع غير المهيكل تستخدم معظمهاً يداً عاملة غير مصرح بها، من خلال ظروف عمل غير آمنة وغير مقننة وغير مؤطرة… ونتيجة لذلك، فإن العاملين في هذه الوحدات يتواجدون في حالة بالغة من الهشاشة.

مدونة الشغل نصّت على أن على المشغل، في حق الأجير، مجموعة من الواجبات، أبرزها حمايةُ الأجيرِ والحفاظُ على سلامته الجسدية وكرامته أثناء أدائِه عمله؛ فضلاً عن توفير كل ما يرمي، من وسائل، إلى حفظ الصحة والسلامة للعُمّال، من تهوية في أماكن العمل، ومنافذ خاصة في حالة الطوارئ وغيرها. الشيء الذي لم يتحقّق في فاجعة طنجة وراحت ضحيّته 28 روحاً لمغَاربة.

نجيب أقصبي، الباحث الاقتصادي، في حديثه مع “مرايانا”، يعتقدُ أنّ هذه المعامل غير القانونية هي تعبير عن أقصى درجات الجشع لدى “المستثمرين” في هذا النطاق غير المُهيكل بالمغرب.

لا شكّ أنّ ثمّة علاقة جدلية بين القطاع المهيكل وغير المهيكل، على اعتبار أنّ الثاني وليد غير شرعي للأول؛ أي نتيجة التّطور العشوائي الذي راكمته الرأسمالية.

هؤلاء العمال، كان يمكنُ طردهم بطرق تعسّفية؛ دونما تعويض مادي لذلك الضّرر الذي سيلحقُ بهم جراء الطّرد.

وهذه الوحدات الصناعية “السّرية”، تتعامل مع العمال بمنطق استغلالي محض، فلا تدفع الضرائب ولا اشتراكَات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتتملّص من مراقبة مفتشي الشغل والقانون الذي يؤطر عملهم ويضمن حقوق العمال… وهذا من صفات الرأسمالية التي أفرزت ما يعرفُ بالمناولة.

 المناولة… أصلُ الإشكال!

لا شكّ أنّ الرأسمالية، من أجل مراكمة الأرباح، هي في حاجة لقطاع غير مهيكل، لأنّ هذا القطاع غير المهيكل هو الذي يوفر لها اليد العاملة بأبخس ثمن.

الباحث الاقتصادي نجيب أقصبي يرى أن وجود قطاع غير مهيكل، حيثُ تطلبُ الناس فقط الحد الأدنى للعيش، هو شرط من شروط الأرباح الخيالية التي يُحصّلُها الاقتصاد المهيكل، وهذا مطروح على المستوى الدولي وليس فقط المغرب.

أقصبي يعتبرُ هذا الوضع حالة كلاسِيكية لما يُسمّى بالمُناولة؛ وهي أكثرُ من ذلك “تعبير عن حالة فشل للاختيارات الاقتصادية للدّولة، إذ من بين اختيارات النموذج الاقتصادي، أنّهُ عوض تطوير صناعة وطنية من البداية إلى النّهاية، تكون فيها القيمة المضافة تشمل كل مراحل الإنتاج، تم اختيارُ العمل بالمناولة.”

والمناولة هنا، يضيف المتحدّثُ، أن تأتي من أوروبا جميع المواد الأولية، ثمّ نبيع نحن اليد العاملة بأبخس ثمن، وذلك في ظلّ نطاق مهيكل وقانوني… ورغم ذلك؛ فالأجور فيه هزيلة ولا تحترم كثيراً الحد الأدنى للأجور. ولعلّ الإحصائيات الرسمية تفضي بأنّ 60% من المأجورين لا يحصلون على الحدّ الأدنى للأجور.

ثمّة علاقة جدلية بين القطاع المهيكل وغير المهيكل، على اعتبار أنّ الثاني وليد غير شرعي للأول؛ أي نتيجة التّطور العشوائي الذي راكمته الرأسمالية.

هكذا، نحنُ أمام وضعٍ تنهجُ فيهِ الشّركات الأوروبية سياسة المناولة، بُغيةَ تقليص الكُلفة لأقلّ ما يُمكن لمُضاعفة الربح.

وهذا يوضّح أن الاقتصاد الوطني يعاني من مشكل حتّى في القطاع المهيكل… أمّا المعامل “السرية” وغير القانونية في كل مراحل الإنتاج، فهي في وضع يطالهُ التكتيم والتعتيم!

…حتّى بعض الكمامات، تبيّن أنّها مُصنّعة في هذه الوحدات “السرية”.

الكمامَات المُصنّعة “سرّيا”!

المفاجأة الأكبر، ربما، وردت في تقرير أعدّته “الصّحيفة”، تبيّن أنّ هذه المعامل “السّرية”، كانت مشاركة في عمليات تصنيع الكمامات خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا، بعدما قررت وزارة الصناعة والتجارة إطلاق عمليات تصنيع الملايين من الكمامات لتلبية الطلب الداخلي والخارجي.

وكانت إحدى الشركات في طنجة، يضيف المصدر، قد تولت جزءا من هذه العملية واستعانت به لتسريع وتيرة الإنجاز بشكل غير معلن.

صُنعت الكماماتُ في ظروف قاسية جرّاء فرض حالة الطوارئ الصّحية بالمغرب، في هذه المعامل التي اعتبرها نقابيون، تسيءُ إلى المنظومة القانونية والأخلاقية للشّغل.

هؤلاء العمال، كان يمكنُ طردهم بطرق تعسّفية؛ دونما تعويض مادي لذلك الضّرر الذي سيلحقُ بهم جراء الطّرد. لذلك، دعى حقوقيون إلى ضرورة القطع مع هذه المُمارَسات عبرَ المراقبة والزجر.

في الأخير… تبيّنَ أن المعامل “السّرية” التي تشتغلُ خارج نطاق القانون، هي معروفة عند الدولة والمواطن والنقابات وغيرها… وأنّ الأطراف متداخلة ومتشعّبة لدرجة يصعبُ معها تحديد المسؤوليات في غياب تحقيقات قضائية. ولكن…

… ما هو ليس غامضاً، أنّ العمّال يتم استغلالهم شر استغلال في هذه المعامل، وأن الباطرونا الذين ينادون بمتابعة زعماء التّهرب الضّريبي… هم أيضاً سرعان ما يتحوّلون إلى “باندية” عندما يصرحون بجزء من الأنشطة ويتركون البقية للظل… لمضاعفة الأرباح.

في النهاية، هي مأساة إنسانية… امتداد للرأسمالية في شكلها العشوائي والمتوحّش، حيثُ لا شيء يعلو على الرّبح والرأسمال والبحث عن الاغتناء السريع وغير المشروع!

مواضيع قد تهمك:

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *