كأس العالم بقطر: صراع القيم بالمصالح! - Marayana - مرايانا
×
×

كأس العالم بقطر: صراع القيم بالمصالح!

يجوز الافتراض القائل بأن قطر تتعرض “لحملة شرسة” فقط لأنها دولة “شرق أوسطية” مثلما قال وزير خارجيتها، بما يحمل هذا الشرق من قيم.
غير أن هذا لا ينفي أن قطر قامت بتجاوزات تم الإقرار بها، كما لا يمكن التكذيب بأن الغرب “يكيل بالمكيالين” في ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية والحريات. لكن، في المقابل، فإن هذه القيم التي يدافع عنها تنتمي إليه واستطاع أن يدخلها في صلب سياسته الداخلية لكي يتفاوض بها. لهذا يتطلب من دول، مثل قطر وغيرها، أن لا تضع نفسها أمام هذا الفخ، وتعمل بشكل حثيث لكي تدمج بشكل جذري هذه القيم في صلب منظومتها الثقافية والاجتماعية كي تكون دولا حقيقية.

حقوق الإنسان، حقوق العمال الأجانب، المثلية الجنسية، العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج… قضايا في قلب الصراع بين الغرب وقطر التي تستضيف كأس العالم.

هناك من يرى أن هذا الصراع هو تحامل وهجوم غير مشروع على دولة “عربية وإسلامية”. في المقابل، هناك من يعتبر أن هذا الحدث المهم هو محطة لتلميع “صورة سوداء” لدولة قطر. لكن السؤال الخفي هو: ماذا تعكس في عمقها هذه الصراعات بين قطر والغرب، هل هو صراع بين القيم أم المصالح؟

هكذا رد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمان آل ثاني على الانتقادات الغربية الداعية لمقاطعة قطر قائلا: “إن الأسباب المقدمة لمقاطعة كأس العالم غير صائبة، وهناك الكثير من النفاق في هذه الهجومات التي تتجاهل كل ما حققناه”[1].

إذا ما ذهبنا إلى المؤسسة الإعلامية “الجزيرة”، التي تعتبر واجهة واجهة قطر الإعلامية، سنجدها نشيطة في مختلف منصاتها، سواء المرئية أو الإلكترونية. في أحد الفيديوهات لقناة  « AJ+ arabi »على اليوتوب يحمل عنوان “ازدواجية معايير أم حماية حقوق العمال؟ الدعوات الغربية لمقاطعة مونديال قطر 2022″، نجد نقدا للهجوم الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان التي تتعامل بازدواجية في ما يتعلق بحقوق العمال؛ كما يبرر الفيديو هذه المسألة في القول التالي: “حماية حقوق العمال ليست تحديا كبيرا في قطر فقط. لا دولة في العالم تخلو من أشكال العبودية الحديثة”[2]. بل إن الأمير تميم بن حمد آل ثاني استنكر هذا الهجوم في حديثه أمام مجلس الشورى القطري قائلا: “تعرضت قطر إلى حملة غير مسبوقة، لم يتعرض لها أي بلد مضيف، وقد تعاملنا مع الأمر بداية بحسن النية، بل واعتبرنا بعض النقد إيجابيا ومفيدا. لكن، ما لبث أن تبين لنا أن الحملة تتواصل وتتضمن افتراءات وازدواجية معايير…”

هذه مجرد عينة من الردود التي تفاعلت عبرها قطر، كبلد مضيف، مع “خصومها الدوليين السياسيين والحقوقيين” الذين انتقدوا ما يسمونه “بالتجاوزات الحقوقية المرتبطة بهذا الحدث”.

في المقابل، نرى العديد من المؤسسات الإعلامية والسياسية الغربية، وكذا المنظمات الحقوقية الدولية، تنتقد التدبير السياسي والإداري لقطر المرتبط بكأس العالم 2022، فمنذ إعلانها كدولة مضيفة، أثيرت الكثير من الادعاءات القائلة بشبهة الفساد في ما يتعلق بترشح هذه الدولة الخليجية لكأس العالم، وبالرغم من أن تقرير منظمة “الفيفا” برأ قطر، إلا أن الرئيس السابق جوزيف بلاتر قال بأن “قطر استخدمت العمليات السوداء المتمثلة في غسيل الأموال، مما يشير إلى أن لجنة الملف قد خدعت للفوز بحقوق الاستضافة”[3]. كما انتقدت منظمة العفو الدولية “ظروف العمل السيئة” التي عاشها العمال وبالتحديد الأجانب من شرق آسيا. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك تخوفات في ما يتعلق بحقوق المثليين. كانت هذه القضايا أهم العثرات بين قطر والغرب وكذلك المنظمات الحقوقية، خصوصا وأن قطر تجرم “المثلية الجنسية” لأنها تعتبر غير أخلاقية بموجب “الشريعة الإسلامية”. ثم، هناك مسألة أخرى هي مسألة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج[4] التي تجرمها، شأنها شأن مجموعة من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

هذه هي أشكال الصراع بين قطر الدولة “الخليجية، العربية، والإسلامية” والغرب الذي يشكل تكتلا مبنيا على منظومة “حداثية، ليبرالية وديمقراطية”؛ الشيء الذي يجعلنا نفهم من جهة، بأن الصراع هو صراع بين منظومتين مختلفتين تماما على مستوى المرجعيات الثقافية والفكرية. فقطر شأنها شأن كل الدول القائمة على قيم تقليدية: حداثتها هي حداثة شكلية مبنية على المظاهر أكثر من كونها ثقافة مجتمعية؛ في حين أن الغرب هو الذي صنع الحداثة كمشروع إنساني في الأصل، وقد تتحول لديه، في بعض الأحيان، إلى موضوع صراع مع الدول التي لا تتقبلها. لهذا، نجده يناور ويقوم بكل مجهوداته في ما يتعلق بالقضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، بالرغم من أن هناك دولا غربية عاشت وتعيش مساوئ على مستوى الحقوق، سواء تعلق الأمر بالداخل، مثل أوروبا التي تعرف اليوم صعود اليمين المتطرف ورهاب الإسلام والعنصرية، أو بالخارج مثل استنزاف خيرات دول أفريقية بالتحديد. مع ذلك، فإن الغرب يعرف نقاشا مجتمعيا في هذه الأمور مع أي ملاحظة يمكن تقديمها له. ومنه، فالصراع بالفعل تتقاطع فيه القيم بالمصالح عبر المؤسسات السياسية والحقوقية والإعلامية التي تعكس زاويتين مختلفتين. كما يجوز الافتراض القائل بأن قطر تتعرض “لحملة شرسة” فقط لأنها دولة “شرق أوسطية” مثلما قال وزير خارجيتها، بما يحمل هذا الشرق من قيم. غير أن هذا لا ينفي أن قطر قامت بتجاوزات تم الإقرار بها، كما لا يمكن التكذيب بأن الغرب “يكيل بالمكيالين” في ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية والحريات. لكن، في المقابل، فإن هذه القيم التي يدافع عنها تنتمي إليه واستطاع أن يدخلها في صلب سياسته الداخلية لكي يتفاوض بها. لهذا يتطلب من دول، مثل قطر وغيرها، أن لا تضع نفسها أمام هذا الفخ، وتعمل بشكل حثيث لكي تدمج بشكل جذري هذه القيم في صلب منظومتها الثقافية والاجتماعية كي تكون دولا حقيقية.

[1] https://cutt.ly/OMHcKj7
[2] https://cutt.ly/ZMHkQF1
[3] https://cutt.ly/8MHl7VR
[4] https://cutt.ly/UMHz0JA

 

مقالات قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *