هشام روزاق يكتب: أنا حضرت الحلم… وابتسم بونو في وجه الإسبان (الحلقة الرابعة) - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: أنا حضرت الحلم… وابتسم بونو في وجه الإسبان (الحلقة الرابعة)

على امتداد أكثر من 120 دقيقة، كان كل عصب فينا، يعيد تشكيل ذاته. كنا جميعا، في الوقت نفسه، أمام أقصى اختبارات الضغط، وأمام انتظار فرح… كنا نعرف، لسبب ما، أنه آت لا محالة.
كنا نبحث عن جمل لقول أي شيء… أي شيء لا علاقة له بالكرة، أي شيء يبعدنا عن كل ذلك التعب.

hicham rouzzak هشام روزاق
هشام روزاق

… هؤلاء الفتية، أحدثوا عطبا ما في ذاكرتنا القديمة.

لم يكن يفترض أن تكون مباراتنا الأخيرة في دور المجموعات، مباراة كرة قدم. كان يفترض أن تكون مباراتنا ضد كندا، اختبارا في الرياضيات… في حساب الاحتمالات.

كانت ذاكرتنا تعودت، مع الوقت، أن تكون المباراة الثالثة في دور المجموعات، مناسبة لإجراء أكثر العمليات الحسابية تعقيدا… كان يفترض أن نكون هناك، ونحن نعد على أصابعنا: “إيلا خسرت كرواتيا مع بلجيكا، وتعادلنا مع كندا، أو فازت بلجيكا على كرواتيا وانتصرنا حنا…”، كان يفترض أن ندخل المباراة، ونحن نصفف جملنا المعتادة التي سنرددها عن التمثيل المشرف والهزيمة المشرفة، لكن…

… كان “الركراكي” يصر على استفزازنا. كان يخاطب ذاكرة أخرى غير ذاكرتنا، ويقول لها: “مازال مادرنا والو”.

… كالعادة، التقينا، الطيب وأنا، قبل مباراة إسبانيا بحوالي الساعتين في انتظار حضور باقي أعضاء الفريق. كانت الفرصة مواتية للبوح… اكتشفنا معا، أننا لم ننم تلك الليلة. اكتشفنا، أن “الركراكي والوليدات”، لم ينجحوا بعد في جعلنا ننتصر على الكائن المنهزم فينا.

مباراة إسبانيا بالنسبة لنا، كانت تجرى داخل ذاكرتنا القديمة، ذاكرة الفريق الصغير أمام الفريق العملاق. لم يختلف الأمر كثيرا، حتى حين ذكرنا أحد الأصدقاء بلقائنا معهم في مونديال روسيا. لكن…

شيء ما دخل هذه المباراة بالضبط. شيء ما… جعل الفوز بها، أهم وأسبق من كل تفاصيل الكرة والحلم.

قبل لقاء إسبانيا، عادت “بعض” صحافة أحفاد فرانكو، لممارسة مرضها القديم ضدنا. ضد شعب المغرب وليس دولة المغرب فقط.

صحافة إسبانية، تصر إلى اليوم، على أن تنظر إلينا كما رسمتنا عقدهم التاريخية، لا كما نحن. تصر على لغة الكراهية والعنصرية والحقد…

يومها، تحولت المباراة، عند الكثيرين، إلى شيء أكبر من مجرد كرة. صارت عنوان صورة شعب، أمام آلة حقد.

… لحظات فقط بعد انطلاق المباراة، بدأت ذاكراتنا القديمة تترك مكانها، رغما عنها، للذاكرة الجديدة التي ألفها لنا “الوليدات”.

صرنا نشاهد، على الملعب، فريقا يحول مقابلة في الكرة، إلى ما يشبه عملية صناعة جزيئات دقيقة من ذاكرة صلبة لكمبيوتر…

كانت أعصابنا، وأعطابنا القديمة، تحت الاختبار. كنا، في الوقت نفسه، ندرك صعوبة ما يواجهه “الوليدات” أمام فريق أدمن الاستحواذ على الكرة، وجعلها عقيدته منذ سنين، وندرك خطورة بنائه للهجمات و”غدره” الممكن في كل لحظة يستطيع فيها اختراق جدارات الدفاع… لكننا مع ذلك، كنا نقطع، دون سابق قرار، مع عقلية الفريق الذي وجد للهزيمة المشرفة.

… صرنا الآن، ننتظر أن يسجل المنتخب في أي لحظة.

صرنا واثقين أننا لن نخسر بشرف… أن كل الشرف، هو ما يريده الركراكي وما يفعله الوليدات…

على امتداد أكثر من 120 دقيقة، كان كل عصب فينا، يعيد تشكيل ذاته. كنا جميعا، في الوقت نفسه، أمام أقصى اختبارات الضغط، وأمام انتظار فرح… كنا نعرف، لسبب ما، أنه آت لا محالة.

كنا نبحث عن جمل لقول أي شيء… أي شيء لا علاقة له بالكرة، أي شيء يبعدنا عن كل ذلك التعب.

وحده بوفال، كان يخرجنا من لحظات الصمت. كان يرقص اللاعبين، وكنا نعزف معه لحن فرح.

ووحده امرابط كان ينتزع منا كلاما مفهوما.

ووحده أوناحي… كان يجعلنا نلتقط أنفاسنا.

… وحدهم “الوليدات” يومها، جعلونا نعرف قبل نهاية المباراة، أن صحافة الإسبان، ستبحث كثيرا في قواميس حقدها، عن كلام يبرر الانكسار.

ثم…

ثم أصر بونو على أن يجعلنا نبتسم… أن يجعلنا نضحك ملء القلب. أن نقتفي أثر الابتسامة في وجهه، في ملامحه.

لعلني لم أكن الوحيد… لكنني لم أشاهد أية ضربة جزاء بشكل مباشر يومها. كنت أشاهد الإعادة فقط. أشاهد الفرح حين يتحقق…

… بعد المباراة، كان أول اتصال أتلقاه، من صديقي وطبيبي الإيطالي. قال لي: “لحسن حظك هشام أن لديك ضغطا منخفضا. لو كان ضغطك مرتفعا مثلي… كنت ستكون في مثل حالتي الآن… كل الأدوية الممكنة تناولتها”. قال: “شكرا للفتية المغاربة… أمتعونا جدا”.

… دار الطيب يومها، تحولت إلى “موسم”. لم أعد أذكر عدد الأصدقاء الذين حجوا إليها بعد المباراة، كل ما أذكره، أن الأمر لم يكن مجرد فرح فقط. لقد انتصرنا على إسبانيا… ولقد حولنا النصر إلى لغة. ألم أقل لكم… هؤلاء الفتية أحدثوا عطبا في ذاكرتنا القديمة. صرنا نذكر فقط… أننا ننتصر.

مالذي سيحدث الآن؟

ياللهول… سنلعب مباراة الربع.

سنلعب ضد برتغال رونالدو.

… ومال هاد البرتغال زعما غاتخلعنا؟

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *