هشام روزاق يكتب: أنا حضرت الحلم… وجعلنا النصيري سكان الطابق العلوي (الحلقة الخامسة) - Marayana - مرايانا
×
×

هشام روزاق يكتب: أنا حضرت الحلم… وجعلنا النصيري سكان الطابق العلوي (الحلقة الخامسة)

لقاء البرتغال صار، في النهاية، مجرد مقابلة ندخلها، ليس للفوز… ليس لبلوغ نصف النهائي. مباراة البرتغال، صارت، ويا للجنون… مجرد مقابلة في الطريق نحو ما كان مجرد النطق به، يعتبر ضربا من العته. مباراة البرتغال، بـ “رونالدو” و”بيبي” ومن شئت… دخلناها فقط، كي نقول للعالم، نحن ننافس على الكأس. كأس العالم…
بعد إسبانيا… لم نعد المغرب الذي كان. لم نعد المغاربة الذين كانوا. صرنا سكان الطابق العلوي في العالم… صرنا ننظر للآخرين من فوق، بابتسامة بونو.

هشام روزاق
هشام روزاق

… هل تعرفون الآن مالذي حدث لنا بعد مباراة إسبانيا؟

ببساطة، نحن لم ننتصر على إسبانيا. لقد انتصرنا على أنفسنا. لقد غادرنا أجسادنا ونظرنا لأنفسنا من الخارج…من فوق. كنا ننظر لذواتنا الصغيرة القديمة ونبتسم للكائن العملاق الذي صرناه، كما “بونو”. كنا نصير، شيئا فشيئا، رقيقين كما أوناحي، مقاتلين كما أمرابط… مجانين كما بوفال وزياش.

لقاء البرتغال صار، في النهاية، مجرد مقابلة ندخلها، ليس للفوز… ليس لبلوغ نصف النهائي. مباراة البرتغال، صارت، ويا للجنون… مجرد مقابلة في الطريق نحو ما كان مجرد النطق به، يعتبر ضربا من العته. مباراة البرتغال، بـ “رونالدو” و”بيبي” ومن شئت… دخلناها فقط، كي نقول للعالم، نحن ننافس على الكأس. كأس العالم…

بعد إسبانيا… لم نعد المغرب الذي كان. لم نعد المغاربة الذين كانوا. صرنا سكان الطابق العلوي في العالم… صرنا ننظر للآخرين من فوق، بابتسامة بونو.

يوم البرتغال، لسبب ما يستعصي على الفهم، كان “الستريس” أقل. الطيب وأنا، التقينا كالعادة قبل الجميع، لكن، وعلى غير العادة، كنا نتحدث عن المقابلة التي تلي البرتغال. لكن…

كلثوم، إيمان وأديب… وفي هذا السياق الذي اعتبرنا منتصرين بالضرورة، كانوا قد أعدوا لنا مفاجأة.

كلثوم، إيمان وأديب، تعاقدوا مع “فرقة دقة مراكشية” اقتحمت علينا البيت فجأة، قبل بداية المباراة. هم جاؤوا بالفرح قبل حتى أن تبدأ المباراة. مثلنا… كانوا يعرفون أننا منتصرون.

… دخل أعضاء فرقة الدقة المراكشية بكامل ابتساماتهم ومرحهم، ليجدوا أنفسهم أمام بشر، لا يريد أن يفرح… قبل الأوان.

كنت أظنني أكثر الحريصين على “الفأل الحسن” وأكثر المتطيرين من “التقواص”… لكن الدكتور الطيب السلاوي، أثبت أن لي، أنني إنسان معتدل.

على الأقل أنا، كنت أبتسم في وجوه أعضاء فرقة الدقة المراكشية… الدكتور الطيب، لم يبتسم. كان ينظر لهم بكثير من التجهم والحنق… كان يكلمهم بالإشارات. في كل مرة حاولوا فيها عزف أغنية أو تنشيط الأجواء، كان يبادرهم بحركة من يده، أن… “سكتونا عافاكم”.

لم يسمح لهم بضرب طبل أو نقر طعريجة… إلا بعد أن طار النصيري ليسجل أجمل أهداف المغرب. حينها فقط… ابتسم الطيب، ورقصنا.

في النهاية… هي عقيدة الكرة، ليس المهم أن تكون طبيبا أو فيلسوفا أو عقلانيا أو… في عقيدة الكرة، الغرائز سيدة الكون، والعقل والقلب، مجرد غرباء لم يستدعهم أحد لحضور الفرح.

الطيب، وهو يمنع (نعم يمنع) فرقة الدقة المراكشية من إعلان حالة الفرح في البيت، لم يكن يتصرف كطبيب يؤمن بالتشخيص والأعراض، ولا كرجل علم ينطلق من المعطيات ليصل إلى النتائج… كان يتعامل مع الأمر، كعاشق كرة، يعرف أن تغيير العادات ليس فأل خير، وأن كل محدثة في طريقة متابعة المباريات بدعة… وكل بدعة هزيمة.

يوم البرتغال، كان درسا قاسيا…. كنا في ذات اللحظة، نفهم أننا لم نعد مجرد فريق صغير يؤثث لقاءات الكبار، وأننا صرنا نمتلك فريق كرة يقف على نفس درجة القوة والمتعة من الباقين… وكنا، نعيد اقتفاء أثر الكائن المتعالم فينا. الكائن الذي يصر دائما على أنه يفهم في كل شيء… في الكرة والسياسة والثقافة والأركيولوجيا وانشطار الذرة…

كان النصيري يطير عاليا ليسجل الهدف، وكان الكثيرون منا، ينظرون إليه من تحت… من الأسفل. كان الكثيرون يتذكرون حجم التنمر والتعالم و”الفهامات” التي مارسوها ضد لاعب، منحنا بطاقة المرور لنصف النهائي. نصف نهائي كأس العالم. للتذكير فقط.

يوم البرتغال… سيظل، بالنسبة لي، قرينا بمحمد أسفار ورفيقة عمره سامية. محمد… الكائن الهادئ الوديع، عاش أسوأ 8 دقائق في حياته. كان، خلال الوقت بدل الضائع، يرتعد كطفل… كان واقفا بجانبي يبحث عن لغة تسعفه فقط، كي يقول للحكم، صفر…

الطيب، الذي كان دائم التجهم في وجه فرقة الدقة المراكشية، كان أول الراقصين، وأجمل الراقصين…

رفقة سامية الحضر ومحمد أسفار

وأنا… توجهت نحو محمد أسفار وسامية الحضر، لأطلب منهما شيئا واحدا فقط…

قلت لهما:… قد يحدث أن يغمى عليّ الآن، رجاء لا تقلقوا. أشعر أنني لم أعد أستطيع مقاومة جسدي…

كنت بالفعل، أشعر أن أجمل ما يمكن أن يحدث لي… أن أستيقظ بعد ساعات، وأن أعيش الأمر الواقع. أن أتابع ما يحدث… كان أكبر من كل طاقات الفرح المعتادة.

محمد وسامية… ظلا حريصين عليّ كما تحرص أم على طفلها.

كنا نحدث بعضنا باللالغة… وحده بعض دمع، وكثير ابتسام كان بداية أبجدياتنا الجديدة.

“الوليدات”… أخرجونا من أجسادنا، من لغاتنا. أخرجوا ذلك الكائن الذي كناه، وجعلوه يتفرج علينا في لحظة لم نكن نتخيل قط أننا سنعيشها.

“الوليدات”… جعلونا رابع أربعة في سقيفة الكبار.

جعلونا نعيش اليوم الذي نقول فيه للعالم: “غادي نلعبو الدومي”.

نصف النهاية مع فرنسا…

لأول مرة لن أقول: ومال هاد فرنسا زعما غاتخلعنا؟

بعد البرتغال… صرنا نقول فقط:

“الوليدات” أحبهم العالم. وكان لنا من الحب نصيب.

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *