الثورة البلشفية “العظمى”: السيطرة على روسيا… بيادرُ الحلم الماركسيّ! 2 - Marayana - مرايانا
×
×

الثورة البلشفية “العظمى”: السيطرة على روسيا… بيادرُ الحلم الماركسيّ! 2\4

… لم يجد البلاشفة أي صعوبة في تنفيذ الثورة، حيث وجدوا القوة العسكرية لصالحهم بزعامة تروتسكي. في يوم واحد، هيمنوا على جميع المراكز الاستراتيجية والبنايات الحكومية العامة في العاصمة الروسية. حتى القصر الشتوي Winter Palace، الذي كان مقرا للحكومة الموقتة، سقط تحتَ سيطرتهم…

في الجزء الأول، قدمنا بعض تفاصيل الثورة الروسية الفاشلة (1905)، باعتبارها مرحلة هامّة في عملية التأريخ للثورة البلشفية، ولا يكادُ أي بحثٍ حول الموضوع لا يذكرها.

في هذا الجزء الثاني، نقدّمُ أحداثاً أخرى بصمت الوضع الروسيّ في ذلك الزمن، وعجّلت بحلم الشيوعية كي يرسو على أرض الواقع!

بعد عشر سنوات… ما الجديد؟ 

بدأت الثّورة في مارس أو فبراير حسب التّقويم القديم. لذلك، تطلق على هذه الثورة الأولى “ثورة فبراير”، حيثُ غزت التّظاهرات شوارع العاصمة بتروغراد. كان الزّمن حينها يصادف اليوم العالميّ للمرأة، وخرج الآلاف من المتظاهرين ليطالبوا بالخبز والطعام، بسبب الندرة الفظيعة التي خلقها تموين الجيش في الحرب العالميّة الأولى.

حطّمت الحرب العالمية الأولى الجنود الروس، ودمّرت الاقتصاد الروسي بفعل تزايد الطّلب طيلة سنوات الحرب. كانت الإشكالية الأساسية تتلخص في ندرة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها ونقص الوقود.

في جبهات القتال، كان الجنود الروس غير متحمسين للحرب ومواصلة القتال. انعدمت لديهم الثقة في قيادتهم وتأثرت روحهم المعنوية إلى حد كبير، بل حاول بعضهم الهروب من الجندية لصعوبة أحوالهم وحياتهم المعيشية من نقص الغذاء والملابس؛ حتى أنه يمكن القول، إن الجيش كان عاملا من أهم عوامل قيام الثورة.

دخل على خطّ هذه التظاهرات سياسيون معارضون وطلاب الجامعات والأساتذة، فطالبوا بوقف الحرب، لأنها أضعفت البلد، وطالبوا القيصر بالتنحي عن السلطة سلميّا في أقرب وقت ممكن. القيصر رد مجددا بعناده المعهود، فأرسل الجيش لمحق التظاهرات، إلاّ أن الجيش تضامن مع المطالب، لأنه كان أكثر المتضررين من الحرب، وعصا الأوامر… هكذا، تأزم المشكل أكثر… وأصبحت نداءات إسقاط القيصر أكثر وضوحا وعلنية.

لم يكتفِ المتظاهرون بالصّراخ والهتاف ورفع شعارات “فلتسقط الحرب”، “فليسقط الحكم المطلق”، بل… سيطروا على البنايات الرسمية والحكومية، وحطّموا كل بقايا القيصرية من رموز وتماثیل، ووضعوا اليد على المدافع والأسلحة، وحرروا السجناء، حتى باتت العاصمة في قبضة المتظاهرين الغاضبين. أحداث العنف هذه، تركت خلفها مئاتُ القتلى في صفوف المحتجّين.

أخيراً، أخلى القيصر السبيل لمعارضي نظامه، وتنازل عن حكمه بعد توصيات مجلس الدوما، في شخص رئيسه میخائیل رودزیانكو، الموالي له، لتفادي انفجار أكبر يؤدي إلى كارثة. كان نص الرسالة،التي أرسل إليه، كافيا لتوضيح صدمة النظام من الثورة: “الأوضاع خطرة. والعاصمة في حالة فوضى والحكومة مشلولة. تم تعطيل خدمة المواصلات العامة وخطوط إمداد المواد الغذائية والوقود بالكامل. والاحتقان العام في تنام… يجب ألا يتم التأجيل. أي تأجيل سيعادل الهلاك”.

استهتار القيصر في البداية بالوضع، جعل الجيش والحرس الإمبراطوري يختارُون المزيد من العصيان، حتى أن البعض منهم بات في صفّ الثوار ووضع خدماته العسكرية رهن إشارة الثورة القائمة.

تفاعل مجلس الدوما مع الوضع، وقدم مقترحاً يروم خلق حكومة مؤقّتة تسهر على انتقال سلمي للسلطة، في انتظار تبيئة عقد اجتماعيّ جديد، وعودة سيادة القانون والنظام العام. غير أنّ هذا المطلب اصطدم بإعادة إحياء مجلس بيتروغراد: “سوفييت بيتروغراد”، الذي كان نشطاً أيام ثورة 1905، وكان اسمه “سوفييت بطرسبيرغ” قبل تغيير اسم العاصمة.

تمّ إحياء هذه المجموعة من طرف الأحزاب الاشتراكية الثورية لتضمن موطئ قدم منظّمة داخل السلطة الجديدة، لكنّ البلاشفة لم يكونوا ضمن هذا المجلس.

كان هناك صراعٌ على السلطة خلق ازدواجية في الأدوار وفي قرارات الحكومة المؤقتة، التي كانت مُشكلة من أعضاء الحزب الديمقراطي الدّستوري، أو الكادیت، وهو حزب ليبرالي التوجه، كان يقوده الأمير “جورجي لفوف”. إلا أنه بعد أن اجتاحت البلد مظاهرات ضد الحكومة المؤقتة، انتقلت السلطة لحلف اشتراكي بقيادة ألكسندر کیرینسكي، فعليا وليس رسميا، في أبريل من نفس العام.

لم يكن همّ الاشتراكيين، باستثناء البلاشفة، تطبيق الاشتراكية، بل عبّروا مرارا عن رغبتهم في الذهاب نحو نظام جمهوري ديمقراطي منتخب، يسهر على ضمان الحقوق الأساسية والمدنية، ويحتمي بشرطة وجيش ديمقراطيين، وتنتهي فيه العنصرية والتمييز الديني والعرقي… لكنّ الحكومة المؤقتة كانت ترفض ثنائية السلطة، رغم أن ذلك ما حدث!

استولى الثوار على الحكومة المؤقتة في شخص ألكسندر كيرينسكي، الذي واجه عدة إكراهات، بما فيها رفض البلاشفة لقراراته، وخصوصاً الاستمرار في الحرب التي أنهكت البلد. لكن فلاديمير لينين كان منفيا إلى سويسرا، وظلّ يراقب الوضع ومدى خصوبته لإنبات زهرة الاشتراكية في روسيا.

دخل لينين إلى روسيا عن طريق ألمانيا، التي سهلت هذه الخطوة لإنهاء الحرب معها. بمجرد دخوله الأراضي الروسية، ارتفعت أسهم البلاشفة في التصور العام كأناس عمليين ومبدئيين وواقعيين، إلخ؛ خصوصاً أنهم صرحوا بتذمرهم من سياسات الحكومة المؤقتة… التي تخدم البورجوازية.

نقطة… تحوّل

حدثت انتفاضة كبيرة في يوليوز 1917، واجهتها الحكومة المؤقتة بقمع العناصر المشاركة فيها، ونقل الوحدات العسكرية التي شاركت فيها إلى الجبهة.

صدرت أوامر باعتقال لينين ورفاقه من زعماء البلاشفة، بتهمة التحريض على التمرد المسلح. وبالفعل، سقط تروتسكي في قبضة الأمن، هو وبعض الرفاق البلاشفة؛ إلا أن لينين فرّ إلى فنلندة، التي أصبحت حينها خارج سيطرة روسيا.

حين تمّ القضاء على انتفاضة يوليوز، استقال لفوف من رئاسة الحكومة المؤقتة، وحل محله كيرنسكي، وهكذا… أصبحت الحكومة المؤقتة تحت سيطرة الاشتراكيين الثوريين بصفة رسميّة.

لم يعمّر الجفاء بين كيرنسكي والبلاشفة طويلاً، إذ سرعان ما استنجد بهم حين وجد خطر الجنرال لافر كورنيلوف، رئيس أركان القوات المسلحة بعد الثورة، يحوم حول الحكومة المؤقتة، حيث بدأ يزحفُ باتجاه العاصمة لينقلب على الثورة.

اعتمد البلاشفة على “الحرس الأحمر”، الذي تحول إلى الجيش الأحمر فيما بعد، للتدخل لتحصين الثّورة من ثورة عسكرية مضادّة، وهكذا تمّ شلّ تحرك كورنيلوف.

في مطلع شتنبر، أخلي سبيل البلاشفة القابعين في السجون، وتمّ وضع تروتسكي على رأس سوفييت بتروغراد. في تلك الأثناء، كانت مشاعر الاستياء ضد الحكومة المؤقتة في تصاعد، وكذا ضد الأحزاب السياسية كالاشتراكيين الثوريين والمنشفيين، لأنهم فضلوا فكرة الوحدة الوطنية على إنصاف الفقراء والعمال، حسب الباحث حسّان عمران.

رفع البلاشفة طيلة تلك الفترة شعارات ملهمة، لقيت ترحيبا خاصًّا من جماهير الشعب الروسي، على غرار “الأرض لمن يزرعها” (الفلاّح) وشعار إنهاء الحرب.

القوة التنظيمية والتكتيكية المحكمة للبلاشفة، مكنتهم من ترويض المشاعر الرّوسية الساخطة لصالحهم. الحزبُ في روسيا، لكنّ القائد في فنلندا يضعُ اللمسات الأخيرة لكتابه: “الدولة والثورة”، الذي طوّع فيه الماركسية لخدمة الثورة البلشفية عبر التركيز على نقطة مهمة: “ديكتاتورية البروليتاريا”.

عاد لينين إلى روسيا في أكتوبر، وهناك، كتبت أسطر أهم ثورة في دفتر التاريخ، إذ… في ذات الشهر من سنة 1917، أصدرت اللجنة المركزية في الحزب البلشفي، قرارا بحل الحكومة المؤقتة لصالح سوفييت بتروغراد الذي كان تحت تصرّفهم حين ترأسه رفيقهم تروتسكي.

لم يجد البلاشفة أي صعوبة في تنفيذ الثورة، حيث وجدوا القوة العسكرية لصالحهم بزعامة تروتسكي. في يوم واحد، هيمنوا على جميع المراكز الاستراتيجية والبنايات الحكومية العامة في العاصمة الروسية. حتى القصر الشتوي Winter Palace، الذي كان مقرا للحكومة الموقتة، سقط تحتَ سيطرتهم…

حصلوا على مساندة الحامية العسكرية الموجودة في العاصمة، وتم اعتقال أغلب وزراء الحكومة المؤقتة.

وجد کیرینسكي نفسه محاصراً، فكل شيء بات تحت سيطرة الحرس الأحمر. تشير بعض المصادر أنه، بعد انسداد الأفق أمامه، لاذ بالفرار عبر سيارة من السفارة الأمريكية، واتجه خارج بتروغراد.

حينها، أعلن لينين “لجميع مواطني روسيا” بأن اللجنة الثورية العسكرية أسقطت الحكومة المؤقتة… وأن الثورة البلشفية انتصرت!

فما هي ملامحُ البلد بعد نجاح الثورة البلشفية وسيطرة البلاشفة على الدولة وكلّ مؤسساتها؟

هذا ما سنراه في الجزء الثالث من هذا الملف.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *