فوزية فريد الشرفي: العصر الذّهبي للإسلام فرصة ضائعة، والعلم والدّين لا يمكن أن يسيرا معاً! - Marayana - مرايانا
×
×

فوزية فريد الشرفي: العصر الذّهبي للإسلام فرصة ضائعة، والعلم والدّين لا يمكن أن يسيرا معاً!

بعد استيلاء الإسلام السياسي على دواليب الدولة في تونس عقب أحداث الربيع الدّيمقراطيّ، قدّمت فوزية فريد الشرفي، الجامعية والباحثة الفيزيائية، استقالتها من كتابة الدولة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي…

يروج إلى اليوم أنّ استقالتها جاءت بحثاً عن أفق رحب للتّعبير يخلو من قيود الإسلام السياسي كيفما كانت. لعلّ ذلك يبدو بوضوح في حوارها مع جريدة ليكسبريس الفرنسية، والذي دافَعت من خلاله، مجددّا، عن حرية الفكر وعالَمية المعرفة وضرُورة الفصل المنهجيّ بين العلم والدّين.

في هذه الورقة، تقدم مرايانا لقرائها أهمّ ما جاء في حوار العالمة الفيزيائية التونسية فوزية فريد الشرفي، مع المجلة الفرنسية.

عن العصر الذهبيّ للعلوم العربية

ترى الباحثة في هذا  الصدد، أنّ العصر الذهبيّ بدأ بصعود العباسيين لسدّة الخلافة. لحظتئذٍ، وضعت الإمبراطورية الإسلامية موطئ قدم في قلب بلاد ما بين النهرين، حيثُ تأسست بغداد وتمّ إعلانها مكاناً للاستقرار، بعد مغادرة دمشق.

في ذلك الوقت، كان الخلفاء العباسيون الأوائل متأثّرين بالثّقافة السّاسانية، وهي آخر سلالة فارسيّة قبلالفتح” العربي الإسلاميّ لبلاد فارس، وكانت هذه الثقافة رحبة بالعلم والترجمة، حيثُ كان السّاسانيون، أنفسهم،  قد ترجموا نصوصاً قديمة تنتَمي إلى تُراثهم، والتي كانَت، بدورها، مُبعثرة.

لذلك، رأت السلطة العبّاسية الجديدة ضرورةً للاعتماد على العلوم القبلية الموجودة وإمكانية الانتهال منها، فانطلقت بقوة عمليّة  الترجمة عن النصوص الفارسية المذكورة وحتى عن اليونانية والهندية أيضاً.

ارتباطاً بموجة الترجمة هذه وازدهار العلوم، ترى الباحثة أنّ العامل الرئيسي في هذه الخصوبة الفكرية هو التعددية الثقافية التي تميزت بها بغداد وقتئذٍ؛ بحيثُ ضمّت المسيحيين واليهود الناطقين باللغة الآرامية والمسلمين والمسيحيين العرب، وقبل كل شيء المزدكيين الذين كانوا من أتباع الديانة الزرادشتية في بلاد فارس.

بالتالي، قدمت الترجمات المتقاطرة، حينها، للعلماء العرب فرصة تعدد المناهل، وهو ما بدا واضحاً حين انعكس في الواقع على وتيرة الإنتاج الكبيرة التي امتدت من القرن التاسع إلى غاية القرن الثاني عشر.

العلوم في التراث

هناك أمثلة كثيرة فيما يخصّ ملامح العلوم في التراث الإسلامي. منها، بصورة واضحة، ابن سينا ​​في الطب، أو البيروني في علم الفلك أو الرياضيات، وحتى ابن الهيثم في البصريات والفيزياء.

لكنّ هذا المشْهد لم يعمّر طويلاً، لأسباب سياسيّة، وفقَ الباحثة؛ إذ ترى أن اندحار العلوم والعودة إلى الوراء جاء نتيجة تغيير للسلطة السياسية.

حدثَ ذلك غداة سيطَرة التّرك السلاجقة على الخلافة وعلى بغداد عام 1055.

حين تمكن السلاجقة من وضع يدهم على الخلافة والتحكّم في شؤونها، شهد التاريخ الإسلامي نهاية سلالة بوييد الشيعية (أو البويهيون)، التي شهدت ازدهاراً ثقافيًّا ومواجهة مذهبيّة حرة فيما قبل. لنقل إنّ السّلطة غدتْ معسكرة، وتمادى السلاجقة في فرض العقيدة السّنية ضد الشّيعة والمعتزلة بالقوة، وبالتّبعة ضد فِكرهم العقلانيّ.

إن الضّربة القاضية تمّت حين جرت الاستعاضة عن دور العلم، وهي بيوت المعرفة المجهزة بمكتبة ومكان لتدريس العلوم، بالمدارس، حيث أخلَتِ العلوم العقلانيّة السّاحة لفائدةِ الفقه.

هذه المدارس كانت تضطلع بدور خلق كوادر الدولة، فكانت تركز على النّقل وتهمل كل الثقافة العلمية السّالفة، حتى العربية الصّرف منها.

انتهى العلم رمزيّا، ولم يعد يُنظر إلى الطب وعلم الفلك على أنهما من بقايا العلم العمليّ والبراغماتيّ. أصبحَ علم الفَلك يرتبطُ تلقائيًّا بالمَسجد، أي بمُهمة ضيّقة جداً، وهي تحديد أوقات الصلوات الخمس يوميًّا… اعتماداً على موقع الشّمس!

هي عملية فلكية أيضاً، وتستدعي معرفة بعلم الفلك، إنّما هي في الأصل لا تؤدّي إلى انعكاس علم الفلك النّظري والنّماذج التي تسمح بفهم حركات النجوم.

أما الغزالي، الذي احتلّ كرسيّ الفقه في المدرسَة النظامية ببغداد، فيميَّز بين علوم مثل الرياضيات والمنطق، والتي يعتبرها لا تجافي الدين والشريعة، وبين العلوم التي من عيار الفيزياء والميتافيزيقا، والتي من شأنها أن تخلق بدعاً، في تصوره.

لا يمكن لأي أحد أن ينكرَ أنّ الغزالي هو أول “عالم” لاهوتي طوّر تفنيداً منهجيًّا صارماً لقوانين السّببية، على اعتبار أنّ الله كليّ القُدرة بالنّسبة إليه.

بهذا المعنى، يرفض الغزالي فكرة قانون الطّبيعة، لأنه سيحلّ محل قوة الله.

حاول ابن رشد أن يعيد تبيئة العقلانية في محور النشاط الفكري العربي وقتها، وذلك حين اعتبر أنّ نظام الكون يمكن إثباته بالعقل. لكن المفارقة أنّ ابن رشد من المتّهمين بالهرطقة والإلحاد، ولم يكتشفه المفكرون العرب إلاّ خلال القرن التّاسع عشر.

العربُ… واستمراريّة الجَدل

بقيَ الجدل مستمرًّا حول العلاقة بين الدين والعلم عند العرب إلى غاية القرن التاسع عشر؛ وهو ما تفجّر صريحاً في الخلاف الفكريّ الذي دار بين المُثقف السّوري اللبناني فرح أنطون، وأحد أعلام النهضة الإسلامية بمصر محمد عبده.

تقول الباحثة إنّ أنطون كان متقدّما نظريًّا لكونه يشرح بشكل منهجي دقيق أنه إذا كان العلم بمقدوره التّطور في العالم المسيحي، فذلك راجعٌ للانفصال الجذري الذي وقع بين عالم الإيمان وعالم العِلم في الغرب.

محمد عبده له رأي آخر، إذ يعتبر الإسلام مختلفا عن المسيحية، وأن الإسلام بهذا المعنى، باستطاعته أن يكونَ الدين الوحيد الذي يشجّع على استخدَام العَقل والعِلم.

في وقت يقترح فيه أنطون قطيعة حقيقية، يختار عبده طريقاً وسطاً. ويوضح عبده أنه لا توجد حاجة لفصل الإسلام عن المعرفة العلمية، لأن الدين الإسلامي بإمكانه أن يكون عقلانيًّا.

إن أراء محمد عبده، هذه، جعلت النهضة الإصلاحية التي تزعّمها في القرن التاسع عشر، تبدو في نظر فوزية فريد الشرفي فرصة ضائعة، لأننا، حسب قولها، لم نفهم حينها إلى أي مدى كانت استقلالية العلم ضرورية لتطوره وازدهاره.

استمرّ الوضع حتى بدأ ما يسمى بـ”الإعجاز العلمي للقرآن، والذي كان مبتغاهُ أن يثبت، من خلال آيات من القرآن، أن جميعَ الاكتشَافات العلميّة التي توصّل إليها الغرب كانت معرُوفة بالفعل، منذ أربعة عشر قرناً، من طرف نبي الإسلام.

قيل أنّ النصّ القرآني يستحضر الأصل المائيّ للمادة الحية وبالتالي فهو يتقاطع مع نظرية التّطور. بعدها، تمت محاولات لتقديم أدلة دينية على الفيزياء عموماً والفيزياء النووية خصوصاً،وحتى، نظرية الانفجار العظيم.

في عام 1957 مثلاً، مع إطلاق سبوتنيك 1، حدث جدل بين علماء الدين في القاهرة لمعرفة ما إذا كان القرآن قد توقع هذا النفاذ المدهش للفضاء. وقالوا إن إمكانية السفر بين الكواكب عملية متوقعة في الآية التالية: “يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا.

تماماً، كما قالوا أنّ القُنبلة الهيدروجينية موجودة في الآية الآتية: “وإذَا البِحَارُ فُجرَت”.

المشكلة أن “هذه الأفكار تتقاطَر مع سيل الرّقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، فتستهوي الشباب المسلم الذي يشعر بالإحباط لأن بلدانهم تبقى خارج الزمن التكنولوجي والعلمي والمعرفي”.

الأكثر خطورة، في نظر الباحثة، هم المثقّفون الذين يدافعون عن أسلمة المعرفة، من خلال مهاجمة ما يصفونه بـ”العلوم الغربية.

الخلاصة، أنّه لا ينبغي السّماح للأصوليين بالذهاب بعيداً بفكرة أنّ الله والعلم يمكن أن يسيرا معاً، وأن كل شيء طارئ في العلوم قد قيل آنفاً في نصّ دينيّ مقدّس (القرآن).

يجب أن يبقى الله في النّطاق الشّخصي. وكل شخص لديه رؤيته الخاصة بالظواهر المتعالية ويمكنه أن يسميها ما يشاء. وبذات المقياس، يجب على الملاحدة التيقّن أنهم لا يستطيعون إثبات عدم وجود الله علميًّا.

هكذا، سنبعد العلم عن اللاهوت!

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *