محمد عبد الوهاب رفيقي: ملامح الإصلاح عند الحسن اليوسي - Marayana - مرايانا
×
×

محمد عبد الوهاب رفيقي: ملامح الإصلاح عند الحسن اليوسي

لم يكن اليوسي مجرد منتقد للوضع، على صعوبة الانتقاد وجرأته في سياق تاريخي طبعه التسلط والاستبداد. لكنه كان، بعد شرح الأسباب والعوامل وتحليل الوضع، يقدم الحلول والمقترحات التي يراها تحقق العدل والمساواة والازدهار والإصلاح.

لذلك، استحق أن يكون واحدا من أوائل رواد الإصلاح الديني بالمغرب

استعرضنا في المقال السابق أهم المحطات في حياة رائد الإصلاح الديني بالمغرب خلال القرن الخامس عشر الميلادي. في هذا الجزء الثاني، نحاول التعرف على ملامح هذا الإصلاح. ما هي تجلياته في خطاب اليوسي وممارسته للنقد والتقويم لأحوال عصره؟

كتب اليوسي في آخر حياته عدة رسائل ضمنها خلاصة تجربته في الحياة، كما اشتملت على نظرياته ومواقفه مما كان يقع حوله، فضلا عما كان يقدم من اقتراحات لإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية.

يمكن، من خلال قراءة هذه الرسائل، الوقوف على هذه الملامح في تجربة اليوسي الإصلاحية:

 1- محاربة الجهل :

أبو علي الحسن اليوسي

أدرك الحسن اليوسي، من خلال أسفاره ورحلاته المختلفة، أن الانحراف الواقع في المجتمع، وانتشار عدد من الأفكار الخاطئة، مرده إلى الجهل الفادح. في رسالته الجوابية للمولى إسماعيل، يتحدث اليوسي عن خطورة الجهل وأثره في المجتمع، فيقول: “ولو تسلط الجهل عياذا بالله لم تبق عقيدة صحيحة، ولا إيمان وعمل صالح، وهذا هو الهلاك الأبدي الذي يستمر إلى الآخرة”.

2- مواجهة الخرافة والشعوذة:

أدرك اليوسي أن من أهم أسباب التخلف في عصره، الاضطراب الفكري والعقدي الذي عم البلاد والعباد، فقد انتشر الدجل والاعتقاد في الأضرحة والأحجار والأشجار، وقصد الناس أماكن مختلفة للتبرك، وادعى البعض الولاية وأنه من “أصحاب الوقت”، فحارب كل ذلك وواجهه، فلما علم أن أهل سجلماسة تعلقوا بشجرة عرفت بـ “الشجرة الخضراء”، وكانوا يدعون أنها تقضي الحاجات، وتقصدها النساء غالبا، تصدى لذلك، وقال عنها: “إنما هي شجرة لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، ومثلها أحق أن تقطع”.

قال في رسالته المعروفة بـ “براءة اليوسي” مخاطبا المولى إسماعيل بكل قوته وسلطته: “فليعلم سيدنا -نصره الله- أن الأرض وما فيها ملك لله تعالى لا شريك له، والناس كلهم عبيد له، وسيدي واحد من العبيد، وقد ملكه الله تعالى رقاب عبيده ابتلاء وامتحانا، فإن قام عليهم بالعدل والرحمة والإنصاف والإصلاح فهو خليفة الله في أرضه، وظل الله في عباده… وإن قام بالجور والعنف، والكبرياء والطغيان والفساد، فهو متجاسر مع مولاه، ومتكبر في الأرض بغير الحق، ومتعرض لعقوبة الله تعالى الشديدة وسخطه”.

كما تعرض في كتابه “المحاضرات” لهؤلاء المحتالين بدعوى الولاية والكرامة فقال: “وإنما ذكرنا هذا ليعلم وينتبه لمن هذا حاله، فكم تظاهر بالخير من لا خير فيه من مجنون أو موسوس أو ملبس، فيقع به الاغترار للجهلة والأغمار”.

بل إن اليوسي تصدى لبعض الفرق التي ادعت التصوف وحاربها بالكتابة والتوعية، كـ”طائفة العكاكزة” التي انتشرت بمختلف أنحاء المغرب، وكانت لها عقائد وطقوس غريبة، لدرجة إفتائه بجواز مقاتلتهم حتى يرجعوا عن غيهم وضلالهم.

3- الحث على نشر التعليم وإصلاحه:

مع أن الدعوة لإصلاح التعليم ونشره كانت غريبة في السياق التاريخي الذي نتحدث عنه، فإن اليوسي لا يكاد يخلو مؤلف من مؤلفاته من الحديث عن أهمية التعليم، واعتباره أعظم من جهاد السيف.

يقول في رسائله: “فتعلم أن الجهاد في دفع الجهل وتحصيل الدنيا أصلا وفرعا أهم وأوكد من الجهاد في دفع العدو”. بل إنه قد ظل حريصا على تذكير السلطان بضرورة الاهتمام بالتعليم وأهله… ومما يثير الانتباه حقا، أن يؤكد على تعليم أهل البادية في ذلك الوقت، إذ يقول في رسالة للسلطان: “ولا يختص ذلك بالحاضرة، فإن أهل البادية أحوج…فالاعتناء بهم أهم، وأن منهم من يكون التعليم في حقه كأنه تبليغ الدعوة من أهلها”.

مع أن الدعوة لإصلاح التعليم ونشره كانت غريبة في السياق التاريخي الذي نتحدث عنه، فإن اليوسي لا يكاد يخلو مؤلف من مؤلفاته من الحديث عن أهمية التعليم، واعتباره أعظم من جهاد السيف.

يقول في رسائله: “فتعلم أن الجهاد في دفع الجهل وتحصيل الدنيا أصلا وفرعا أهم وأوكد من الجهاد في دفع العدو”.

وقد انتقد اليوسي وضع التعليم في زمانه، وحدد مباشرة أهم سبب لذلك، وهو عدم اهتمام السلطان، وصرح بذلك له في رسائله، واقترح عليه سبل الإصلاح، ومن أهمها تخصيص الدولة للأموال لهذا الورش، كما تخصصه للجيش والمهمات الحربية.

يقول في رسالته أيضا: “فالمشتغلون بالعلم أيضا تعلما وتعليما محتاجون إلى مؤونة وكفاية يتقوون بها على ما هم بصدده… فإن لم يكن المال، تعطلت مراسم العلم غالبا إلا أن يكون أيضا إكراه، ولا تنهض معه همة المعلم، ولا يكون لصدره انشراح ولا لقلبه إقبال، فلا يحصل للمعلم انتفاع، بل يكون ضربا في حديد بارد”.

4- الدعوة لتحقيق المساواة:

لم يكن من السهل أبدا في مناخ سياسي كالذي عاصره اليوسي، المطالبة بتحقيق المساواة بين الحاكم والمحكوم، إذ من المعلوم أن هذه المرحلة من تاريخ المغرب غلب عليها العنف السلطوي، وفشا فيها الاستبداد، وقمعت فيها الحريات، ولم يمنع  ذلك كله الحسن اليوسي من مطالبة السلطان بتحقيق المساواة بين السلطان والرعية، مؤكدا على أن الحكم لا يقوم إلا بالمساواة في الحقوق والواجبات، فيقول في رسالته المعروفة بـ “براءة اليوسي” مخاطبا المولى إسماعيل بكل قوته وسلطته: “فليعلم سيدنا -نصره الله- أن الأرض وما فيها ملك لله تعالى لا شريك له، والناس كلهم عبيد له، وسيدي واحد من العبيد، وقد ملكه الله تعالى رقاب عبيده ابتلاء وامتحانا، فإن قام عليهم بالعدل والرحمة والإنصاف والإصلاح فهو خليفة الله في أرضه، وظل الله في عباده… وإن قام بالجور والعنف، والكبرياء والطغيان والفساد، فهو متجاسر مع مولاه، ومتكبر في الأرض بغير الحق، ومتعرض لعقوبة الله تعالى الشديدة وسخطه”.

5- المناداة بتحقيق العدالة الاجتماعية:

مما اهتم اليوسي بإثارته وجعله محورا لمطالبه الإصلاحية، تحقيق العدالة الاجتماعية، فقد حمل السلطان مسؤولية ما آلت إليه البلاد من فوضى وفتن وانتفاضات، وجعل ذلك عائدا لما يقع من ظلم وجور ولاة السلطان ونوابه.

يقول اليوسي في رسالته للمولى إسماعيل: “فلينظر سيدنا، فإن جباة مملكته قد جروا ذيول الظلم على الرعية، فأكلوا اللحم وشربوا الدم، وامتشوا العظم، وامتصوا المخ، ولم يتركوا للناس دينا ولا دنيا”. بل إنه يتوجه للسلطان مباشرة، “فليتق الله سيدنا وليتق دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب، وليجتهد في العدل، فإنه قوام الملك وصلاح الدين والدنيا”.

لم يكن اليوسي مجرد منتقد للوضع، على صعوبة الانتقاد وجرأته في سياق تاريخي طبعه التسلط والاستبداد. لكنه كان، بعد شرح الأسباب والعوامل وتحليل الوضع، يقدم الحلول والمقترحات التي يراها تحقق العدل والمساواة والازدهار والإصلاح.

لذلك، استحق أن يكون واحدا من أوائل رواد الإصلاح الديني بالمغرب.

مقالات قد تهمك:

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *