الباعة المتجوّلون أمام ضعف التأطير القانوني… مؤسّسة رسميّة تقترح توصيات لتنظيم التّجارة الجائلة! - Marayana - مرايانا
×
×

الباعة المتجوّلون أمام ضعف التأطير القانوني… مؤسّسة رسميّة تقترح توصيات لتنظيم التّجارة الجائلة!

تعتبر التجارة الجائلة من أهم معضلات الاقتصاد الوطني التي ينبغي إصلاحها، لأنّها تفوّت على الدّولة موارد ضريبية مهمّة، كما أنها تحرم فئات واسعة من المواطنين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

تنضوي ظاهرة التجارة الجائلة تحتَ لواء الاقتصاد غير المهيكل الذي يمثّل نسبة 30% من الناتج الداخلي الخام للمغرب.

في ذات الصدد، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين”، سنة 2021 بمجلس المستشارين، دراسة تعتبرُ أنّ محدودية الاقتصاد الوطني، خاصة الاقتصادات المحلية في الجهات، في خلق فرص عمل كافية، يدفع فئات واسعة الباحثين عن الشغل إلى ممارسة تجارة غير منظمة من خلال الاشتغال كباعة متجولين في المدن.

وإزاء غياب إحصائيات رسمية حديثة، خصوصًا في ظل تداعيات جائحة كورونا، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقدّر عدد الباعة المتجولين بمئات الآلاف، علمًا أن تقديرات لقطاع الصناعة والتجارة تعود لسنة 2014 أشارت حينئذ إلى وجود 430 ألف بائع متجول.

التجارة الجائلة: ضعف التّشريع؟ 

تذهبُ الدراسة إلى أنّ نشاط التجارة الجائلة يعتريه “قصور واضح في الجانب التشريعي والتنظيمي يحول دون إمكانية اندماجه في القطاع الاقتصادي المنظم. يتجلى هذا القصور أحيانا في غياب إطار قانوني، وأحيانا أخرى في وجود تباين شاسع بين القاعدة القانونية وتطبيقها”.

يُعاني القطاع غير المنظم من غياب منظومة وطنية تؤطّر ممارسة مختلف المهن والحرف، بحيث يزاول الباعة المتجولون أنشطتهم التجارية دون التوفر على بطاقة مهنية أو سجل تجاري، بما أنه، في هذا الصدد، لم تدرج مدونة التجارة مقتضيات تهم هذه الفئة.

كما أن هذه الوضعية، تضيفُ الدّراسة، تجعلهُم في منأى عن كل الالتزامات الجبائية والاجتماعية، ولا يستفيدون بالمقابل من مزايا الحماية الاجتماعية ولا من الحق في التنظيم للدفاع عن مصالحهم في إطار منظمات نقابية أو مهنية. وفيما يظل التشريع الوطني محدودا للغاية في مجال تنظيم المهن والحرف، فإن المشرع المغربي قد أحدث منظومة المقاول الذاتي التي يمكن أن تساعد على تأهيل جزء كبير من القطاع غير المنظم، والتي تستجيب بشكل خاص لوضعية الباعة المتجولين.

عن إشكالية احتلال الملك العمومي التي تكتسي أهمية بالغة عند معالجة ظاهرة التجارة الجائلة، فالتقرير يفيدُ أن القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الصادر سنة 2015، قد أناط برئيس مجلس الجماعة صلاحيات واسعة، منها ما جاء في المادة 100 بشأن “منح رخص احتلال الملك العمومي دون إقامة بناء، وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.

يتحمل رئيس مجلس الجماعة، بمقتضى نفس المادة مسؤولية “تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها”.

المادة 100، ذاتها، تنصّ كذلك بأنه “يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع…”.

لكن، ورغم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس مجلس الجماعة بشأن احتلال الملك العمومي وتنظيم الباعة المتجولين، وفق ما ينصّ عليها القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، إلا أن واقع الحال يفيد بأن الجماعات المحلية تجد صعوبات كبيرة عن مواجهة الظاهرة، نظرا لمحدودية الإمكانيات البشرية والمادية، وغياب صلاحيات تنزيل القرارات وتنفيذها.

هذا “فضلا عن محدودية الإمكانيات الموضوعة رهن إشارة مجلس الجماعة بشأن تنظيم الباعة المتجولين واحتلال الملك العمومي، فإن المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 113.14 تحد من صلاحيات رئيس مجلس الجماعة، إذ تنص على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس صلاحيات الشرطة الإدارية الجماعية باستثناء بعض الصلاحيات التي تخول إلى عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، ومنها مراقبة احتلال الملك العمومي الجماعي”.

أي توصيات ممكنة؟ 

من الناحية الأوّلية، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وضع مخطط وطني للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين منبثق عن الاستراتيجية المندمجة التي يقترح المجلس وضعها للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم.

يتمّ ذلك، حسب التقرير، وفق مقاربة تشاركية تعبأ لها الاعتمادات المالية الضرورية ويعهد بتدبيرها لهيئة تحدث لهذا الغرض. على أن تخضع الهيئة لمعايير التدبير والحكامة الجيدة، وأن تنفذ برنامج عمل وفق أهداف مرسومة وفي آجال محدودة، وأن يكون لها امتداد على المستويين الجهوي والمحلي، مع العمل على تعميم التجارب المحلية الناجحة.

كما أوصى المجلس بضرورة دعم المجتمع المدني من أجل مساعدته على النهوض بأدواره والمساهمة في تنظيم الباعة المتجولين، وإشراكه في إعداد وتنزيل المخطط الوطني لإدماج الباعة المتجولين والمساهمة في مختلف أوراشه، وتمكينه من دور أساسي في مجال المواكبة والتتبع، وإحداث نظام المقاولة الاجتماعية كإطار متقدم لمواكبة الباعة المتجولين.

من الناحية القانونية، يشيرُ التقرير إلى ضرورة العمل على سد الفراغ القانوني بتنظيم وتأطير التجارة الجائلة بكافة أشكالها عن طريق سن مقتضيات تنظم شروط ومعايير ممارسة الأنشطة ذات الصلة، مع تحديد المخالفات كاحتلال الفضاءات والأماكن العمومية، أو المزاولة دون ترخيص، ودرجة خطورتها والجزاءات المناسبة لها”.

هذا، طبعاً، بالإضافة إلى تحيين المُقتضَيات التّنظيمية والمَساطر وتبسِيطِها وإضفاء الشّفافية عليهَا بشأن التّرخيص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي من طرف الباعة المتجولين، سواء باستغلال أماكن قارّة داخل المجال الحضري أو في التجمعات الشبه حضرية أو القروية، أو باستغلال مركبات، أو باستغلال مواقع على المحاور الطّرقية خارج المدن.

يوصي المجلس، أيضاً، بدعم مقاربة الإصلاح وإعادة الإدماج، من خلال تنصيص التشريع الجنائي على “إقرار إمكانية الخضوع لبرنامج تكوين مهني كبديل للعقُوبات السالبة للحرية لفائدة الأفراد المحكومين في بعض الجنح الذين يعانون من الهشاشة”. وكذا “خفض مدة العقوبة السالبة للحرية لفائدة بعض فئات السجناء حين يخضع هؤلاء لبرنامج تكوين مهني”.

ضمن التوصيات المهمة، تردُ ضرورة تنظيم وتقنين مختلف المهن والحرف في القطاعات التجارية والصناعية والخدماتية والفلاحية، بعد إحصائها وتصنيفها وفق توزيعها الجغرافي مع مراعاة الخصوصيات المجالية والجهوية، والعمل على تعميم برامج التأهيل والاعتراف بمكتسبات الخبرة المهنية، وتمكين الباعة المتجولين من بطاقة مهنية.

ثمّ يتأتى، بالتّبعة، تنظيم المناولة والعلاقات داخل سلاسل الإنتاج وقنوات التوزيع بما يضمن الجودة وتتبع البضَائع، مع مراعاة المعايير الحديثة وعلامات الجودة والبراءات والعلامات التجارية. فضلاً عن إحداث منظومة “تعاونيات الأنشطة والشغل”، التي تُمكِن تجار مستقلين من التنظيم والتعاون.

تبقى التجارة الجائلة، إذن، من أهمّ معضلات الاقتصاد الوطني التي ينبغي إصلاحها، لأنّها تفوّت على الدّولة موارد ضريبية مهمّة، كما أنها تحرم فئات واسعة من المواطنين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *