في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: القتل والإرهاب والبيدوفيليا… هل تستدعي هذه الجرائم حكم الإعدام فعلاً؟ 2 - Marayana - مرايانا
×
×

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: القتل والإرهاب والبيدوفيليا… هل تستدعي هذه الجرائم حكم الإعدام فعلاً؟ 2\3

الغايَة من تطبيق العُقوبة قد تغيّرت مع تطوّر علم الإجرام والعقاب، الذي تأثّر بنظرة المُجتمع إلى الجريمة وإلى المجرم، وظهور مبدأ أنسنَة العقوبة، حيث لم تعد العقوبة هي الغاية في حد ذاتها، وإنما أصبحت أحد وسائل الوقاية والعلاج من الجريمة، التي يجب أن تنصّب بشكل أساسيّ على تأهيل المجرم وإعادة إدماجه في المجتمع كهدف لتنفيذ العقوبة…

عرضنا في الجزء الأول ملامح عقوبة الإعدام في العالم خلال سنة 2020، حسب ما جاء به تقرير منظمة العفو الدولية؛ وكذلك واقع الإعدام في أصعب ظرفية عاشها الإنسان المعاصر، بسبب تفشي وباء كورونا.

في هذا الجزء الثاني، نقف على الحجج القائلة بأن الجرائم البشعة تستدعي حكم الإعدام بدون منازع، وبأن هذه الجرائم لصيقة بمبدأ القسوة.

القسوة، حيثُ تتفجّر وحشيةُ الإنسان وتسقطُ عنه آدميته، هي إحدى الأسباب التي تدفعٌه لارتكاب الفظَاعات الثقيلة، من عيار اغتصاب الأطفال والنساء، والاغتيال العمد مع سبق الإصرار… ثم قتل الأبرياء باسم الدّين والإرهاب.

لكن، هل تستدعي هذه القسوةُ حُكم الإعدَام؟

يبقى الاختلاف في التّقدير راجعا بشكل أساسيّ، وفق بعض الباحثين، إلى الهوة الثقافية بين الشرق والغرب.

عنصر الردع داخل المؤسسات السجنية غير متوفر، لذلك يخرج المتهم متعطّشا للمزيد من الجرائم. بالتالي أين الخلل؟ وهل ينبغي إعادة النظر في عملية التأهيل داخِل السّجون المغربية؟

إذا كان الغربُ، مهد حقوق الإنسان بكلّ تفريعاتها المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ يعتبرُ حكم الإعدام انتقاما وعقوبة سالبة للحياة وغير مقبولة؛ فإنّه، ضمن الثقافة المشرقية، يُنظَر إلى عقوبة الاعدام، على أنّها مأخوذة من الشّريعة الإسلامية في أحكام الحُدود والقَصاص.

و… أن عقُوبة الإعدام تقي من وقُوع الثّأر، وأنها عقوبة رادعة وتمنع تفشّي الجرائم والفساد… وهي ضرورة لحماية المجتمع وتحصينه من البيدوفيليا والإرهاب والفوضى والمخدرات القاتلة.

المغرب… بين الإعدام والانتقام!

من منا لا يتذكّر حادثة اغتصاب الطفل عدنان بوشوف وقتله ودفنه بحفرة قرب منزله، بطريقة في منتهى البشاعة، خلال شتنبر من العام 2020؟ وقبلها حادثة ضحيّتي “شمهروش”، الطالبتين الاسكندنافيتين، اللتين تعرضتا للذبح على أيدي إرهابيين.

هذان أقرب ملفّين زمنياً، حدَث على إثرهما لغطٌ كبيرٌ في المغرب بخصوص تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه.

من الحجج التي ساقها المدافعون عن الإعدام، ومنهم “حقوقيون”، أنّ القاتل لا يمكنُ أن يحاكم بالإعدام دون تنفيذ؛ إذ ليس مقبولاً، حسب هؤلاء، أن تكتوي قلوب أسر الضّحايا، بينَما القتلة ينعمون في السّجن ويأكلون ويشربون وينعمون بالحياة. الإعدام، هنا، يبقى عقوبة تتناسب في شدتها وقسوتها مع أخطر الجرائم وأشدها.

انتزاع هذا حق في الحياة، يمنع الانسان من التمتع بأي من الحقوق الأخرى… وهو ما عضّد الإيمان لدى الفَعاليات الحُقوقية بالمَغرب وغيره، بأنّ الإعدَام هو انتهَاكٌ لحقُوق الإنسَان في كُلّيتها.

هذه الدّفوعات، وفق البعض، أعطت للإعدام بعداً انتقامياً، وحمّلته بشحنَات التّحريض على القَتل. بالمقابل، أفرغَته من كَونه عقُوبة تحاول إصلاَح المُجتمع وتطويق الجَريمة.

إلاّ أنّهُ، بالعودة إلى دليل إجرائيّ بعنوان: “مناهضة عقوبة الإعدام في العالم العربي، الاستراتيجيات الفعالة والآليات المتاحة”، أعده ميرفت رشماوي وطالب السقاف، بدعم من المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، فإنه يتمّ التأكيد، منذ البداية، على أنه حين ابتكرت البشرية نظام العقاب، منذ تكوين المجتمعات، وعبر العصور، كان الهدف من تطبيق العقوبة هو القصاص من الجاني وتحقيق الردع العام في المجتمع.

لكن الغايَة “من تطبيق العُقوبة قد تغيّرت مع تطوّر علم الإجرام والعقاب، الذي تأثّر بنظرة المُجتمع إلى الجريمة وإلى المجرم، وظهور مبدأ أنسنَة العقوبة، حيث لم تعد العقوبة هي الغاية في حد ذاتها، وإنما أصبحت أحد وسائل الوقاية والعلاج من الجريمة، التي يجب أن تنصّب بشكل أساسيّ على تأهيل المجرم وإعادة إدماجه في المجتمع كهدف لتنفيذ العقوبة”.

حتى أنّ لفظة السّجن لم تعد ملائمة، وبات الهدفُ الرّئيسي من حجز الحرية هو الإصلاح وإعادة التأهيل. لذا، فإن الكثير من الدول ومنها الأردن، استعاضت عن تسمية السجون بمسمى مراكز الإصلاح والتأهيل.

المدارس الفلسفية الجنائية الحديثة لعبت دوراً حاسماً في تغيير النظرة نحو عقوبة الإعدام، باعتبارها عقوبة قائمة على أساس استئصال الجاني من الحياة، ومبنية، بشكل أساسي، على النظرة التقليدية للعقوبة. النظرة التي تعتبر أن الهدف الأساسي للعقوبة هو إيقاع الألم والتكفير عن الذنب والانتقام من الجاني.

هذا الأمرُ، حسب الدليل، أدّى إلى إعادة فتح باب النقاش حول مشروعية الإعدام كعقوبة جنائية، حيث نادى بعض العلماء ونشطاء حقوق الانسان بإلغاء عقوبة الإعدام، على أساس أنها لا تصلِحُ من حال من تُنفَّذُ عليه، ولا تعيد تكيفه مع المجتمع، ولا تحقق، بأي شكل من الأشكال، الغاية من تنفيذ العقوبة، المتمثل بالرّدع والإصلاح.

… عكس ذلك، يشكل الإعدام “انتهاكا صارخا لأهم الحقوق الإنسانية التي تعارفت عليها البشرية، وهي الحق في الحياة، والذي يعد الأساس لتمتع الإنسان بباقي الحقوق التي منحُه إياها القانون”.

بالتالي، فإن انتزاع هذا الحق يمنع الانسان من التمتع بأي من الحقوق الأخرى… وهو ما عضّد الإيمان لدى الفَعاليات الحُقوقية بالمَغرب وغيره، بأنّ الإعدَام هو انتهَاكٌ لحقُوق الإنسَان في كُلّيتها.

بحسب هذا الرأي، إذن، فإنه لا توجد أي جريمة، مهما بلغت من “الفظاعة”، تستدعي حكم الإعدام.

بين القانون والحقّ

المختار أعمرة، أستاذ جامعي باحث في القانون الجنائي وعلم الإجرام بكلية الحقوق سلا، يطرحُ سؤالاً يعتبره في غاية الأهمية، وهو: هل يجب الأخذ بعين الاعتبار الضرر الذي لحق بالضّحية لإنصافه في قضايا الاغتصاب والقتل والإرهاب والبيدوفيليا، أو أن يكون العقاب انتقاماً من الجاني؟

لفظة السّجن لم تعد ملائمة، وبات الهدفُ الرّئيسي من حجز الحرية هو الإصلاح وإعادة التأهيل. لذا، فإن الكثير من الدول ومنها الأردن، استعاضت عن تسمية السجون بمسمى مراكز الإصلاح والتأهيل.

يجيبُ أعمرة بأنّ هناك إشكالان، أولهما أنّ بعض الضّحايا يقولون بأن الإعدام يشفي الغليل، وأنه يأخذ لهم حقّهم. والثاني، يكمن في… هل الحلّ أن تسلب المتهم حياته كلياً؟ ففي بعض القضايا البشعة، يكون سلب حياة الجاني ليس عقاباً، بل تخفيفاً عنه، وهذا بالمعنَى القانوني طبعاً.

أعمرة يضيفُ أنّ القانون الجنائي المغربي يحدّد عقوبة الإعدام دون تحديد الأسباب التي أدت إلى الجَريمة. لذلك، يتعيّن وضع شُروط واضحة ومحدّدة ودقيقة كخريطة لتطبيقه.

ما لا يجب أن “يغيب عنا ونحن ندافع عن حق المتهم في الحياة، ألاّ نتنكّر لحقّ الضحية في الحياة أيضاً. حين نرافع بحقوق الإنسان، فالضحية أيضا يعتبر إنساناً وله كامل الضّمانات في أن تُعيد له العدالة حقه؛ وأحياناً إعادة الحقّ تستَدعي إيقاع الإعدَام”، يقول المتحدّث.

قد نجد أنفسنا، مثلاً، أمام شخص قتل العديد من الأشخاص ولازال عازماً على قتل المزيد إن أتيحت له الفرصة؛ ثم نُدخله السّجن ونوفر له التطبيب والتغذية. بالتّالي، هنا، تتساءل الضّحية: ما الذي أستفيده من وجُود الجاني في السّجن ويتمتع بحقوق قد لا أتمتع بها أنا في عزّ “حريتي”؟

الغريبُ، حسب المتحدّث أننا نلاحظ، في الآونة الأخيرة، أنّ القتل أصبَح مُستشريا في المُجتمع، ونسمع بشكل دوري أخبار الاغتيالات، حتى غدا القتل مسألة غير صادِمة بالنّسبة للبَعض.

لذلك، فإن “علم الإجرام الذي يهتم بالتكوين النفسي للشّخص المتّهم، يميّز بين من “يمتهن” الجريمة ولا يمكن إدماجه، لأنه يشكّل خطراً على العيش المُشترك وعلى المجتمع؛ وبين شخص ارتكب جريمة دون إصرار أو عن طَريق الخطأ، ومستعدّ لتدارك الأمر”.

لنفترض أننا قمنا بتغليب الجَانب الإنسانيّ على الجانب القانوني، هل سيصبح المجرم بعد إتمام العقوبة السجنية خالياً من بقايا الإجرام؟ “للأسف، في الكثير من الملفات المطروحة، تبين العكس تماماً، حتى أنّ هناك جناة قتلوا أشخاصا آخرين داخل السجن، فتصبح العدالة محطّ تشكيك… هل تساهم العدالة في مزيد من الجَرائم باسم القانون؟” يتساءل أستاذ القانون الجنائي.

أكثر من ذلك، فعنصر الردع داخل المؤسسات السجنية غير متوفر. لذلك، يخرج المتهم متعطّشا للمزيد من الجرائم. بالتالي أين الخلل؟ وهل ينبغي إعادة النظر في عملية التأهيل داخِل السّجون المغربية؟

هناك حالات أخرى حتى إعدام الجاني لا يشكل فيها أي فرق بالنسبة للضحية أو لأسرتها. في هذه الحالة، ينبغي على الدّولة أن تستفيد من المجرم في خدمة الصالح العام، عن طريق استخدامه في أمور تفيد الدولة والمجتمع، كتشغيله في البناء وتشييد الطرق مع وضع مراقبة عليه.

في النهاية، فإن الإعدام، في نظر أعمرة، ينبغي أن يكون متبوعاً بجميع الشّروط التي تستوجب، في حالة الاعتداء عليها، الحكم بالإعدام، لأجل الضّحية ولأجل المساواة أمام القانون.

بالمقابل، لا يمكننا أن ننكر أن الإعدَام، رغم الحُكم به وعدم تنفيذه في المغرب، إلاّ أنّه بالفعل لم يشكّل رادعاً للجريمة، ولازالت جرائم الاغتصاب والبيدوفيليا والقتل والإرهاب مستمرة، وهذا نقاش آخر يتعلق بمدى جدوى الإعدام وشكليته. ولماذا لا يتمّ التراجع عنه؟

نقاش سنخوض في تفاصيله في الجزء الثالث والأخير من هذا الملف.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *