في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: إذا كانت لا تشكّل رادعاً للجريمة… فما الجدوى منها؟ 3/3 - Marayana - مرايانا
×
×

في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: إذا كانت لا تشكّل رادعاً للجريمة… فما الجدوى منها؟ 3/3

الدّولة المخزَنية، التي تستمدّ أسَاسها، في الوجود الشعبي، من الشرعية التقليدية الدينية، غير عازمة على الخروج بقرار يعارض الإسلام، الذي يحثّ على القصاص… رغم أنها اتخذت قرارات حداثية مهمة في مجالات أخرى، لكنها بقيت متحفّظة في موضوع الإعدام…

رأينا في الجزء الأول ملامح وإحصائيات من واقع الإعدام بالعالم؛ ثمّ قدمنا نظرة قانونية وحقوقية تتعلق ببعض الجنايات التي تتصف بالبشاعة، وهل تستدعي الإعدام قطعاً، في الجزء الثاني.

في هذا الجزء الثالث، نقفُ على الخلفيات المتحكمة في عدم خوض المغرب غمار الحسم مع عقوبة الإعدام.

المغرب، في نونبر 2017، امتنعَ عن التّصويت على مشروع قرار في “اللّجنة الثالثة” للجمعية العامة للأمم المتّحدة، يدعو دول العالم إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام.

رغم هذا التحفظ، الذي دام لسنوات، فإنّ المشرع المغربي وضع ثُلّة من المعايير التي تؤطّر الحكم بالإعدام في المغرب، ومنها أنه لا يحكم بالإعدام على القاصرين الذين يقل سنهم عن 18 سنة، ولا ينفذ الحكم بالإعدام إلا بأمر من وزير العدل، ولا يجوز تنفيذه إلا بعد رفض طلب العفو إذا تقدم به المحكوم عليه؛ كما لا يمكن الحكم بالإعدام على الحامل، إلا بعد سنتين من وضع حملها.

بالعودة إلى التقرير السنوي (2020) حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب، فإنّ مجموع عدد المحكوم عليهم بالإعدام في البلاد يبلغ 74… بينهم سيدتان.

حين تتردّدُ الدّولة!

محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير، يرى أنّ سؤال الجدوى مطروح، عملياً، لأن العقوبة العظمى أصلاً غير دستورية.

بحسب ما أوضحه العوني لـ”مرايانا”، فإنّ المغرب يشهدُ تردداً غير مسبُوق بخصوص المضي في إلغاء هذه العقوبة السّالبة للحياة. لكنّ ما يغذي هذا التردد هو التيار المحافظ داخل المجتمع؛ فالمغرب، رغم تحقيقه مكتَسبات مُهمة، ديبلوماسياً وتنموياً، إلاّ أنها ليسَت كافية، مادَامت بعضُ الإشكَالات التي تتعلّق بالحُقوق والحرّيات والديمقراطية عالقَة.

لذلك، يعتقد المتحدث أنّ الجناح المحافظ داخل دواليب الدّولة، يقدّم نفسَه وصياً على القيم المُجتمعية وحامياً لها، ويسعى جاهداً لاستمرار نفس الوضع دون تغييره.

الملاحظ، حسب العوني، أنّ اختيارات الدولة والشعارات المرفوعة، تحيلُ، في العمق، على خلل في الفهم. ذلك أنّ التيار المحافظ لا يتعامل مع حقوق الإنسان والديمقراطية، كمنظومتين متكاملتين فيما بينهما في دينامية مستمرّة، وتعكس تقدّم البَشرية بشكل ملموس. التيار فضّل أن يكُون انتقائياً.

لا ينبغي أن ننسى أنّ الاختيار الديمقراطي المتعثر ببدلنا، له تأثير عملي على المنظومة الحُقوقية والقانونية، بكلّ تفاصيلها وأبعادها الكونية، بما فيها الحقّ في الحياة وإلغاء عقوبة الإعدام، يقول رئيس منظمة حريات للإعلام والتّعبير.

مما يفيده العوني، أنّه كلما أثير نقاش الإعدام، نتذكر أنّ الملك محمد السادس كان قد وجّه رسالة، بالمُنتدى الدّولي لحقوق الإنسان المنعقد بمراكش سنة 2015، حثّ فيها على ضرُورة التقدم في الإنصات للمُقاربة الحُقوقية الدّاعية إلى إلغاء “العُقوبة العظمى”. وللمفارقة، فالرسالة “قرأها مصطفى الرميد، وزير العدل آنذاك، والذي يتزعّم موقف حزب العدالة والتنمية المناهض لإلغاء أحكام الإعدام”.

مؤخراً، نحا الحزب، ذو المرجعية الإسلامية، نحو التأكيد على ضرورة التقليص من العقوبات في بعض القوانين الجنائية. هذه الدعوة للتقليص، اعتبرتها بعض الأصوات مؤشّرا إيجابيا لتطويق الخلاف والتدافع السّياسي والأيديولوجي فيما يخصّ إلغاء عقوبة الإعدام.

لكن العوني يرى أنّ هذا التوجه الذي أبان عنه مؤخرا حزب البيجيدي، يعكسُ فقط المواقف المتقلبة والمتلونة حسب الظرفية السياسية، التي يلعبُ داخِلها الحزب. لكن، مع ذلك، لا يمكن أن تُقرأ إلاّ من جانب إيجابيّ على اعتبار أنها اقتراب من التوافق بين الحساسيات السياسية المغربية.

رغم ذلك، فالعوني لا يبرّئ العدالة والتنمية، في حضوره الوازن افتراضياً، بقصد أو بغير قصد، وكذلك دوره في تكرِيس الدّعوة إلى إنزال أقسى العقوبات على الجناة، الذين ارتكبوا قضايا في غَاية البَشاعة، على غرار البيدوفيليا والقَتل والإرهابُ… بشكل يغازل المشترك الديني ويغازل “الهوية” والوطنية”.

لعل الكثيرين هنا، يتناسون أن عبد الإله بنكيران، حين كان رئيسا للحكومة، كان قد واجه الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حينها “محمد الصبار”، بأن الرجل إذا ضبط زوجته في حالة خيانة زوجية، فإن له الحق في تصفيتها… لأن المغاربة، حسب بنكيران، “مازال ماماتش فيهم النفس”. الزعيم السابق للبيجيدي، هنا، كان مع تنفيذ الإعدام … قبل حتى صدور حكم محكمة.

لكن… يبقى من الضروري فهمُ عقوبة الإعدام من زاوية التشريح النّفسي للنظام المغربي.

وهل “قرأنا” الإعدام جيّداً؟

في حديثه مع مرايانا، يشدّد الأخصّائيّ في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، على أنّ الإعدام في السياق المغربي معقّد جداً، لا هو حقوقي بحت ولا قانوني محض؛ بل يتعلّق بالحسابات السياسية والأمنية والدينية… وبالتكوين النفسي والذهني للنّظام.

في الظاهر، يقول المتحدّث، قد يبدو الأمر بأن الدّولة المخزَنية، التي تستمدّ أسَاسها، في الوجود الشعبي، من الشرعية التقليدية الدينية، غير عازمة على الخروج بقرار يعارض الإسلام، الذي يحثّ على القصاص… رغم أنها اتخذت قرارات حداثية مهمة في مجالات أخرى، لكنها بقيت متحفّظة في موضوع الإعدام.

أمّا في العمق السّياسي والأمني، فإنّ الدّولة، يقول بنزاكور، “تُبقي على العقوبة العظمى كورقة سياسية، يمكنُ توظيفها في أي لحظة لاستتباب الأمن وضَبط الجَماهير الشّعبية الهائِجة. لنأخذ، كأمثلة، آخر تنفيذ للإعدام في حق الحاج الثابت سنة 1993، ثمّ آخر حكم إعدام في حقّ مغتصب الطفل عدنان سنة 2020. نجد أنها قضَايا هزّت الرأي العام؛ والجمَاهير طالبَت بالإعدام… والقانون “استجاب”، بكيفية من الكيفيات”.

ما يمكن أن نستقرئه، هنا، أنّ الإعدام هو ورقة في يد الدولة، وآلية “ناجعة” للضّبط المجتمعي ورأب الصّدع. والعدالة، مع ذلك، لا تطبّقه. لكنّ الدّولة تراهن على بقائه كوسِيلة لتوجيه الرأي العام أو الضغط عليه،  وتُحافظ على حق المتّهم في الحياة ضمنياً.

بالتالي، فالانقسَام الذي يشهده المُجتمع، بين مؤيد ومعارض، وبين الحقوقي والقانوني والديني، هو في صالح الدولة، وهو أمر طبيعي، فالدول كلها تراهن على أوراق معينة لضبط السّلم الاجتِماعي.

الذي ينبغي أن يتمّ تأصيله في أفهام الناس، وفق بنزاكور، هو أنّ الإعدام لا يردَع الجريمة، ولا السجن يردع ولا الغرامة تردع ولا أي شَكل من العقاب… يردع!

بينما، المشكل الحقيقي، المطروح حقوقياً، هو…

أيجوزُ للإنسان أن يقتل الإنسان بداعي العَدالة؟ وتلك العدالة، ألا يمكن الحديث فيها عن نسبة للخطأ، في أحيان نادرة، حتى تجزم بحكم الإعدام؟ وألا تحتمل العدالة الإنسانية الخطأ أصلاً؟

في الجهة الأخرى، تعتقدُ بعض الحساسيات أنّ الإعدام رديف للإنصاف والعدل، على أساس أنّ الدولة الحديثة، حين قيامها، وجدت أنه، لكي تتخلص من العنف والثأر والاقتتال داخل المجتمع، لا بد من العمل على تنظيم العنف قانونياً وقضائياً، فاحتكرته الدولة… من هناك، بات الإعدام سارياً باسم القانون.

بنزاكور، في الأخير، يخلصُ إلى أنّ الدّولة المغربية تتعامل بدهاء مع موضوع الإعدام عوض الحَسم. فالدولة، على ما يتضح، لا تنوي التخلص من هذه الورقة، لأنّ النّظام أدرك “فوائدها”.

و… بين هذا وذاك، يجد مصطفى العراقي، منسق “شبكة الصحافيات والصحافيين من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”، خلال تواصله مع مرايانا، أنّ هناك إرهاصات إرادة لدى الدولة المغربية في إنهاء “كابوس” عقوبة الإعدام. لعلّ تتبع المسار يوضّح ذلك… “ونتذكر محمد أوجار حين قال بأنّ المغرب ينحو تدريجياً في اتّجاه إلغاء عقُوبة الإعدَام، وقبل كل ذلك كان الفصل 20 من الدستور المغربي قد أكّد على الحقّ في الحياة”…

أخيراً، فإنّه… ثمة اختلافٌ عميق في الآراء والمواقف، فيما يخصّ عقوبة الإعدام، بين داعٍ لإبقائها ومناضل من أجل إلغائها… وهذا راجعٌ إلى الطبيعة الفلسفية لموضوع الإعدام، والتي تتجاوز الشق الحقوقي والقانوني والأمني والسياسي والديني.

لكن، مع كل ذلك، يبقى الأصل في الحكاية، أن…

حياة الإنسان لها قدسية خاصة يجب احترامها… سواء من طرف الجناة أو من طرف القانون تجاه الجناة؛ وذلك في أفق البحث عن حلول جذرية للجريمة والأمراض المجتمعية الخطيرة، التي… لم يستطع الإعدام اجتثاتها!

ذات يوم، قال المهاتما غاندي:

“العين بالعين… ويصبح العالم كله أعمى”.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *