الأربعاء الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية: هل دقت ساعة أفول الديمقراطية؟ 1 - Marayana - مرايانا
×
×

الأربعاء الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية: هل دقت ساعة أفول الديمقراطية؟ 1\3الجزء الأول. كرونولوجيا الأحداث: من الهزيمة الانتخابية إلى الأربعاء الأسود

في هذا الملف، تعيد مرايانا تركيب الصورة من جديد. تنطلق من كرونولوجيا أحداث الأربعاء الأسود، وما خلفته من نقاش داخلي، لتسلط الضوء على مخاوف العنصرية التي ارتبطت بهذه الأحداث، ومخاوف تنامي اليمين والنازية الجديدة، وعودة الحديث عن أفول الديمقراطية، وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي مقابل سقوط مصداقية المؤسسات، ونقاشات النخبة الأمريكية في ظل الوضع الجديد.

“نهاية الاستثناء الأمريكي”، كان هذا العنوان الأبرز لجريدة الواشنطن بوست الأمريكية، تعليقا على أحداث الأربعاء الأسود (6 يناير 2021). عنوان يعكس وقع صدمة الأحداث التي عرفها مبنى الكابتول على أمريكا والعالم ككل؛ إذ، بينما كانت العيون تترقب نتائج جلسة التصويت على نتائج الانتخابات الأمريكية التي أعلنت فوز المرشح الديمقراطي جون بايدن على واحد من أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل “دونالد ترامب”، وقع ما لم يكن في الحسبان.

خلال اللحظات الأولى، بدا الأمر كأنه مشهد تمثيلي لفيلم إثارة هوليودي، أو محاكاة لمشهد سقوط بغداد، أو سقوط أحد أنظمة جمهوريات الموز –كما وصف بعض المحللين الأمريكيين الأمر-، فقد تطلب الحدث بعض الوقت لتصديق الصور المنتشرة كالنار في الهشيم. مؤيدوا ترامب يقتحمون مبنى الكابتول، أحد الرموز السيادية الأمريكية، ويجبرون الموجودين فيه على الفرار، ويحتلون قاعات ومكاتب المبنى/الرمز، ويوقفون جلسة التصويت.

مزيج بين الصدمة والعنف طبعت العالم بأسره، جراء هذا الحادث الذي طال رمزا أمريكيا لم يتعرض لأي اعتداء منذ الهجوم البريطاني عليه خلال حرب سنة 1812، وظل في منأى عن أي اعتداء خارجي، فبالأحرى أن ينبع الأمر من الداخل.

تساؤلات كثيرة تناسلت وراء الأحداث، ففي مقال له على موقع الفورين بوليسي، قال الكاتب دانييل بيمان: “… مهما بدت هذه الحادثة سريالية، فإن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت تمثل اللحظات المحتضرة لإدارة فاسدة وغير قانونية؟ أو نذير صراع في المستقبل؟ كلاهما قد يكون صحيحًا”.

كلام بيمان الذي لا يخفي توجسه من القادم، يعيد للأذهان تساؤل فوكوياما بعد نجاح ترامب سنة 2016، عن مدى قدرة الديمقراطية الأمريكية على الصمود، وعشرات التحليلات والمؤلفات والكتب والدراسات التي بدأت تحذر من بداية أفول الديمقراطية في بلاد العم سام والعالم ككل.

في هذا الملف، تعيد مرايانا تركيب الصورة من جديد. تنطلق من كرونولوجيا أحداث الأربعاء الأسود، وما خلفته من نقاش داخلي، لتسلط الضوء على مخاوف العنصرية التي ارتبطت بهذه الأحداث، ومخاوف تنامي اليمين والنازية الجديدة، وعودة الحديث عن أفول الديمقراطية، وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي مقابل سقوط مصداقية المؤسسات، ونقاشات النخبة الأمريكية في ظل الوضع الجديد.

البداية: ليلة الانتخابات

اتجهت معظم آراء المحللين السياسيين وكتاب الرأي الأمريكيين إلى أن أحداث الأربعاء الأسود لم تكن فجائية، ففي مقال مطول لـ”دان باري” و”شيرا فرانكل” منشور على النيويورك تايمز يوم الجمعة 8 يناير 2021، أرجع الكاتبان الجذور المباشرة للواقعة إلى 4 نونبر 2020؛ إذ منذ بدءِ فرز الأصوات، أخذ الرئيس الأمريكي في الاحتجاج على تزوير الانتخابات والتشكيك في نزاهتها، وتجاوز مجموع ما كتبه حول الأمر 300 تغريدة.

تفاعلا مع احتجاجات الرئيس على التزوير، سيتم إنشاء مجموعة فيسبوكية حملت اسم “أوقفوا السرقة” (Stop the Steal)، والتي لقيت تفاعلات سريعة، حيث كان ينظم لها حوالي 100 عضو جديد كل 10 ثوان، حتى وصل عدد المتابعين في المجموعة إلى 320 ألف متابع قبل أن يقوم الفيسبوك بإغلاقها.

لم يوقف إغلاق الفيسبوك للصفحة الرئيسية مسار الحركة، بل تناسلت المئات من مجموعات “أوقفوا السرقة”، ما دفع إدارة الفيسبوك إلى تشدد أكبر إزاءها. هذا الموقف دفع بعض مؤيدي ترامب ينتقلون إلى مواقع تواصل جديدة أقل تقييدًا كـ Parler و Gab.

على هذه المواقع أخذت تكبر فكرة تنظيم مسيرة احتجاجية كبرى وأخذت زخما كبيرا، وبدأ الرئيس ترامب يروج للمظاهرة الكبيرة، إذ غرد يوم 19 دجنبر 2020 قائلا: “احتجاج كبير في العاصمة يوم 6 يناير”، ثم أعقبها بتغريدة أخرى قائلا: “كن هناك، ستكون حاشدة”.

لم تتوقف تغريدات ترامب الداعية للمشاركة في مظاهرة السادس من يناير 2021، ففي السابع والعشرين من دجنبر ضرب موعدا لأنصاره قائلا: “أراكم في واشنطن العاصمة يوم 6 يناير، لا تفوتوها”، ونفس الدعوة تكررت بعدها في العديد من التغريدات.

مع بداية السنة الجديدة، غرد ترامب قائلا: “التجمع الاحتجاجي الكبير في واشنطن العاصمة سينعقد في الساعة الحادية عشرة صباحًا في السادس من يناير، تفاصيل الموقع لمتابعة أوقفوا السرقة”. في اليوم الموالي (2 يناير2021)، انضم السناتور تيد كروز من تكساس و 11 عضوًا جمهوريًا آخر في مجلس الشيوخ إلى جوش هاولي من ميسوري، بالإضافة إلى أكثر من 100 عضو جمهوري في مجلس النواب، متعهدين بالاعتراض على انتخاب بايدن.

في الوقت ذاته، كان مؤيدي ترامب في مجموعات التواصل الاجتماعي، بما فيها المجموعات التي بدأت تنحو وتحرض على العنف كمجموعة QAnon، يتداولون فيما يجب فعله يوم السادس من يناير في واشنطن. في الدردشات المخصصة في موقع GAB، ناقشوا اللوجستيك المتعلق بأماكن التجمع والشوارع التي سيحركون منها خلال زحفهم صوب الكابتول، بل إن صفحة فيسبوكية كـ “Red-State Secession” طلبت من متابعيها البالغ عددهم 8000 متابع مشاركة عناوين “الأعداء”، بما في ذلك عناوين القضاة الفيدراليين وأعضاء الكونغرس والديمقراطيين المعروفين.

ليلة الزحف والتلويح بالسلاح

عشية ليلة الزحف، نشر أحد أعضاء مجموعة Red-State Secession منشورا قال فيه: “إذا لم تكن مستعدًا لاستخدام القوة للدفاع عن الحضارة، فاستعد لقبول البربرية”، وهو المنشور الذي أثار تفاعل العشرات، كان من ضمنها عشرات التعليقات التي تضمنت صورًا لأسلحة من بينها بنادق هجومية، صرحوا أنهم يعتزمون إحضارها إلى المسيرة، كما كانت هناك أيضًا تعليقات تشير إلى “احتلال” مبنى الكابيتول وإجبار الكونجرس على إلغاء انتخابات نونبر.

مع بزوغ فجر يوم السادس من يناير، تجمع الآلاف في وسط مدينة واشنطن، وملأت أعلام ترامب المكان، وفي كلمته أمام عشرات الآلاف، انهال ترامب بالنقد على نائبه الذي لم تكن لديه “الشجاعة لفعل ما كان يجب القيام به لحماية بلادنا ودستورنا”، مضيفا “لن نستسلم أبدا، لن نتنازل أبدا، لن يحدث أبدا. أنتم لا تتنازلون عندما تكون هناك سرقة، لقد تعرضت بلدنا لما يكفي”، وهاجم وسائل الإعلام والمحكمة العليا، وحتى الجمهوريين “الذين رفضوا الاعتراف بوقوع التزوير”.

في الساعة الواحدة زوالا وعشرة دقائق، وردا على هجوم ترامب، أعلن مايك بنس، نائب الرئيس، في رسالة قرئت قبل افتتاح جلسة التصديق على نتائج الانتخابات، أنه لن يعارض التصديق على فوز بايدن. بعدها بقليل بدأ الافتتاح الرسمي لجلسة التصديق.

في نفس الوقت، كان أنصار ترامب، وهم يحملون الأعلام الحمراء ويرتدون ملابس تحمل اسمه، يندفعون إلى مبنى الكابتول، حيث كانت توجد متاريس رجال الأمن محاولة منع المتظاهرين من الاقتراب.

الاقتحام

صارت الحشود حوالي 90 مترا قبل أن تواجه المتاريس الأمنية، تزامنا مع انطلاق عملية فرز الأصوات داخل الكابتول. كان مؤيدو ترامب قد تجاوزوا المتاريس الأمنية وصعدوا في درجات المبنى، يطرقون الأبواب والنوافذ ويحاولون اختراق المبنى.

اندفع المقتحمون داخل الكابتول بعدما اجتازوا كل العقبات الأمنية، ودخلوا في مواجهة مع الأمن الداخلي للبرلمان الأمريكي. بعد وقت قصير من المواجهات وبعد أن تجاوزت عقارب الساعة الثانية زوالا بتوقيت واشنطن، لم تجد إدارة شرطة الكابتول بدا من توجيه الأمر لجميع العاملين والصحفيين وأعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس باللجوء إلى قاعة مجلس الشيوخ التي كانت مغلقة ومحصنة.

خلال هذه اللحظات، نشر العديد من أعضاء الكونغرس مقاطع فيديو وصور، وهم يرتدون أقنعة غاز لحمايتهم من الغاز المسيل للدموع الذي استعملته شرطة المبنى في مواجهة المحتجين، في نفس الوقت الذي بدأ صوت الرصاص يسمع في المكان؛ بينما أعلنت سلطات واشنطن حظر التجول، فيما سارع رجال الأمن إلى تأمين “مايك بنس” ونقله لمكان آمن بعدما غدا هدفا للمحتجين بسبب موقفه الذي وصفوه بـ”المتخاذل”.

بعد أقل من ساعة، سقطت أولى الضحايا. بحسب ما يروي شاهد عيان: “اقتحمنا الغرف داخل المبنى. أسرعت الضحية في اتجاه النوافذ، بينما طلب منا عدد من ضباط الشرطة والأمن التراجع أو الانبطاح أرضا. رفضنا الرضوخ للأمر، فوقع إطلاق النار وأصيبت المرأة في رقبتها”.

على الساعة الثالثة وثلاثة عشرة، دقيقة سيغرد ترامب طالبا من مؤيديه التزام الهدوء، قائلا: “أطلب من الجميع في الكابتول التزام الهدوء، لا عنف! نحن حزب القانون والنظام، نحترم القانون ومواطنينا بالزي العسكري”.

بعدها بأقل من نصف ساعة، أعلن البيت الأبيض عن نشر الحرس الوطني حول مبنى الكابتول والعديد من المباني الفيدرالية. تمكنت قوات الشرطة بجهد بليغ من دفع المقتحمين للتراجع، ومع ذلك، ظل المئات منهم في محيط الكونغرس لساعات قبل أن يتم طردهم بعد فرض حظر تجول العاصمة الاتحادية.

تطلب الموقف حوالي خمس ساعات لاستئناف جلسة الكونغرس وتأمين محيط المبنى والاستيقاظ من هول الصدمة، التي خلفت ردود فعل غاضبة، نرصد أبرز تداعياتها على أمريكا، واتهامات العنصرية التي نتجت عن الأحداث، وفورة الغضب وسط السود والديمقراطيين في الجزء الثاني من هذا الملف.

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *