ليون الإفريقي… فاس مدينة الحانات ودور البغاء (الجزء الخامس والأخير) - Marayana - مرايانا
×
×

ليون الإفريقي… فاس مدينة الحانات ودور البغاء (الجزء الخامس والأخير)

نتوقف في هذا الجزء من حكاية ليون الإفريقي، عند بعض الشذرات الموجودة في كتاب وصف إفريقيا. كتاب يطبعه وصاحبه، عدد من الثنائيات، بين العيش في عالمين متناقضين وحمل اسمين مختلفين، واعتناق ديانتين متباينتين.
في حديثه عن فاس، عاصمة المغرب حينها، سيتوقف ليون الإفريقي، عند تفاصيل مدينة، جمعت بين المساجد ودور امتهان الجنس على حد سواء، ونظمت سلطاتها الطب والتعليم جنبا الى جنب مع البغاء وبيع الخمور…
مزيج تعايش فيه كل المختلف… فالأرض التي جمعت العالِم، ضمت الطبيب والفقيه والمخنث والصوفي والمثلي… بلا فرق ولا تمييز.

يوسف المساتي:
طالب باحث في علوم الآثار والتراث

توقفنا في الجزء الرابع من هذا الملف، عند حديث ليون الإفريقي عن النظامين التعليمي والصحي بالمدينة خلال الفترة الوطاسية.

ونخصص هذا الجزء الخامس والأخير، للحديث عن دُور البغاء التي انتشرت في المدينة، وكانت مقننة، تتم ممارستها تحت رعاية حاكم المدينة… ويستفيد من مداخيلها رجال البلاط.

اعتمدنا في المقاطع التي نوردها على الطبعة الثانية من الترجمة العربية لكتاب وصف إفريقيا لليون الإفريقي، والتي قام بها كل من محمد حجي ومحمد الأخضر، وصدرت سنة 1982. وقمنا بنشر بعض المقاطع كما هي، على اعتبار أنها تشكل وثيقة تاريخية، كتبت بعين رجل عايش الأحداث من موقعين مختلفين. وهي وثيقة أو وثائق يجد فيها المؤرخ ما يفك به بعضا من خيوط الفترة، يجد فيها القارئ العادي ما يلهب شغف الفضول لديه.

فنادق للمخنثين

عرف المغرب مجموعة من الممارسات التي أصبح ينظر إليها حاليا بنظرة دونية، ولكنها كانت شائعة آنذاك.

في هذا السياق، أشار الوزان أثناء حديثه عن الفنادق الموجودة بمدينة فاس، والتي كان عددها يزيد على المائتين، إلى نوع خاص من ساكنيها، قائلا: “وأسوأ ما في هذا الأمر مساكنة رهط يقال لهم “الهيوي” وهم رجال يرتدون ثياب النساء ويتحلون بحليهن. يحلقون لحاهم ويقلدون النساء حتى في طريقة كلامهن… إنهم يتغنجون أيضا”. جدير بالذكر أن شفير في النسخة الفرنسية اعتمد كلمة “الخول” عوضا عن الهيوي، وهي كلمة شائعة في المشرق بذات المعنى، وتبدو أقرب للصواب من ترجمة حجي لها.

… وكثيرا ما كان السماح بامتلاك منازل “البغاء” بمثابة نوع من التعويض على المهام، ومن ذلك مثلا أنه كان يعطى لرؤساء الشرطة الحق في اتخاذ حانات ومنازل لممارسة البغاء، مقابل عدم تقاضيهم أي أجر عن مهاهم كرؤساء للشرطة.

وقد كان هؤلاء، كما يورد الوزان، يتخذون أصحابا يعاملونهم معاملة الزوجات، وبعض من الهيوي أو الخول، كانت لهم زوجات يقطن معهن في ذات الفنادق، كان يمنح لهن ترخيص بيع الخمور دون إزعاج من السلطات.

وبحسب ليون الافريقي دائما، فإن هذه الفنادق كان يقطن بها “أولئك الذين يعيشون أشنع عيشة، يغشاها بعضهم للسكر، وبعضهم لإتيان شهوتهم مع باغيات مرتزقات، وبعضهم الآخر يكون بمنجاة من الحاشية بسبب تصرفات غير شرعية”.

بغاء تحت رعاية الشرطة

كان “البغاء” خلال فترة الحسن الوزان يجري تحت إشراف الحاكم ورعاية الشرطة، وقد عرفت فاس خلال تلك الفترة بدور “عمومية تمارس فيها البغايا مهنتهن بثمن بخس، تحت حماية رئيس الشرطة أو حاكم المدينة”. وبحسب بعض المصادر، فإنه كثيرا ما كان بعض الأطباء يمرون على هذه الدور كنوع من أنواع المراقبة الصحية.

اقرأ أيضا: درب بوسبير: البدايات الأولى… تقنين الجنس وأصول التسمية 1/3

إضافة لتصريح الحاكم، فقد كان رجال الحاشية والبلاط يتعاطون لمهنة “البغاء، فيتخذون في بيوتهم نساء عاهرات وخمورا يبيعونها، بحيث يستطيع كل واحد أن يتناول من ذلك ما شاء بكل طمأنينة”[1].

وكثيرا ما كان السماح بامتلاك منازل “البغاء” بمثابة نوع من التعويض على المهام، ومن ذلك مثلا أنه كان يعطى لرؤساء الشرطة الحق في اتخاذ حانات ومنازل لممارسة البغاء، مقابل عدم تقاضيهم أي أجر عن مهاهم كرؤساء للشرطة.

مثلية وجنس على قارعة الطريق

كانت الممارسات المثلية معروفة وشائعة في المدينة، وبالأخص عند العرافات والمتصوفة. وتؤكد هذه المصادر، أن هذه الممارسات كانت شائعة وجارية، ومن ذلك ما عرفت به العرافات اللواتي كثيرا ما حملن اسم “المساحقات” لأنهن، بحسب ليون الافريقي، اشتهرن بعلاقتهن مع النساء؛ وهو ما تؤكده عدد من المصادر الفقهية التي كانت تهاجم من يقمن بهذه المهنة. لكن، يبدو من خلال السياق العام لمجتمع فاس خلال تلك الفترة، أن الامر لم يكن يثير غضب السكان.

الوزان سيعرض أيضا لبعض الممارسات الصوفية، حيث عرف الكثير منهم بإعراضهم عن التعاليم الدينية، وإباحة عدد من الممارسات التي اعتبرت في عرف الفقهاء ممارسات محرمة، في حين كان ينظر إليها المتصوفة كأنها من شروط الترقي الروحي.

ليون الإفريقي: “ولقد شاهدت بعيني رأسي في ساحة بين القصرين بالقاهرة أحد هؤلاء الأشخاص يستحوذ على امرأة شابة في غاية الجمال كانت قد خرجت من الحمام، فأضجعها في وسط الساحة وواقعها. ولم يكد يقوم عنها حتى أسرع الناس إليها يتمسحون بثيابها وكأنها أداة نسك وعبادة لما لامسها رجل صالح

من بين الممارسات التي كانت شائعة خلال فترة الحسن الوزان، ما سجله مما يحدث خلال الحفلات التي كانت تقام للذكر، وفي الغالب كانت تنتهي بممارسات مثلية. وقد كان الأمر شائعا لدرجة أن عدد من الحفلات تتم بإشراف ودعوة الأعيان وكبار المدينة، كما كانت الأعراس والولائم لا تخلو من هذه الممارسات، “فإذا أتوا الوليمة بدؤوا بتلاوة الأذكار وترتيل الأناشيد، وبعد تناول الطعام يأخذ المسنون منهم في تمزيق ثيابهم، وإذا سقط أحدهم أثناء الرقص أوقفه حالا على رجليه أحد الشبان المتصوفين فقبله العجوز في الغالب قبلة شهوانية. ومن ثم جاء المثل السائر على جميع الألسنة بفاس: “مثل مأدبة النساك التي حولتنا من عشرين إلى عشرة”. ومعنى ذلك أن كل مريد حدث يعرف ما ينتظره ليلا بعد الرقص.”[2]

من بين الممارسات التي شاعت خلال هذه الفترة، نجد ممارسة الجنس في الطرقات، وقد عرف بها المتصوفة خصوصا، حيث كانوا يسيحون في الطرقات، لأنهم كانوا يحظون باحترام العامة في مقابل هجوم رجال الفقه عليهم، وكانت ذات الممارسات شائعة من المغرب إلى مصر.

اقرأ أيضا: ليلة الغلطة، زواج الرضيع من البالغة، إباحة الزوجة… الجنس كطقس تعبدي عند العكاكزة 3\3

في هذا السياق، سجل الوزان عددا من الممارسات، منها قصة عاينها مباشرة: “ولقد شاهدت بعيني رأسي في ساحة بين القصرين بالقاهرة أحد هؤلاء الأشخاص يستحوذ على امرأة شابة في غاية الجمال كانت قد خرجت من الحمام، فأضجعها في وسط الساحة وواقعها. ولم يكد يقوم عنها حتى أسرع الناس إليها يتمسحون بثيابها وكأنها أداة نسك وعبادة لما لامسها رجل صالح، ويسر الناس بعضهم إلى بعض بأن الصالح إنما تظاهر بمضاجعتها ولكنه لم يقع شيء من ذلك. ولما بلغ الخبر إلى الزوج اعتبره نعمة عظيمة، وحمد الله على ذلك وأقام وليمة وأفراحا كثيرة على ما أصابه من خير. ولقد هم القضاة والفقهاء بمعاقبة هذا الدنيء بكل الوسائل، لكن العامة كادت أن تفتك بهم.”[3]

كانت هذه بعضا من الشذرات الموجودة في كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان، وهو كتاب يطبعه وصاحبه عدد من الثنائيات، بين العيش في عالمين متناقضين وحمل اسمين مختلفين، واعتناق ديانتين متباينتين، وبين مدينة جمعت المساجد ودور امتهان الجنس على حد سواء، ونظمت سلطاتها الطب والتعليم جنبا الى جنب مع البغاء وبيع الخمور…

مزيج تعايش فيه كل المختلف، بعيدا عن ثنائيات التحليل والتحريم والإقصاء، فالأرض التي جمعت العالم، ضمت الطبيب والفقيه والمخنث والصوفي والمثلي… بلا فرق ولا تمييز.

إنها صورة أخرى لمغرب آخر، توجد عشرات الصور المعبرة عنه قد نعود لبعضها في ملفات لاحقة.

[1] – الوزان الحسن بن محمد، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الطبعة الثانية، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، ص 247
[2] – الوزان الحسن بن محمد، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الطبعة الثانية، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، ص 269، 270.
[3] – الوزان الحسن بن محمد، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الطبعة الثانية، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، ص 272

 

لقراءة الجزء الأول: الحسن الوزان… العيش بين عالمين (الجزء الأول) 

لقراءة الجزء الثانيبين الإسلام والمسيحية. من الحسن الوزان… إلى ليون الإفريقي (الجزء الثاني)

لقراءة الجزء الثالث: الحسن الوزان/ ليون الإفريقي. “وصف إفريقيا” الذي ملأ الدنيا وشغل الناس (الجزء الثالث)

لقراءة الجزء الرابع: ليون الإفريقي… تعميم التعليم والصحة زمن الوطاسيين (الجزء الرابع)

تعليقات

  1. النعيم ابو طه

    السلام عليكم أليس مبالغا فيما ذكر

  2. Wafae

    فاس مدينة العلم و الأدب و تحتضن أول جامعة في التاريخ بنتها إمرأة.

اترك رداً على النعيم ابو طه إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *