من تاريخ الخمر: النبيذ غَيرُ الخمرِ… وفي الإسلام، البعض اعتبر شربه سُنّة! (الجزء الخامس)
في هذا الجزء الخامس، نرى إذا كان ما تابعناه في الأجزاء السابقة عن الخمر ينسحب أيضا على النبيذ.
بعدما تابعنا في الجزء الرابع، حكاية الاختلاف في عقوبة من شرب الخمر، نواصل هذا الملف في جزئه الخامس، حيث سنرى إذا كان ما تابعناه في الأجزاء السابقة عن الخمر، ينسحب أيضا على النبيذ.
نشير دائما إلى أننا نعتمد في هذا الملف، على مؤلف الكاتب والروائي اليمني، علي المقري، “الخمر والنبيذ في الإسلام”.
النبيذ، كما تابعنا في الجزء الأول، يعرفه ابن منظور في لسان العرب بالشيء المنبوذ، ويقصد به ما ينبذه المرء من تمر أو زبيب أو شعير أو غيره في وعاء، فيتركه حتى يفور ويصبح مسكرا.
النبيذ غير الخمر (الأخير يصنع بالعنب) إذن؛ ولم يرد فيه قول بالقرآن، والعرب آنئذ كانت تميز جيدا بين الخمر والنبيذ.
خلافَ مسألة الخمر، لم يثر النبيذ جدلا واسعا بين الفقهاء. يعود ذلك، وفق علي المقري، إلى وجود نصوص تشير إلى شرب النبي محمد للنبيذ، وشربه من طرف صحابته والخلفاء وكذا الفقهاء.
اقرأ أيضا: كيف بدأ عرب الجزيرة يعبدون الأصنام قبل ظهور الإسلام؟ ولادة هبل 1\3
هذه النصوص، مع أن كثيرين عملوا على إنكارها، إلا أنها “صحيحة” إذ رواها من يعتبرون من ثقات المحدثين، كما أقر بصحتها نقاد الحديث.
على أن المنكرين يقولون إنه ثمة سوء فهم، إذ إن الرسول “شربه ما لم يشتد”، والحال أن النبيذ لا يسمى نبيذا إلا إذا اشتد.
خلافَ مسألة الخمر، لم يثر النبيذ جدلا واسعا بين الفقهاء. يعود ذلك إلى وجود نصوص تشير إلى شرب النبي محمد للنبيذ، وشربه من طرف صحابته والخلفاء وكذا الفقهاء.
روى أبو داوود في سننه أن النبي كان ينبذ له في سقاء، فإذا لم يجدوا، نبذوا له في تور من حجارة[1]. وفي حديث آخر، أن النبي استسقى فقال له رجل من القوم: “ألا نسقيك نبيذا؟ قال: بلى”.
وعن عبد الله بن مسعود، فيما يورده أبو داوود، أن النبي محمدا قال له في إحدى الليالي: “ما في أدواتك؟” فرد عليه: “نبيذ”، فقال له: “تمرة طيبة وماء طهور”.
أبو هريرة ينسب حديثا للنبي، يورده ابن قتيبة في كتابه “الأشربة واختلاف الناس فيها”، يقول: “إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم… فإن سقاه شرابا، فليشربه ولا يسأله. وإن خشي منه، فليكسره بالماء”.
في الصدد ذاته، ينسب الدارقطني[2] في سننه إلى النبي قوله: “إذا اغتلمت أوعيتكم فاكسروها بالماء (يعني إذا فارت واشتدت فخففوها)”.
اقرأ أيضا: عبد الله ابن سبأ… أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي؟ 2/1
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود أن النبي شرب في آخر حجة له إلى مكة من سقاية العباس، فوجده شديدا فقطب عينيه ودعا بدلو من ماء زمزم فصب عليه، وقال: “إذا كان هكذا فاكسروه بالماء”.
بهذا يكون النبي، وفق علي المقري، قد نسخ بشربه في حجة الوداع ما كان قبله، إذ أنه كان قد نهى وفد “عبد القيس” عن شرب المسكر ثم وقفوا عليه بعد ذلك، فرآهم مصفرة ألوانهم، سيئة حالهم، فسألهم عن قصتهم، فأعلموه أنهم كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم منه، فأذن لهم بشربه.
ابن مسعود قال يومها وفق الدارقطني: “شهدنا التحريم وشهدتم، وشهدنا التحليل وغبتم”.
المؤرخ العراقي هادي العلوي، يؤكد في كتابه “من قاموس التراث”، أن كتب الأخبار تفيد بأن نبيذ التمر كان فاشيا بالمدينة، يشربه أهلها، غنيهم وفقيرهم، ويجري عندهم مجرى أقواتهم.
إجمالا، هناك روايات عديدة في كتب الحديث والسيرة تدل على شرب النبيذ في صدر الإسلام، من معظم الخلفاء وأصحاب النبي والفقهاء.
منها ما روي عن عمر بن الخطاب الذي نقلت بعض الكتب تشدده، أحيانا، في معاقبة السكارى، حيث جاء أن عمرا كان يشرب على طعامه الدسم ويقول: “يقطع هذا اللحم في بطوننا”؛ أي يهضمه.
الرقيق القيرواني يورد في “قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور”، أن أبا هريرة قال إن عمرا بن الخطاب شرب في جفنة لناس من أهل الطائف، فما ذاقه حتى قطب وقال: “إذا اشتد منه فاكسروه بالماء”، ثم قال إن نبيذ الطائف له عرام (شدة وقسوة وثورة) ثم شربه.
اقرأ أيضا: تساؤلات جديدة حول اجتماع السقيفة
ويورد أيضا عن عمرو بن ميمون: “شهدت عمر بن الخطاب حين طُعن فجاءه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ، فأتى بالنبيذ، فشربه، فخرج من إحدى طعنتيه”.
المؤرخ العراقي هادي العلوي، يؤكد في كتابه “من قاموس التراث”، أن كتب الأخبار تفيد بأن نبيذ التمر كان فاشيا بالمدينة، يشربه أهلها، غنيهم وفقيرهم، ويجري عندهم مجرى أقواتهم.
يرى أبو حنيفة أن شرب النبيذ من السنة، وفق ما أورده الرقيق القيرواني، فيما يوضح هادي العلوي أنه يبيح شرب الأنبذة دون تقييد للمقادير، بل يجوز عنده التوضؤ بالنبيذ عند عدم توفر الماء لأن النبيذ طاهر.
إباحة النبيذ، يضيف العلوي، كانت مذهب أغلبية الفقهاء في القرن الأول الهجري وشطر من القرن الثاني، ويتفق على ذلك كبار الأئمة مثل زيد بن علي وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والحسن البصري، وابن أبي ليلى.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: الوصايا العشر لإصلاح علاقة الإسلام بهذا العصر
إلا أن لأبي حنيفة رأيا ينفرد به يجيز فيه للمسلمين أن يتاجروا بالنبيذ، إذ يعدّه من الأموال المضمونة لهم حيث يحق لهم طلب التعويض ممن يتلفه.
وقد خالفه في هذا الرأي بقية الفقهاء، الذين يرون أنه يجوز لغير المسلمين فقط المتاجرة بالخمر والنبيذ وبشرط عدم المجاهرة.
أبو حنيفة، أكثر من ذلك، يرى أن شرب النبيذ من السنة، وفق ما أورده الرقيق القيرواني، فيما يوضح هادي العلوي أنه يبيح شرب الأنبذة دون تقييد للمقادير، بل يجوز عنده التوضؤ بالنبيذ عند عدم توفر الماء لأن النبيذ طاهر.
في الجزء السادس نتابع بعضا من مظاهر انتشار الخمر في العصر الأموي، حد أن ذهب الأمر بأحد الخلفاء إلى الرغبة في إحداث مقصف على الكعبة ليشرب فيه الخمر مع ندمائه!
لقراءة الجزء الأول: من تاريخ الخمر: في البدء كان شراب الخلود (الجزء الأول)
لقراءة الجزء الثاني: من تاريخ الخمر: ما حكاية تدرج الإسلام في النهي عن شرب الخمر؟ (الجزء الثاني)
لقراءة الجزء الثالث: من تاريخ الخمر: هل انتهى القرآن إلى تحريم الخمر حقا؟ (الجزء الثالث)
لقراءة الجزء الرابع: من تاريخ الخمر: هل شرع القرآن والسنة عقوبة لشارب الخمر؟ (الجزء الرابع)
لقراءة الجزء السادس: من تاريخ الخمر: العصر الأموي… الخليفة يريد إحداث مقصف على الكعبة ليشرب فيه الخمر مع ندمائه! (الجزء السادس)
لقراءة الجزء السابع والأخير: من تاريخ الخمر: المجون العباسي… لأول مرة، تخصيص موظفين برواتب في البلاط مكلفون بشؤون الشراب! (الجزء السابع والأخير)
السؤال المطروح الآن، أين النبيذ الحر الآن ونحن نعلم أن جميع أصنافه تحتوي على نسبة مركز من الكحول؟؟؟
هدا كذب وهراء وأدلة مستنبطة عن علماء شيعة وامويين
كذب وهراء