في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام: هل حان الوقت لإلغاء عقوبة الإعدام؟ 1\3
رغم أنّ الإعدام مقنن في كثير من الدّول، إلاّ أن الكثير من الأصوات الحقوقية والمؤمنة بحقوق الإنسان، لازالت تعتبر الحكم بالإعدام، شكلاً من أشكال المحاكمة غير العادلة في أقصى تجلياتها، حتى ولو كان قضاتها عادلون…
في أحلك فترات التّاريخ المعاصر، أدرك العالمُ، عن كثبٍ، مدى خوفِ المضمُون الإنسانيّ من المَوت، ومدى “ضعف” الإنسان وتشبّثه الرّهيب بالحَياة. خطف وباء كورونا ملايين الأرواح، كونياً، خلال 2020 الماضي. بالمُقابل، أزقهت “مقاصِلُ” الإعدام مئات الأرواح أيضاً عبر العالم.
ألم يكن فيروس كوفيد 19 كافياً لتعي الدّول المنفّذة لحكم الإعدام أهميّة الحقّ في الحيَاة؟ ألم يحن الوقتُ لإلغاء “العقوبة العظمى” في كل الدول؟
بقي نقاش إلغاء عقوبة الإعدام قديماً جديداً، ولم يُحسم فيه في كثير من البلدان بعد، رغم كل التّوصيات والاتفاقيات الدولية التي تعتبر الإعدام انتهاكاً صارخاً للحقّ في الحياة، بل إن النقاش حوله، لازال مستمرا حتى داخل الدّول التي ألغت عقوبة الإعدام.
في إيطاليا مثلا، التي ألغت العقوبة سنة 1947، كشف استطلاع للرأي أجري سنة 2020، أن 4 من أصل كل 10 إيطاليين… يفضلون عودة العمل بالعقوبة العظمى؛ شأنهم شأن دول كثيرة أخرى.
في الصين، لا تتوفر معطيات رسمية تتعلّق بعدد الإعدامات المنفذة، حيثُ تصنّف البيانات المتعلقة بعقوبة الإعدام من ضمن أسرار الدّولة، مع وجود حكم واحد بالإعدام، تقول منظمة العفو الدولية إنه “نفذ بسرعة مخيفة”.
في هذا الملف، مرايانا تقدم نظرة حول واقع الإعدام في العالم وأحكامه وعملياته، إبان عام 2020، باعتبارها سنة استثنائية بكلّ المقاييس.
القتل باسم القانون… حول العالم!
سنعتمد في هذا الصدّد على التقرير العالمي لمنظمة العفو الدّولية، حول أحكام وعمليات الإعدام في 2020.
من الأساسيات التي يركز عليها التقرير، أن عام 2020 اتّسم بمزيد من التراجع العالمي في استخدام عقوبة الإعدام؛ في وقتٍ أسهم فيه وباء فيروس كوفيد-19 في انخفاض عدد الإعدامات المنفذة وأحكام الإعدام الصادرة.
كتفصيل، فإنّ عدد عمليات الإعدام المعروفة، حسب التقرير، انخفضتْ بنسبة 26% قياساً بمجموع العمليات المنفذة عام 2019، بحيثُ تواصل الانخفاض المسجّل سنة تلو أخرى، منذ عام 2015 إلى أدنى رقم في أكثر من 10 سنوات.
كما أن عدد الإعدامات بدولتين من البلدان المعروفة بتنفيذها لهذه العقوبة، وهما العراق والمملكة العربية السعودية، انخفض قياساً بعام 2019.
بمعنى أنّ الانخفاض الملموس عالميا كان مرتبطاً، بدرجة أساسية، بالتّراجع الهام في عدد عمليات الإعدام في هاتين الدولتين، واللتين عرفتا، تاريخيا، بأرقام إعدامات مُرتفعة.
الموجة اللافتة من الإعدامات تأتي في وقت “كافح فيه العالم للحد من انتشار الفيروس وحماية أرواح الناس”، بينما سُجّلت “زيادات مقلقة للغاية في اللجوء إلى عمليات الإعدام في بعض الدول.
هذا الانخفاض كان مرتبطاً أيضا، بدرجة أقل، ببعض حالات تعليق تنفيذ العقوبة، التي تمّ اللجوء إليها في ظل الاحترازات الموصى بها لمواجهة تفشي وباء فيروس كوفيد-19.
على سبيل المثال، “في الولايات المتحدة الأمريكية، تحقق التّوازن بين ارتفاع عدد الإعدامات الفيدرالية، وبين انخفاض الأرقام الوطنية، والذي يُعزى بمعظمه، إلى حالات وقف جديدة لتنفيذ الإعدامات –أو متابعة أبطأ للمذكرات– في بعض الولايات الأمريكية، نتيجة للظرفية الوبائية. وقد أشارت ست من حالات إرجاء التنفيذ القضائية التي منحت في 2020 في الولايات المتحدة الأمريكية إلى وباء فيروس كوفيد-19.
أمّا في سنغافورة، فقد تمّ تعليقُ تنفيذ عمليّات الإعدام بسبب التّقاضي، بما في ذلك ما يتعلّق بتأثير القُيود المتعلّقة بفيروس كوفيد-19.
علي أيّ، فالمجموع العالمي لأحكام الإعدام الجديدة الصادرة، التي أحصتها منظمة العفو الدولية (1477 على الأقل)، سجل انخفاضاً بنسبة 36% مقارنة بعام 2019. يعود ذلك، جزئياً، إلى أن وباء فيروس كوفيد-19 تسببَ في عمليات تأجيل وتأخير فيما يخصّ الإجراءات القضائية الجنائية في شتى أنحاء العالم، حسب ما جاء في التقرير.
لكن…
في 2020، يورد المصدر، تم إعدام 483 شخصاً، على الأقل، وهو أدنى رقم سجلته منظمة العفو الدولية على مدى عقد من الزمن، كما استأثرت أربع دول بعدد الإعدامات المعروفة، وهي:
1ــ إيران: 246 إعداماً على الأقل؛
2ــ مصر: 107 إعدامات على الأقل؛
3ــ العراق: 45 إعداماً على الأقل؛
4ــ السعودية: 27 عملية “قتل رسمي”.
… إضافةً إلى الصين، التي لا تتوفر معطيات رسمية تتعلّق بعدد الإعدامات المنفذة، حيثُ تصنّف البيانات المتعلقة بعقوبة الإعدام من ضمن أسرار الدّولة، مع وجود حكم واحد بالإعدام، تقول منظمة العفو الدولية إنه “نفذ بسرعة مخيفة”.
منظمة العفو الدولية سجّلت أيضا وجود 16 امرأة ضمن الأشخاص الـ483، الذين عُرف أنهم أعدموا خلال سنة 2020، موزعات كالآتي:
ــ 4 في مصر؛
ــ 9 في إيران؛
ــ 2 في السعودية؛
ــ 1 في عمان.
و… “ما يثير الصّدمة أكثر”، هو أن “جميع عمليات إعدام النّساء التي تم تسجيلها نفّذت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا“.
الغريبُ أنّ هذه الموجة من الإعدامات، تأتي في وقت “كافح فيه العالم للحد من انتشار الفيروس وحماية أرواح الناس”، بينما سُجّلت “زيادات مقلقة للغاية في اللجوء إلى عمليات الإعدام في بعض الدول. إذ زادت مصر أرقامها السنوية بما يزيد عن ثلاثة أضعاف؛ في حين سمحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باستئناف عمليات الإعدام الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليعدم في النهاية 10 رجال على مدى خمسة أشهر ونصف الشهر، كما استأنفت الهند وعمان وقطر وتايوان “عمليات القتل الرسمية”.
أساليب الإعدام خلال سنة 2020، تراوحت بين:
1ــ الشنق؛
2ــ الحقنة المميتة؛
3ــ الرّمي بالرصاص.
… فيما انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالإعدام باستعمال الصعق الكهربائي، وظفرت المملكة العربية السعودية بـ”الريادة” في الإعدام بقطع الرأس.
الإعدام… مغاربياً!
في السياق المغاربي، يذهبُ التقرير إلى أنه تمّ إصدار حكم واحد على الأقل بالإعدام في الجزائر؛ حيثُ أصدرت محكمة جنايات عنابة حكما بإعدام رجل، في شهر يناير 2020، بعد إدانته بقتل زوجته السابقة.
رغم أنّ الإعدام مقنن في كثير من الدّول، إلاّ أن الكثير من الأصوات الحقوقية والمؤمنة بحقوق الإنسان، لازالت تعتبر الحكم بالإعدام، شكلاً من أشكال المحاكمة غير العادلة في أقصى تجلياتها، حتى ولو كان قضاتها عادلون…
السلطات الجزائرية كانت قد نشرت في ماي 2020 مسودة دستور جديد، نصت المادة 38 منه على أن “الحق في الحياة لصيق بالإنسان (…) ولا يمكن أن يحرم أحد منه تعسفيا”، وهي مادة تعلّق عليها “أمنستي” بأنها “لم تكفل بالكامل الحق في الحياة، وسمحت فعليا باستخدام عقوبة الإعدام في الحالات التي ينص عليها القانون”.
فيما يخصّ تونس، فقد سُجلت 8 أحكام إضافية بالإعدام، علماً أنّها لم تنفذ أي عملية إعدام منذ سنة 1991. بالمقابل، أعرب الرئيس قيس سعيد عن موقفه المؤيد لاستئناف تنفيذ عمليات الإعدام، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي في شتنبر، قائلاً إنّ “من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام”؛ وقد أدلى بهذا التصريح في أعقاب مقتل فتاة في عين زغوان.
أما المغرب، فقد أشار التّقرير إلى وجود حكم إعدام وحيد مسجّل خلال 2020، بالإضافة إلى تخفيف الملك محمد السادس عقوبة حكمين بالإعدام إلى السجن مدى الحياة، بمناسبة احتفال عيد العرش لعام 2020… علما أنّ المغرب يحكم بالإعدام ولا ينفّذه منذ 1993.
رغم أنّ الإعدام مقنن في كثير من الدّول، إلاّ أن الكثير من الأصوات الحقوقية والمؤمنة بحقوق الإنسان، لازالت تعتبر الحكم بالإعدام، شكلاً من أشكال المحاكمة غير العادلة في أقصى تجلياتها، حتى ولو كان قضاتها عادلون…
من ناحية أخرى، يدفع البعضُ بأنّ جرائم الإرهاب والبيدُوفيليا تدلّ على “همجية” و”وحشية” الكائن الإنساني و”فظاعته” في حدّها الأقصى، لذلك يبقى الإعدام هو العقوبة المناسبة للمتهم أو الجاني.
مواقف سنقفُ على تفاصيلها في الجزء الثّاني من هذا الملف.
- الجزء الثاني: القتل والإرهاب والبيدوفيليا… هل تستدعي هذه الجرائم حكم الإعدام فعلاً؟ 2\3
- الجزء الثالث: عقوبة الإعدام: إذا كانت لا تشكّل رادعاً للجريمة… فما الجدوى منها؟ 3/3
مقالات قد تثير اهتمامك:
- ما دام لا ينفذها… لماذا لا يُعدم المغربُ “العقوبةَ العظمى” (الإعدام)؟ 1\2
- في اليوم العالمي لمنع الانتحار: لماذا ينتحر المغاربة؟ 2/2
- بوبكر لركو: النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام سيبقى مفتوحا
- بعض من كلام: المساواة في تونس… إنهم يغتالون الإسلام!
- لا أحد يعذر بجهله للقانون… فهل أنت مثقف قانونيا؟
- المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟
- ادريس بن زكري… سيرة مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1
- منظمة العفو الدولية: عمليات الإعدام في العالم تراجعت عام 2018 وهذا ما ندعو إليه الحكومة المغربية