التقاضي “الرقمي” في المغرب… هل يمسّ المُحاكمة العادلة شكلاً أم مضموناً؟ - Marayana - مرايانا
×
×

التقاضي “الرقمي” في المغرب… هل يمسّ المُحاكمة العادلة شكلاً أم مضموناً؟

انتقادات كثيرة لاحقت مشرُوع المحاكمات عن بعد، منذ تنزيله عملياً في مارس الماضي.
انتقادات، طالت في الأساس تعامل العدالة مع المسألة على نحو كمّي، من خلال التركيز على أعداد المحاكمات التي ساهم مشروع المحاكمة عن بعد في تصريفها، أكثر من اهتمامها بمدى احترام شروط المحاكمة العادلة من حيث الشكل والموضوع.

قال فولتير: “أفضّل أن يبقى مائة مجرمٍ حرّا، على أن يكون بريء واحد في السجن”. فهل كان فولتير يتنبّأ بـ”ارتجالية” المحاكمات عن بعد في زمن كورونا ودورها، أمام الضعف اللوجستي، في التأثير على شروط المحاكمة عادلة؟

تستمرّ الرقمنةُ في غزو حياة النّاس، لتنقل كلّ شيء تقريباً من الواقعي إلى الافتراضي. لقد انتقلت حتى المحاكمات القضائية الزجرية إلى الفضاء السّبراني، منذ أطلق المجلس الأعلى للسلطة القضائية مشروعاً لاعتماد صيغة محاكمات عن بعد.

التعاطي الكمّي!

المحاكمة عن بعد لا تهمّ جميع القضايا، بل فقط المحاكمات الجنائية التي يتابع فيها أشخاص معتقلون، والتي تكتسي صفة الاستعجالية، إذ 6433 معتقلاً استفادوا من عملية المحاكمات عن بعد، خلال الفترة ما بين 26 و28 أكتوبر المنصرم، حسب بلاغ صدر بداية هذا الشهر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أوضحَ كذلك أن مختلف محاكم المملكة عقدت، خلال الفترة ذاتها، ما مجموعه 296 جلسة أدرجت خلالها 5434 قضية، واستفاد منها 6433 معتقلا تمت محاكمتهم عن بعد دون الحاجة إلى نقلهم إلى مقرات المحاكم.

اقرأ أيضا: ادريس بن زكري… سيرة مهندس العدالة الانتقالية بالمغرب! 2/1

انتقادات كثيرة لاحقت مشرُوع المحاكمات عن بعد، منذ تنزيله عملياً في مارس الماضي.
انتقادات، طالت في الأساس تعامل العدالة مع المسألة على نحو كمّي، من خلال التركيز على أعداد المحاكمات التي ساهم مشروع المحاكمة عن بعد في تصريفها، أكثر من اهتمامها بمدى احترام شروط المحاكمة العادلة من حيث الشكل والموضوع.

المُحاكمة العادلة شكلاً أو مضموناً؟

أمام هذا الوضع الجديد للمحاكمات، تعالتْ تخوّفاتُ الحقوقيين من المحاكمة عن بعد، إذ أخذت منحى إمكانية أن يُهضم حقّ المتّهم في الصمت، نظراً للظروف التي لا يعرفُ القاضي سياقها داخل المحكمة، فالمتهم يتمتّع بحرية نسبية داخل قاعة المحكمة، نتيجةً لهيبة المحكمة ووقارها، عكس المؤسسة السّجنية التي قد يُكرهُ فيها على الاعتراف، والرغبة في طيّ الملف.

القائلون بهذا الطرح يستدلّون بالتباين أحياناً، بين التصريحات أمام الشرطة القضائية وأمام المحكمة؛ وهو ما حاولوا التشكيكَ عبرهُ، في قدرة المحاكمة عن بعد على احترام شروط المحاكمة العادلة. الأخيرة تشترط توافر عدة ضمانات أهمها العلنية، التواجهية، الشفهية، الحضورية، حق الدفاع ومؤازرة المحامي، والحق في الصمت، والتساوي أمام القضاء، والمحاكمة في أجل معقول…

اقرأ أيضا: العنف الجنسي… الظاهرة الخفية!

يعتقدُ عدد من الحقوقيين، من بينهم محمد ألمو، أن الكاميرات المعتمدة في نقل أطوار المحاكمات، تقتصرُ على نقل المتهم وهيئة المحكمة، بالإضافة إلى أن المتهمين لا يشاهدون لا الدفاع ولا الجمهور. بل هناك من الدفاع ومن المتهمين من تكون لديهم وثائق يريدون تقديمها للمحكمة، لكن المحاكمات الافتراضية لا تسعفهم في ذلك.

يرى الباحث بلال الزين أنه ينبغي الصرامة في تحديد الجوانب المتعلقة بالتبادل الإلكتروني للوثائق القضائية، حيثُ تتطلب تحديد الشروط التي تضمن موثوقية هذه الوثائق وسلامتها، وكيفية التحقق من صحتها ومن الجهة التي أصدرتها، وكل ذلك لإعطائها القيمة القانونية نفسها للوثائق الورقية.

التأهيل الرّقمي والفراغ القانوني!

أكثر مما سبق، ذهب عدد من الحقوقيين إلى اعتبار تنزيل مشروع المحاكمات عن بعد، تمّ بشكل مفاجئ واضطراري، ما اعتُبِر إجراءً تقنياً، تنتفي فيهِ المُقومات البشرية واللّوجستية اللازمة التي قد تنجحُ المشروع وتضمنُ محاكمات عادلة للمتهمين، لا سيما أمام فراغ قانوني يؤطرُ هذه المحاكمات.

هذه المحاكمات عن بعد تستمدّ مشروعيتها من مرسوم القانون رقم 292/20/2 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية الصادر يوم 22/3/2020 والمقدم في إطار الفصل 81 من الدستور، والذي تم التصويت عليه في البرلمان يوم 23/3/2020 وصدر في الجريدة الرسمية يوم 24/3/2020 تحت رقم 6867 مكرر.

اقرأ أيضا: ملاحظات أولية حول تطبيق الشريعة في المغرب خلال العصرين الوسيط والحديث

تتذرع الدولة في اعتمادها للمحاكمات عن بعد، بمبدأ الحقّ في الحَياة والحفاظ على الصحة العامة، نظراً لإمكانية تحوّل المحاكم والسجون إلى بؤر وبائية، مؤكدةً، عبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن الأمر اختياري بالأساس ويعودُ للمتهم، أي أن يتجه نحو المحاكمة عن بعد أو غيرها.

المحاكمات عن بعد، مع ذلك، لم تصل بعد إلى مستويات متقدمة، رغمَ التطور الحاصل في هذا الجانب، وفق رئيس شعبة الاتصال المؤسساتي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

لذلك، طالب عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، بضرورة التفكير بعد أن تنتهي مرحلة الاجتهاد، أي فترة الطوارئ، في تنزيل حقيقي للتقاضي الإلكتروني، وفق برامج قانونية صارمة ومُحْكمة ولها أساس يحمي الحق في محاكمة عادلة شكلاً ومضموناً.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *