من موريتانيا، ابراهيم الحيمر يكتب: الانتخابات الموريتانية، تصالح مع التنمية والديمقراطية أم ترسيخ لما سبق؟
ربما نالت الانتخابات الموريتانية الأخيرة منزلة لا يستهان بها في أعين المهتمين المحليين والمهتمين الدوليين، وإستطاعت هذه الإنتخابات أن تمزج خليطا من الشد والجذب بين المتنافسين، والمتابعة بلدى الإعلاميين والباحثين …
ربما نالت الانتخابات الموريتانية الأخيرة منزلة لا يستهان بها في أعين المهتمين المحليين والمهتمين الدوليين، وإستطاعت هذه الإنتخابات أن تمزج خليطا من الشد والجذب بين المتنافسين، والمتابعة بلدى الإعلاميين والباحثين عن معلومات حقيقية تكتب وتبث وتنقل. فكيف جرت هذه الانتخابات؟ وماهي الظروف التي أقيمت فيها؟ وماهي نتائج الإنتخابات على موريتانيا ديمقراطيا وسياسيا وإجتماعيا ؟
وقد شاركت أحزاب أخرى كثيرة لها وزنها، بل وشاركت كل الأحزاب في موريتانيا. حتى بعض الأحزاب التي ليس لها وجود شعبي كبير، كانت حاضرة بمرشحيها.
ربما لا تختلف موريتانيا كثيرا عن بعض دول المنطقة العربية والإفريقية، حيث تتم الانتخابات بإشراف لجنة مستقلة للانتخابات، لها صلاحيات واسعة وتستقل بقرارها عن أي جهة تنفيذية، ومعينة من الرئيس، بعد أن يتفق مع الأطراف كاملة -معارضة وموالاة-، على الأسماء الأفضل لتولي هذه المسؤولية. تم إختيار أعضاء هذه اللجنة وترأسها قيادي في منتدى المعارضة. ويعتبر هذا الأخير هيئة جامعة لأغلب أحزاب المعارضة. كما أن رئيس اللجنة هو الأستاذ محمد فال ولد بلال، وزير خارجية سابق وعضو مؤسس في منتدى المعارضة.
اقرأ أيضا: الإلحاد الجديد وعلاقته بالتطرف الديني: موريتانيا نموذجا
باشرت اللجنة المستقلة عملها، وبدأت تحضيراتها قبل بدء الحملة الانتخابية. بعد بدء الحملة، حيث كان الاستقطاب السياسي في أشده، عرفت هذه الانتخابات مشاركة مايقارب 96 حزبا سياسيا، من بينهم أحزاب عريقة وأخرى قوية من حيث الشعبية ومن الناحية الإقتصادية، على سبيل المثال لا الحصر :
حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، والذي شارك بمرشحين في كل الدوائر الإنتخابية.
حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية \ تواصل، ذو المرجعية الإسلامية والقريب من الإخوان المسلمين حسب بعض التحليلات.
حزب تكتل القوى الديمقراطية، وهو من أعرق الأحزاب في موريتانيا ومعروف بمعارضته للأنظمة المتعاقبة.
حزب اتحاد قوى التقدم، وهو حزب يساريي موريتانيا، حيث يقوده رجال من الحركة الوطنية الديمقراطية “الكادحين” سابقا، وقد عارض هذا الحزب كل الأنظمة بما فيها أول سلطة بعد الإستقلال من الاستعمار الفرنسي
حزب التحالف الشعبي التقدمي، وهو حزب عريق عرف بمواقفه المعتدلة إتجاه المعارضة والموالاة.
حزب الصواب، وهو حزب الحركة القومية العربية في موريتانيا، وقد عقد حلفا سياسيا مع حركة إيرا الإنعتاقية المهتمة بقضية لحراطين والدفاع عن هذه الشريحة من المجتمع.
اقرأ أيضا: موريتانيا: رقية شرعية تؤدي إلى حمل… بمباركة القبيلة
كما شاركت أحزاب أخرى كثيرة لها وزنها، بل وشاركت كل الأحزاب في موريتانيا. حتى بعض الأحزاب التي ليس لها وجود، شعبي كبير، كانت حاضرة بمرشحيها.
مشاركة الأحزاب ككل، كانت فرصة لبعض الشخصيات المستقلة التي لم تكن لتجد مكانا في ترشيحات الأحزاب الكبرى.
وقد عرفت الحملة إستقطابا سياسيا قويا وإحتقانا سياسيا لا بأس به، خاصة بين الحزبين الأقوى في موريتانيا: الاتحاد من أجل الجمهورية، وهو الحزب الحاكم، وحزب تواصل ذو المرجعية الإسلامية. ربما كانت درجة الوعي السياسي تتصاعد في بعض الأحيان وتنخفض في أحايين أخرى كثيرة، حيث لم تغب الإتهامات المتبادلة بين الحزبين ولم يغب “التنكيل السياسي” بمرشحي الحزبين من طرف عامة جماهير الحزبين، كل ينكل بالآخر سياسيا. لكن، في هذه الحملة، لم تتجاوز الأمور حدودها الطبيعية عما هو معهود ومعروف في أدبيات الحملات الإنتخابية في كل الدول.
مشاركة الأحزاب ككل كانت فرصة لبعض الشخصيات المستقلة التي لم تكن لتجد مكانا في ترشيحات الأحزاب الكبرى.
يتصاعد الخطاب ويتراخى… يخرج قليلا عن طوره الطبيعي ويعود إليه مسرعا، يتوخى الحيطة والحذر أن لا ينبلج صبح الإقناع هذا لدى بعض الأحزاب، ويرفض البعض الآخر أن لا يركن إلى الوسائل التقليدية والمعتادة من توظيف للقبيلة والجهة وإستخدام وسائل غير مستباحة قانونيا لاستقطاب الناخبين. ولعل هذا الحكم يستقى من ممارسات كوادر الأحزاب وليس من بيانات الأحزاب ولا تصريحاتهم. لكن معظم الأحزاب ترفض هذه الإتهامات وتعتبرها واهية وكاذبة.
اقرأ أيضا – من الأردن، بشار حداد يكتب: نحن أيضا اكتشفنا المؤامرة… مع السلامة
جميع الأحزاب، بعد أن أشرفت الحملات على نهايتها، تستنفذ قواها وتستخدم كل طاقاتها لنيل أكبر قدر من الأصوات وأكثر عدد من المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية والمجالس الجهوية المستحدثة بعد إلغاء الغرفة الأولى من البرلمان، مجلس الشيوخ، بفعل إستفتاء على الدستور قاطعته قوى فاعلة وكبيرة جدا من المعارضة. من نتائج هذا الإستفتاء الذي أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة السابقة المنتهية ولايتها، أن الشعب وافق عليه بنسبة مايقارب 53 بالمئة. كما تضمنت التعديلات تحسينا على العلم كما تصفه الموالاة وتشويها للعلم كما تصفه المعارضة، إلى جانب تغيير للنشيد الوطني.
يوم الإقتراع كان زاخرا بالتكهنات والتوقعات وبعض الثقة في عنفوان من القلق على نتائج الدوائر الإنتخابية. في خضم هذه المشاعر والتنبآت، اتجه الناخبون إلى الصناديق وقالوا كلمتهم الفصل وبدأت حملات الشد والجذب على الفيسبوك تأتي أكلا إيجابيا لدى من يفرح بالشائعات من أنصار الأحزاب، وتنخر ثقة المتابع الباحث عن حقيقة النتائج، والذي لا يهمه أصلا أمر الأحزاب. إقبال الناخبين أنبأ بنسبة مشاركة كبيرة، حيث يزيد عدد المسجلين على اللوائح الانتخابية على المليون ناخبا على عموم تراب موريتانيا.
النتائج تخرج تباعا والفيسبوك يمتلأ بالتهاني. بعض هذه التهاني سينزاح من على وجه الحقيقة ليكون شائعة غير دقيقة، والبعض الآخر سيستمر لأنه حقيقة وليس وهما سياسيا. تتصاعد وتيرة الحصول على النتائج مع مرور الأيام.
جميع الأحزاب ينتابها عدم شعور بالارتياح من تدقيق تجريه اللجنة على النتائج، وهو ماقد يرجح كفات ويسقط أخرى.
بعد يوم 1 سبتمبر\أيلول المشهود، تتصاعد مع هذه الوتيرة، وتيرة أخرى من القلق والأرق السياسي. الصراخ والعويل السياسي المهذب أحيانا وغير المهذب في أحايين أخرى، وذلك فيما يخص بيانات اللجنة المتضمنة للنتائج الجزئية والكلية. لكن أغلب الأحزاب ربما حصل على نتائجه من لدن مراقبيه ومناصريه في العاصمة نواكشوط وخارجها، في الولايات الداخلية من البلاد. لكن جميع الأحزاب ينتابها عدم شعور بالارتياح من تدقيق تجريه اللجنة على النتائج، وهو ماقد يرجح كفات ويسقط أخرى.
اقرأ أيضا – التيار المدخلي: الدين في خدمة السياسة (الجزء الأول)
اللجنة تعد بالإعلان النهائي عن النتائج خلال يومين. لم تسلم اللجنة نفسها من الاتهامات ولم تسلم الدولة من القول بتزويرها، لكن هذه الأصوات كانت مبحوحة ولم تقدم شكوى إلى القضاء ضد الدولة أو ضد اللجنة المستقلة للانتخابات.
لعل بعض الإشارات الشعبية تخلق الأمل في تطوير الوعي لتفاجأنا، مستقبلا، بنسف منظومة القبيلة وتأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع وشرايينهما.
في النهاية، لم تحدث مفاجئات كبيرة. نتائج الانتخابات تفيد أن الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم يتصدر النتائج، وتواصل ذو المرجعية الإسلامية يليه وينافسه في بلديات ومقاعد نيابية في الشوط الثاني، حيث تحصل الحزب الحاكم على 67 مقعدا برلمانيا، في حين حصل تواصل على 13 نائبا، وهما يتنافسان في الشوط الثاني في دوائر إنتخابية واسعة في نواكشوط العاصمة وداخل البلاد.
وقد حصدت بعض الأحزاب نتائج لم تكن مرجوة ولا متوقعة. ولعل المقاطعة المستمرة للاستحقاقات الإنتخابية الماضية سبب في ذلك. كما قد يرجع الأمر لرتابة الخطاب وتقليده وضعف البنية السياسية. كما أن أحزابا أخرى تحصلت على نتائج مشرفة، قياسا على تاريخها القصيرةوعدم نضجها سياسيا. عموما، ستحسم الأمور بالنسبة للأحزاب المتنافسة وفي أغلب دوائر التنافس، بين تواصل الإسلامي والإتحاد الحاكم، وذلك بعد إعلان نتائج الشوط الثاني والذي يقام في الخامس عشر من سبتمبر 2018.
اقرأ أيضا – يحرمون الأحزاب السياسية والمظاهرات والاحتجاج: التيار المدخلي … الدين طاعة الحاكم (الجزء الثاني)
لعل بعض الإشارات الشعبية، حتى وهي تنمو في ظل تحولات إجتماعية بطيئة، تخلق الأمل في تطوير الوعي لإنشاء ضمير وطني يتجه نحو تحولات اجتماعية أسرع وأكثر نجاعة. وربما تفاجؤنا، مستقبلا، هذه التحولات البطيئة، بنسف منظومة القبيلة وتأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع وشرايينهما.
ختاما، يمكن القول إن موريتانيا ستربح برلمانا تتعالى فيه الأصوات المؤيدة للوضع الراهن وتدعو لمواصلته وتطويره، وتتعالى فيه أصوات أخرى رافضة له وتدعو لزوال الحكومة سياسيا وإعادة تشكيل مشهد سياسي تكون فيه الموالاة في الهامش والمعارضة متصدرة. وربما تتحدد ملامح الأمور مع الانتخابات الرئاسية سنة 2019، والتي لن تشهد ترشح الرئيس الحالي، وذلك احتراما لنقتضيات الدستور الحالي، الذي ينص أن عدد المأموريات اثنتين غير قابلة للتجديد. كما أن الرئيس نفسه أكد في أكثر من مرة أنه لا ينوي الترشح ولن يترشح.
لكن جدلا كبيرا يحدث في أوساط المعارضة والموالاة، يؤول ويفسر غموض موقف الرئيس، وذلك بسبب تصريحات لاحقة له، تتجه عكس ما سبق.
مهما يكن، فإن لموريتانيا حقا كاملا في التناوب، وهو ماسيحدث حسب تصريحات الرئيس السابقة. كما أن من حقها ومن الضروري لها أن تحافظ على مكتسبات من قبيل الحرية وديمقراطية شابة وقوية يمكن أن توضع وراء ديمقراطية المغرب وتونس. أليس فجر الازدهار والتقدم بقريب؟ أم أنه ما يزال بعيدا؟ أسألكم يا بني وطني…