بعد تنحي بوتفليقة وعزل البشير… هل هي عودة لـ”الربيع العربي”؟
هل تحيي الاحتجاجات في السودان والجزائر ما عرف بـ”الربيع العربي”؟ أهي موجة أخرى ستطال بلدانا أخرى؟ هل ما يحدث يقول إن كرة الجليد لم تصل بعد إلى مستقرها؟ أم أنها أحداث بطابع جديد؟
مثل بداياته، هي الآن نهاياته… يواصل العقد الثاني للقرن الـ21م البصم على أحداث تاريخية بارزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تجلت في إسقاط أنظمة سياسية ورؤساء اعتلوا الحكم لعقود من الزمن.
هذه الأحداث حملت في بدايتها لدى الغالبية اسم “الربيع العربي”… ثم بدا للكثير بعد ذلك أن الربيعَ قد أعقبته الفصول الأخرى؛ فمن الدول من ما زال يحاول ترسيخ نظام جديد، ومنها من تدمرت وما عادت تحمل ملامح دولة حتى، ومنها أيضا، من رجع فيها النظام السابق إلى الحكم في ثوب آخر.
أيا يكن الاسم الذي توصف به هذه الأحداث، فإن أحداثا أخرى تماثلها تتصدر اليوم عناوين الأخبار…
محمد العلالي: “مرحلة الربيع العربي اتسمت بالاندفاع والعاطفية، وتعبير بعض الشعوب عن رغبة قوية في التخلص من الأنظمة التي جثمت على صدورها لعدة عقود، لكنها لم تحقق الأهداف المعلنة حول الديمقراطية والعدالة والحريات والتنمية الاجتماعية”.
النظام السياسي في السودان كان على صفيح ساخن، وقوده مظاهرات حاشدة بدأت مطلع عام 2019، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، ثم ما لبثت أن اتخذت بعدا سياسيا، تطالب بإسقاط حكم الرئيس عمر البشير، الذي احتجزه الجيش في آخر المطاف، معلنا سقوط النظام.
وبعد أزيد من شهر، من الاحتجاجات غير المسبوقة في الجزائر، التي رفض شعبها ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بات اليوم ممكنا القول بعد عشرين عاما: “الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة”.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟
على أن الاحتجاجات لم تكتف بهذا السقف؛ فما أن قرر البرلمان الجزائري تعيين عبد القادر بن صالح، رئيسا مؤقتا للبلاد، حتى ثارت ثائرة الشعب الجزائري من جديد، ونزل إلى الشارع يطالب برحيل النظام ورموزه.
فهل تحيي هذه الاحتجاجات ما عرف بـ”الربيع العربي”؟ أهي موجة أخرى ستطال بلدانا أخرى؟ هل ما يحدث يقول إن كرة الجليد لم تصل بعد إلى مستقرها؟ أم أنها أحداث بطابع جديد؟
في حديثه إلى “مرايانا”، يرى محمد العلالي، أستاذ التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، والمتخصص في علم الاجتماع السياسي، أن الأحداث في كل من السودان والجزائر يمكن اعتبارها “جيلا جديدا من الاحتجاجات لكثير من الخصائص التي تميزها”.
العلالي أوضح أن “مرحلة الربيع العربي اتسمت بالاندفاع والعاطفية، وتعبير بعض الشعوب عن رغبة قوية في التخلص من الأنظمة التي جثمت على صدورها لعدة عقود”، مستطردا أنها “لم تحقق الأهداف المعلنة حول الديمقراطية والعدالة والحريات والتنمية الاجتماعية، إذ أن هذه الشعوب رغبت في التخلص مما هو قائم والاتجاه نحو الآتي بدون تحديد واضح لمعنى هذا الآتي”.
اقرأ أيضا: في الإخضاعِ بالذرائعِ والعناوينِ الكاذبة؟ وما حَك جلدُنا غير ظفرنا!
المتحدث ذاته أبرز أن ما يحدث في الجزائر والسودان كجيل جديد من الاحتجاجات العربية يعبر عن سمات مختلفة… سمات يجملها المتخصص في علم الاجتماع السياسي، في “التحرك الواعي الذي يعبر عن سلوك عقلاني لرغبات محددة وممارسات حضارية تنبذ العنف والإرهاب وكل أشكال التسلط”.
العلالي ختم حديثه قائلا إن هذه الممارسات، تتوق إلى “إحقاق الديمقراطية وإخراج هذه البلدان من الأوضاع التي تعيشها والانطلاق نحو مرحلة إعادة بناء هذه الدول وهذه المجتمعات على أسس ديمقراطية حضارية يمكن أن تفتح أفقا أفضل”.
تاج الدين الحسيني: “الوضعية في المنطقة كلها تنذر بتطورات، لا أرى أنها تندرج في نطاق الربيع العربي، لكنها ترتبط أساسا بدور الشباب في الثورات الاجتماعية، وغزو وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها ظاهرة تتجاوز منطقتنا، وما يحدث في فنزويلا مثال على ذلك”.
في حديث آخر إلى “مرايانا”، يذهب خالد الشكراوي، أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والمتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن “فكرة إحياء الربيع العربي مسألة متجاوزة حاليا”، موضحا أنه “يرفض فكرة ارتباط ما يحدث في الجزائر بالربيع العربي، بخاصة بعد ما حدث في الدول العربية”.
الشكراوي يرى أن “المسألة في الجزائر مرتبطة أساسا بدولة لها مشاكلها الخاصة، وقد عبر مسؤولوها في السابق عن فشل في تأسيس الدولة؛ لأنها لم تكوّن نخبة سياسية قادرة على توجيه البلد نحو الاستمرارية، ناهيك عن كونها تعتمد اقتصاديا على ريع الهيدروكاربونات أساسا”.
اقرأ أيضا: المغرب… المقاطعة وحراك الريف! أزمة تواصل المؤسسات السياسية؟
قد يكون ما يحدث بالجزائر، وفق المتحدث ذاته، متأثرا بما حدث في الجوار والعالم بأسره، لكنه “مرتبط أيضا بتطور داخلي للمجتمع الجزائري على مستوى الوعي السياسي، وتطور البنيات السياسية الشابة، وبروز مجموعة من المطالب الجديدة”.
بالمقابل، يؤكد المتخصص في العلاقات الدولية أن “قضية التأثير والتأثر حاضرة بقوة، وأن ما يحدث في الجزائر سوف تكون له تبعات مباشرة وغير مباشرة على دول الجوار كما حدث سابقا في حالة تونس”، موضحا أن ذلك “يرتبط بمآل ما يحدث”.
من جهته، يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “المنطقة المغاربية ككل، توجد حاليا على فوهة بركان تقريبا”، مبرزا أن “المسار في الجزائر لم يستقر بعد، إذ أن الشارع الجزائري سيرفض تسمية البرلمان لابن صالح رئيسا مؤقتا، ما سيزيد حدة المظاهرات”.
الحسيني أوضح في حديثه إلى “مرايانا” أن “هناك حربا مشتعلة فعلا في ليبيا، ونحن نعلم أن بينها والجزائر حدودا مشتركة جد مهمة، على مستوى التداخل بين السكان وإمكانية نقل الأسلحة وتسرب الجماعات الإرهابية”.
اقرأ أيضا: الشبكات الاجتماعية… فضاءات حرة لسلطة مضادة عمادها المواطنون! 1\3
وبالنظر إلى الوضع “غير المستقر دستوريا” في موريتانيا، يبرز ذات المتحدث، و”التوتر في تونس، الذي يخفي صراعا بين ابن الرئيس الحالي ورئيس حكومته، وإشكالات دور الإسلاميين في السلطة”، فإن الوضعية في المنطقة كلها تنذر بتطورات.
تطورات لا يرى الحسيني أنها تندرج في نطاق الربيع العربي، لكنها “ترتبط أساسا بدور الشباب في الثورات الاجتماعية، وغزو وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها ظاهرة تتجاوز منطقتنا، ونلاحظ ذلك في ما يحدث في فنزويلا مثلا وبلدان أخرى في أمريكا اللاتينية”.
-اقرأ أيضا:
- في تطور متسارع… أنباء شبه مؤكدة عن تنحي الرئيس عمر البشير واستلام الجيش للسلطة في السودان
- تقارير صحفية سودانية: البشير حاول الهرب جوا إلى دولة خليجية لكنها تخلت عنه في آخر لحظة
- وكالة الأنباء السودانية: جهاز الأمن والمخابرات يعلن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في البلاد
- السودان: الجيش يعلن “إسقاط النظام” واحتجاز عمر البشير