من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟ - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟

لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟ الأسباب متعددة، والدراسات النفسية والاجتماعية لتفسير الهوس الواسع بنظرية المؤامرة كثيرة، لكنها كلها غربية وتدرس المجتمع الغربي فقط وخرافات مؤامراته. بالنسبة لما نسميه وطنا عربيا، أعتقد …

لماذا يؤمنون بنظرية المؤامرة؟

الأسباب متعددة، والدراسات النفسية والاجتماعية لتفسير الهوس الواسع بنظرية المؤامرة كثيرة، لكنها كلها غربية وتدرس المجتمع الغربي فقط وخرافات مؤامراته.
بالنسبة لما نسميه وطنا عربيا، أعتقد أن أهم الأسباب يمكن تلخيصها في ما يلي:

السبب الأول: الرغبة في العثور على تفسير بسيط للظواهر المعقدة:

أجدادنا البدائيون لم يكن لديهم القدرة على تكوين فهم علمي للظواهر الطبيعية كالعواصف والبراكين والفيضانات والأمراض والمجاعات. نتيجة لذلك، لجؤوا لاختراع قوى خارقة تقف وراء هذه الظواهر، كالشياطين والأرواح الشريرة والسحر والعين والحسد.

قد تفقد وظيفتك بسبب إهمالك وأدائك السيء. لكنك، لو اعترفت بذلك، قد تفقد احترامك لنفسك وتقديرك لذاتك. لذلك، فأنت تلجأ لاختراع نظرية مؤامرة طبخها مديرك السيء وزملاؤك الحاقدون.

جاء العلم الحديث وبدد الخرافات المتعلقة بالطبيعة، لكن فهم الظواهر الاجتماعية ظل معقدا. فلماذا تفجرت الحرب العالمية الثانية؟ وما سبب غزو أمريكا للعراق؟ ومن يقف وراء أحداث 11 سبتمبر؟ ولماذا وقعت اليمن في الاضطرابات السياسية المتلاحقة منذ 2011 حتى اليوم؟

اقرأ لنفس الكاتب: حول البخاري وأصحابه

لأن فهم هذه الأحداث يحتاج وعيا بالأسباب الاجتماعية والسياسية المحلية والدولية التي أدت اليها، وهو ما تعجز عنه أغلبية الناس، تأتي “نظرية المؤامرة” لتقدم الحل السهل والبسيط: كل ما يحدث مؤامرة تحركها قوى خفية (الكلمة المحدثة للشياطين والأرواح الشريرة).

هناك شكل ظريف من نظرية المؤامرة “الربانية” التي ترجع غلاء الأسعار مثلا إلى عقاب رباني بسبب انتشار المعاصي!

السبب الثاني: الدفاع عن الذات وتبرير الفشل:

تنتشر نظرية المؤامرة أكثر عند المجتمعات الفاشلة ولدى الأفراد الفاشلين.

كلما كانت المجتمعات محملة بعبء التخلف والفساد، كلما حضرت نظرية المؤامرة لتقدم التبرير وتوهم أنهم ليسوا السبب في تخلفهم.

قد تفقد وظيفتك بسبب إهمالك وأدائك السيء. لكنك، لو اعترفت بذلك، قد تفقد احترامك لنفسك وتقديرك لذاتك. لذلك، فأنت تلجأ لاختراع نظرية مؤامرة طبخها مديرك السيء وزملاؤك الحاقدون.

لأن فهم هذه الأحداث يحتاج وعيا بالأسباب الاجتماعية والسياسية المحلية والدولية التي أدت اليها، وهو ما تعجز عنه أغلبية الناس، تأتي “نظرية المؤامرة” لتقدم الحل السهل والبسيط: كل ما يحدث مؤامرة تحركها قوى خفية

قد تتوحش عقيدتك وتخلق أكبر ظاهرة إرهاب دولي في الوقت الحالي. ولئلا تفقد ثقتك في عقيدتك، تطبخ نظرية مؤامراتية تقوم فيها المخابرات العالمية بصناعة الإرهابيين لتشويه دينك.

اقرأ لنفس الكاتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!

ولأن المتخلف قد يتهاوى نفسيا لو اعترف بتخلفه، فإنه يحافظ على توازنه النفسي عبر رمي مسؤوليته على مؤامرات الآخرين.

السبب الثالث: التفكير الغائي:

المقصود بالغائية هنا هو ذلك الايمان الخرافي أن كل ما يحدث في الكون يحدث من أجل “غاية” معينة.

“يهطل المطر من أجل أن يسقي الزرع” أو “تشرق الشمس حتى تعطينا الدفء” أو “انتشرت الأمراض عقابا من الله على معاصينا”.

لأن المتخلف قد يتهاوى نفسيا لو اعترف بتخلفه، فإنه يحافظ على توازنه النفسي عبر رمي مسؤوليته على مؤامرات الآخرين

أصحاب العقلية الغائية يرون أن ما يسمى بالربيع العربي اندلع من أجل “غاية” معينة (يرى البعض أنها تدمير الأوطان)، بينما يرى آخرون أن فشل “أو “إفشال” الربيع العربي تم من أجل “غاية” أخرى هي مصادرة حق الشعوب في التغيير.

اقرأ أيضا: من الأردن، بشار حداد يكتب: نحن أيضا اكتشفنا المؤامرة… مع السلامة

ولأن هؤلاء يعجزون عن قراءة الأسباب الداخلية والخارجية لاندلاع الربيع وتعثره، فهم يبسطون الموضوع بالحديث عن نخبة أو جماعة سرية محدودة، تقبع في مكان ما، تتآمر، وتحرك كل الخيوط.

تنتشر نظرية المؤامرة بين مختلف الأطياف السياسية. لكن الأبحاث لاحظت أنها تنتشر أكثر بين أنصار النظريات السياسية الشمولية (الإسلاميون واليساريون).

وتنتشر نظرية المؤامرة بين كل الطبقات والشرائح الاجتماعية، لكنها تنتشر أكثر بين الأقل ثقافة والأقل دخلا والأكثر قلقا على مستقبلهم ودخلهم والأكثر إحساسا بانعدام الأمان والأكثر تعثرا في مشوارهم الدراسي أو الوظيفي أو العائلي.

لهذا، ليس غريبا أن يكون الوطن المسمى عربيا بيئة خصبة للإيمان بنظريات المؤامرة، وأن تصير هذه النظرية  خطرا على صحتنا النفسية والعقلية.

وأخيرا، كم أتمنى أن يتضامن عدد من الباحثين لإصدار كتاب عن “نظريات المؤامرة العربية” من أجل توثيقها وتحليلها ودراسة الخلفيات النفسية والاجتماعية وراءها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *