هشام روزاق يكتب: والله لن نسلمكم أخانا… الرميد!
… ذهبت قريش إلى عم نبي الإسلام تفاوضه في تسليمه لهم، فقال لهم، وهو الذي لم يدخل الإسلام قط… “والله لا أسلمكم ابن أخي”. ذهب حامي الدين إلى المحكمة متهما …
… ذهبت قريش إلى عم نبي الإسلام تفاوضه في تسليمه لهم، فقال لهم، وهو الذي لم يدخل الإسلام قط… “والله لا أسلمكم ابن أخي”.
ذهب حامي الدين إلى المحكمة متهما في جريمة قتل، فقال دعاة الإسلام السياسي، “والله لا نسلمكم أخانا”!
ما الرابط بين الحكايتين؟
الرابط بسيط… وفظيع…
نبي الإسلام لم يستغل دينه للإفلات من عقاب أو مساءلة. نبي الإسلام، حماه رجل لم يتبعه ولم يؤمن به… آمن فقط، بحقه في التعبير عن رأيه والجهر به… فالنبي هنا، لم يكن متهما في جريمة دم.
الأجدى أن تقولوا لنا: “والله لن نسلمكم أخانا الرميد”… ذلك أننا اعتقدنا لزمن، أنكم سلمتمونا رجل دولة… فاكتشفنا معكم اليوم، أنكم لم تفعلوا. أنه لازال رجل الجماعة…وأنه فقط… يمثل جماعتكم في تلك التي اعتقدناها دولتنا جميعا.
… أما الإخوة في العدالة والتنمية وجماعتهم الدينية وكتائبهم الإلكترونية، فإنهم يؤمنون بالدولة، لكنهم يكفرون بمؤسساتها. وفي كل لحظة وفرصة، يخرجون علينا بأثواب الطهرانية التي يدركون جيدا، أنها تمزقت على أجسادهم… بفضائح السياسة والدين والجنس.
الذي يحدث اليوم، هو في النهاية، أمر أقل تعقيدا مما يحاول البعض تصويره.
إقرأ أيضا: بعد ربع قرن على اغتياله… روح آيت الجيد ما زالت تلاحق حامي الدين كمتهم مساهم في إزهاقها! 2/1
الذي يحدث، ليس أن هناك شابا اختلف مع الإسلامويين في تصور العالم، فقرر الإسلامويون قتله. الذي يحدث في النهاية… هو أبسط من ذلك. هناك قتيل، يجب أن تتم محاكمة قاتليه.
هناك روح… أزهقها بعضهم بدم بارد، ويجب علينا جميعا، أن نتأكد، أن القتلة، سينالون عقابهم.
فهل يعني هذا أن حامي الدين قاتل؟
هذا ما يجب أن تقرره المحكمة. فقط لا غير.
هي في النهاية، حكاية الحمض النووي للإسلامويين. إن اتهموا في قضية جنسية، قالوا إنما ذلك زواج فاتحة، وإن اتهموا في قضية تقصير سياسي، قالوا إنما ذلك فعل من فعل أعداء الإسلام… وإن اتهم أحد أفراد عائلاتهم بفعل يحرمونه، حللوه على مقاسه!
فهل من حق المحكمة إعادة محاكمة حامي الدين على نفس الجريمة؟
طبعا لا… المحكمة، ستنظر ــ حسب ما فهمنا من القضية ــ في تهمة جديدة لم يسبق أن وجهت لحامي الدين. هذه المرة، لن يذهب حامي الدين إلى المحكمة كمتهم بالمساهمة في شجار… سيذهب إلى هناك متهما بالمساهمة في القتل.
ولن يذهب إلى هناك ليقول لهم إنه عضو في تنظيم الطلبة القاعديين، كما فعل يوم مقتل آيت الجيد. سيذهب إلى هناك بصفته الحقيقية، وسيكون عليه فقط، أن يثبت براءته…
أين المشكل إذن؟
في النهاية…. ليس هناك مشكل. على الأقل، ليس هناك مشكل لدى الراغبين في كشف حقيقة مقتل آيت الجيد، والمتفهمين لرغبة أسرته في الحصول على العدالة.
إقرأ لنفس الكاتب: ”الميتروقراطية” المغربية… بنسودة، الخازن العام لخدام الدولة
المشكل الوحيد الذي يطرح هنا… هو في النهاية، حكاية الحمض النووي للإسلامويين. إن اتهموا في قضية جنسية، قالوا إنما ذلك زواج فاتحة، وإن اتهموا في قضية تقصير سياسي، قالوا إنما ذلك فعل من فعل أعداء الإسلام… وإن اتهم أحد أفراد عائلاتهم بفعل يحرمونه، حللوه على مقاسه!
في النهاية، هي نفس اللعبة…
حتى في قضية مقتل آيت الجيد، خرج وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، يتبرأ من الدولة التي يمثلها، ومن حقوق الإنسان التي يدبر أمرها، ليستكثر على قتيل… أن يعرف مصير قتلته، وليصرخ في وجه الدولة التي يمثلها، أن قضاءها غير مستقل، وهو الذي ملأ الدنيا صراخا خلال محاكمة نشطاء الريف، أن القضاء المغربي مستقل، وأن كل من يشكك في استقلاليته… يجب أن يحاكم.
الإخوة في العدالة والتنمية وجماعتهم الدينية وكتائبهم الإلكترونية، يؤمنون بالدولة، لكنهم يكفرون بمؤسساتها. وفي كل لحظة وفرصة، يخرجون علينا بأثواب الطهرانية التي يدركون جيدا، أنها تمزقت على أجسادهم… بفضائح السياسة والدين والجنس.
… هي نفس اللعبة التي أدمنها الإسلامويون.
هم الخصم والحكم… وهم الضحية المثالية في بلد يقودون حكومته منذ زمن.
قبل أيام فقط، وبالضبط في مارس الماضي (2018) قال مصطفى الرميد بالحرف:
“المغرب أَسس لاستقلال تام ونهائي ووفق المعايير الدولية للسلطة القضائية، ولا يمكن بأي شكل أن يسمح بالتشكيك في نزاهة القضاء”.
وبعد أيام فقط… خرج نفس الرميد، لــ “يمرمد” نفس القضاء، وليصفه بما عجز عنه أعتى المنادين باستقلال القضاء… أيام كانت المناداة باستقلال القضاء، ثمنا لم يؤده الرميد وإخوانه…
إقرأ أيضا: الشاهد الوحيد يصر على مساهمة حامي الدين في قتل آيت الجيد والمتهم ينفي المنسوب إليه 2/2
الذي يحدث في النهاية، ليس انتصارا للقانون ولا لاستقلالية القضاء، كما يريد الإسلامويون المغاربة إيهامنا…
الذي يحدث في النهاية، هو استعادة لنفس المنطق الملغز الذي يسند كل أسباب الوجود الإسلاموي… منطق الجماعة أولا. الجماعة دائما.
والشعار الذي يرفعه الإسلامويون اليوم (لن نسلمكم أخانا حامي الدين) … هو في النهاية، كشاف لحقيقة التصور الإسلاموي للمشترك.
المشترك، الذي لا يمكن تصوره في عقيدة الإسلامويين، كقوانين ومؤسسات ووطن ودولة… بقدر ما يعلن عن نفسه دائما، كجماعة تحارب من أجل وجودها، من أجل تصوراتها ومن أجل حماية أعضائها، حتى لو تعلق الأمر بضرب معنى الدولة، وضرب مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومبدأ المحاسبة.
لكن…هذه المرة… الأمر أكثر خطورة.
لن يذهب حامي الدين إلى المحكمة كمتهم بالمساهمة في شجار… سيذهب إلى هناك متهما بالمساهمة في القتل. ولن يذهب إلى هناك ليقول لهم إنه عضو في تنظيم الطلبة القاعديين، كما فعل يوم مقتل آيت الجيد. سيذهب إلى هناك بصفته الحقيقية، وسيكون عليه فقط، أن يثبت براءته…
الأمر هنا، يتعلق بتسفيه وضرب الضمانة الحقيقية للدولة، وللسلطة الحامية لكل ما يمكن أن نسميه وطنا، أي القضاء… القضاء الذي قال الرميد ذات يوم إنه أَسس لاستقلال تام ونهائي وإنه…لا يمكن بأي شكل أن يسمح بالتشكيك في نزاهته.
بعيدا عن كل هذا “التمرميد”… دعونا نعود للفكرة الأصل. تلك الفكرة البعيدة عن تفاصيل القانون والمساطر والمرافعات….
أليس من حق أهل قتيل، أن يقفوا أمام محكمة من أجل البحث عن قاتل ابنهم؟
إقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: من يحكم المغرب؟ … “جهات ما”
أليست العدالة في النهاية، فوق القانون؟
… طبعا، لم يكن غريبا في النهاية، أن يلتحق بعض دعاة اليسار والحداثة وحقوق الإنسان، بكتيبة المنافحين عن حامي الدين والعدالة والتنمية، وطبعا، لكل هؤلاء نتوجه بسؤال بسيط:
تصوروا فقط، لو أن المحكمة حكمت في النهاية ببراءة حامي الدين… هل ستتكتلون بعدها للمطالبة بكشف قاتل آيت الجيد؟
أم أن أهم النضال عندكم، أن يعفى متهم من المساءلة… وأن يظل القتيل في قبره، ينظر إليكم وإلينا… كي يضحك في سره من زمن صار أكبر النضال فيه، تدوينة في فيسبوك، ولقاء في فندق … والارتماء في حضن خصم، لازال يعتبر الحداثة كفرا، والمساواة زندقة…؟
الذي يحدث في النهاية، هو استعادة لنفس المنطق الملغز الذي يسند كل أسباب الوجود الإسلاموي… منطق الجماعة أولا. الجماعة دائما.
على العموم… لدي في النهاية، تحفظ وحيد على الشعار الذي رفعه الإسلامويون في وجهنا اليوم، حين قالوا: لن نسلمكم أخانا حامي الدين…
الأجدى والحالة هاته، أن ترفعوا الشعار الأصح…
أن تقولوا لنا: “والله لن نسلمكم أخانا الرميد”…
ذلك أننا اعتقدنا لزمن، أنكم سلمتمونا رجل دولة… فاكتشفنا معكم اليوم، أنكم لم تفعلوا.
أنه لازال رجل الجماعة…
وأنه فقط… يمثل جماعتكم في تلك التي اعتقدناها دولتنا جميعا.
… وهذا بعض من كلام.