في ذكرى وفاته: محمد شحرور… من تحديث النص الديني إلى إنصاف المرأة ومواجهة التيارات السلفية والإخوانية! 2/3 - Marayana - مرايانا
×
×

في ذكرى وفاته: محمد شحرور… من تحديث النص الديني إلى إنصاف المرأة ومواجهة التيارات السلفية والإخوانية! 2/3

محمد شحرور يخلصُ إلى أنّ الروح الذكورية كانت لها الغلبةُ في علاقة الفقه الإسلامي التاريخي بالمرأة وفي نظرته إليها، حتى تحوّلت العادات العربية المتعلقة بها إلى دين، فسادت مصطلحات تقوم عليها حياة العرب الاجتماعية والأخلاقية حتى يومنا هذا.

رأينا في الجزء الأوّل أنّ شحرور حاول فعلاً تجديد النصّ الديني ليلائم العصر الحالي ويخلّصه من التأويلات والنصوص المتوحشة، التي تحرّض على القتال والجهاد والإساءة للمرأة وغيرها!

في هذا الجزء الثاني، تقدّم مرايانا لقرائها لمحةً عن فكر شحرور تجاه الإرث والقوامة والحجاب والتعددية الزوجية.

نظرة شحرور للإرث تنبني على المساواة. أما فيما يتعلق بالقوامة، فهو لا يؤمن بها ويجيز القوامة للمرأة في أحايين كثيرة، كما يعتبرها في الأصل متساويةً مع الرجل في القوامة في وقتنا الحالي، نظراً لتفوقها في كلّ المجالات.

محمد شحرور يخلصُ إلى أنّ الروح الذكورية كانت لها الغلبةُ في علاقة الفقه الإسلامي التاريخي بالمرأة وفي نظرته إليها، حتى تحوّلت العادات العربية المتعلقة بها إلى دين، فسادت مصطلحات تقوم عليها حياة العرب الاجتماعية والأخلاقية حتى يومنا هذا. [1]

هذه المصطلحات، يقول شحرور، هي الشّرف والعرض والنخوة والمروءة والشهامة، وهي مصطلحات لا ترد أبداً في القرآن، باعتبارها مفاهيم محلية وزمانية ومكانية، ولا علاقة للعصر اليوم بها!

فمن أشكال النظرة الدونية للمرأة في القراءات السّلفية، حسب المفكر، أن الرجل عند العرب له عرض، والمرأة ليس لها عرض، وشرف الرّجل العربي محصُورٌ بالمرأَة، أمّا وأختاً وزوجةً وبنتاً، أما إن ارتكبت فاحشةً أو ظلمت نفسها، فقد طعنت بشرف أبيها أو أخيها أو حتى ابن عمها، وكأنما لا شرف لها خاص بها، وإذا ارتكب الرجل الفاحشة فلا يطعن بشرف أخته وأمه!  [2]

أطروحة الحجاب، التي تقوم على فتنة المرأة للرجل، ليس لها أي أساس شرعي أو ديني ولا تتفق حتى مع المنطق

تعرّض شحرور، بسبب آرائه هذه، لحملات تكفير شرسة واتُهمٍ بالزندقة والإلحاد، رغم أنه مثلهُ مثل “الأئمة”، ينطلقون من النص: القرآن وسوره وآياته. لكن يعتمد في قراءة النص على العقل بينما يكتفون بالنقل؛ واستخدام العقل يقضّ مضجع السلفيين و”الإسلامويين”… حين يعجزون عن المحاججة بالمنطق، يلجؤون إلى التهم الجاهزة لكل المعارضين، وهي “الرّدة”، وحكم المرتد محسوم لدى هؤلاء!

قولٌ في التعددية الزوجية               

محمد شحرور يحاول حسم النقاش الدائر حول التعدد، معتبراً أنّ المجتمع وأفراده هم من لهم الحق في إقراره، وليس الفقهاء أو السلطة الدينية. بمعنى أن المجتمع في الأصل يختار وينظرُ في قراره إلى تحقق شروط التعددية الواردة في النص القرآني من عدمها.[3]

هذا ما وضع الفقهاء في مأزق من مواجهة أفكار شحرور، فسلكوا طريقاً سهلاً في تكفيره والتشكيك في نواياه ومقاصده من القراءة الحديثة والمعاصرة للقرآن، لأنه يحفظ النّص تماماً كما يحفظونه، ولكنهم… ربما… لا يستعملون عقولهم كما يستعمله هو…

لكن… على المجتمع أن يقوم باستفتاء آراء الناس بخصوص العمل بالتعدد أو إلغائه… فإذا تقرر الإقرار في بلد مثل سوريا، فالقرار صحيح، وفق شحرور.

أما إذا تقرر الإلغاء في بلد كالسعودية فهو أيضاً صحيح، لأنه نابع من اختيارات النّاس بالأساس. وفي كلتا الحالتين، لا يحمل الإقرار الطابع الأبدي، على اعتبار أن العالم متحوّل! [4]

المشكلة في الفقه الإسلامي الموروث، وفق شحرور، أنّه في المسائل التي لا تتعلق بالحلال والحرام، لم يعر رأي النّاس أي اهتمام، وموضوع الاستفتاء غائب عن أذهان “الفقهاء”، لانطلاقتهم من مسلّمة أساسية عندهم هي حاكمية الله، وأنهم بأحكامهم يمثّلون هذه الحاكمية على الأرض، مما لا دور للناس فيه ولا لآرائهم.

يختم شحرور قوله في التعدد، بأنّه إذا افترضنا أن بلداً ما أقرّ إلغاء التعدد، ثم قام أحد أفراده بمخالفة هذا القرار، فالقانون يلاحقه بالتغريم لمخالفته نصّا قانونياً وقراراً اجتماعياً، لكنه لا يعتبره زانياً أو فاحشاً، لأن المسألة لا تتعلق بالحلال والحرام.[5]

كخلاصة، فإنه، بهذا المنطق، لا يحق لأحدٍ أن يقول في حالِ إلغاءِ التّعدد في بلد ما، أنه يحرم ما أحلّ الله، ما لم نقصد أنّ الزواج الثاني عبارة عن “فاحشة” و”زنا”؛ والله حرّم الفواحش، وهذا الالتباس يمكن أن ينتج من جراء عدم التفريق بين الحرام والممنوع، فلا يمكن للحرام أن يحلل، ولكن يمكن للحلال أن يمنع، ومنعه لا يحمل الطّابع الشمولي الأبدي! [6]

شحرورُ والحِجاب!

يعتقد محمد شحرور أنّ الحجاب ليس تشريعاً دينياً بقدر ما هو عرف لصيقٌ بالعرب، كانت تقتضيه الحياة الاجتماعية والبيئة وقتذاك، بيد أنّه يتغيّر بتغيّرها!

على المجتمع أن يقوم باستفتاء آراء الناس بخصوص العمل بالتعدد أو إلغائه…

كما يدحض فكرة أنّ الحجاب رداء أخلاقي لتغطية جسد المرأة، ودرء الفتن التي قد يثيرها هذا الجسد، نتيجة التفريق الذي دأب عليه العربُ بين لباس الأمة ولباس الحرّة، وكان لباس الحرة هو لباس خديجة التي تزوجها النبي محمد، قبل البعثة، كما يقول المفكر.

وكان غطاءً للرأس يقي من الحرّ، ويجمع الشّعر أن يتبعثر، وثوب طويل يستر القسم الأسفل من الجسد، لعدم وجود ملابس داخلية وقتها، وفضفاض يسمح للمرأة بحرية الحركة في أعمالها داخل وخارج البيت.[7]

وأكثر من ذلك، فقد كَان الرّجال أيضا يقومون بتغطية رؤوسهم مثل النساء، نظراً للبيئة والظروف الاجتماعية. كما كان الرجل يرتدي لباساً طويلاً، لئلا تظهر عورته أيضاً حين يجلس، لانعدام الملابس الداخلية آنئذٍ… بالإضافة إلى لحية كان يطلقها الرجل حتى لا يعاب بين قومه! [8]

ويستدلّ شحرور بشأن التفريق بين لباس الأمة عن الحرة ببعض أقوال الألباني وإبن تيمية، اللذان اعتبرا أن عدم لباس الإماء لذات لباس الحرات هو لتفريقهن عن بعض…

الروح الذكورية كانت لها الغلبةُ في علاقة الفقه الإسلامي التاريخي بالمرأة وفي نظرته إليها، حتى تحوّلت العادات العربية المتعلقة بها إلى دين

بينما يجد شحرور أن أقوالهم تثبت أن الحجاب ليس لإخفاء مفاتن المرأة، لأن الأمة أيضاً امرأة في هذا السياق. كما تبرز بشكل قاطع أنّ أطروحة الحجاب، التي تقوم على فتنة المرأة للرجل، ليس لها أي أساس شرعي أو ديني ولا تتفق حتى مع المنطق. [9]

شحرور يطرح التساؤل الذي قد يطرحه أي عقلاني يقرأ التراث: “كيف نأمر بتحجيب الحرائر ونسمح بسفور الإماء، وكيف يتفق هذا مع مفهوم أن المرأة فتنة للرجل وأنها كلها عورة وأنها كلها شر، والأمة أصلاً امرأة؟ وكيف نفهم أن الحرة القبيحة يجب أن تتحجب، ولا بأس بسفور الأمة ولو كانت شقراء حوراء في الثامنة عشر من العمر؟”…

يبدو أن هذه الأسئلة تكوي بعقلانيتها الذهن العربي، الذي ظل يردد سردية “الحجاب” لقرون دونما مساءلتها أو تفكيكها أو حتى محاولة وضعها في سياقها التاريخي، الزماني والمكاني والبيئي.

… هذا ما وضع الفقهاء في مأزق من مواجهة أفكار شحرور، فسلكوا طريقاً سهلاً في تكفيره والتشكيك في نواياه ومقاصده من القراءة الحديثة والمعاصرة للقرآن، لأنه يحفظ النّص تماماً كما يحفظونه، ولكنهم… ربما… لا يستعملون عقولهم كما يستعمله هو…

من هذا المنطق قد يتساءل الكثيرون: إذا كان محمد شحرور محدّثا، فكيف نظر للإرهاب والفكر الطائفي الذي يحدث ضجّة في العالم الإسلامي؟

هذا ما سنراه في الجزء الثالث.

[1] شحرور محمد، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، فقه المرأة، الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع.

[2] المرجع نفسه.

[3] نفسه.

[4] نفسه.

[5] نفسه.

[6] نفسه.

[7] نفسه.

[8] نفسه.

[9] نفسه.

اقرأ أيضا:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *