”عيبنا واحد”…الجملة التي تصنع المعجزات في المغرب
على المغربي، كما على غيره، أن يتحلى بالكبرياء والمسؤولية لتحمل نتيجة تدبير هذه الاختلافات، لوحده، دون أن يلزم مجتمعا بأكمله بانحرافاتها.
في مشهد سوريالي، عاتب مواطن مغربي، قبل سنوات، شخصا ضُبط وهو يحاول اغتصاب طفل: ”لو كانت أنثى لتفهمنا الأمر، فعيبنا واحد”، وكأن اغتصاب طفلة أمر عاد… مجرد فلتة غريزية جديرة بالمغفرة.
”عيبنا واحد”. لهذه الجملة، في المغرب، أجنحة تطير بها لكافة السياقات، ومفعول سحري عند بعض المغاربة لتفسير كل السلوكيات الجنسية: الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب، التحرش، التعامل مع مهنيات الجنس… وكل شيء. المهم هو التشبث بذريعة: ”كلنا شياطين… لا وجود للملائكة في هذا الوطن”، وكأن رجال هذا البلد هم مجموعة من الوحوش الشبقية الكاسرة التي ”تحمل الآخرين معها في عزلتها”، كما تنبأ بذلك ميرلو بونتي، لتفسير زلاتها، والتسلح بـ”شرعية اجتماعية”.
الاستعمال المتواتر لهذه الجملة، يدل على اختلال أحد أضلاع الحداثة الثلاثة في هذا المجتمع، ألا وهي الفردانية. فلسفيا، يعجز بعض الأفراد عن تخيل أنفسهم كذوات مستقلة، لذلك يرون أن من الطبيعي أن يلجؤوا لنفس الميكانيزمات والتصرفات، بشكل جماعي، لصد عاصفة الحرمان العاطفي والجنسي.
لو التقيت ألكسيس دو توكفيل في زمن ما، لأخبرته أن نبوءة تغول الفردانية، التي تحدث عنها في كتابه ‘‘الديمقراطية في أمريكا”، وخلق كل فرد لمجتمع خاص به، هو احتمال قد لا يتحقق أبدا في هذا البلد. هناك دائما عصبية قبلية ثاوية، وإيمان بالمصير المشترك والقيم الموروثة، يمنع المغربي من التفكير في سلوكه ومصيره، بمعزل عن الآخرين.
لا يولد الإنسان مغتصبا أو متحرشا. تفسر نظرية ”التنافر المعرفي” الأمر على هذا النحو: حين وجود تنافر بين قناعاتك وسلوكك، مثل التدخين والإيمان بخطورته في نفس الوقت، فإنك تهتدي لذريعة لضمان الراحة النفسية، مثل وجود أسباب أخرى للإصابة بالسرطان غير التدخين!
هذه النظرية المعروفة لدى المتخصصين في علم النفس الاجتماعي، تعطي تبريرا للجملة التي تحدثنا عنها أعلاه: “عيبنا واحد”… فعدم الشعور بتأنيب الضمير يمر حتما عبر الإيمان بوجود مجتمع من المكبوتين والمحرومين الذين يتصرفون بنفس الطريقة.
الحقيقة هي أن ”عيبنا” ليس واحدا. نحن مختلفون… جدا!
لذلك، قد يوجد مليون شخص يرقصون في “موازين”، ومليون شخص يناصرون العدل الإحسان، وملايين من المغاربة ضد العلاقات الرضائية وملايين أخرى تؤيدها. من ينكر هذه الفسيفساء المغربية، يكذب على نفسه أو يتذاكى… دون جدوى. الحياة الجنسية هي جزء من الحياوات التي نكابدها كل يوم. على المغربي، كما على غيره، أن يتحلى بالكبرياء والمسؤولية لتحمل نتيجة تدبيرها، بمفرده، دون أن يلزم مجتمعا بأكمله، بانحرافاتها.
مقالات قد تهمك:
- من مصر، أحمد حجاب يكتب: جرائم الذكورية السامة المعروفة إعلاميا بجرائم الشرف
- من يوقف جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
- نسل الأغراب… أو حينما يُطبع الفن مع تزويج الأطفال
- بين ”المنصة” و “الجنسانية والعزوبة بالمغرب”… كتب عرّت المأساة الجنسية للإنسان المعاصر.
- الأطفال المتخلى عنهم في المغرب… أحكام فقهية تهدد مصير نصف المواليد خلال العشرين سنة المقبلة 2/2
- من تونس، مريم أولاد الشايب تروي حكاية ضحية للعنف الجنسي
- أسماء بلعربي تكتب: أنا حرة وخارجة على القانون
Thanks.