بول بولز بطنجة… بعض من حكاية عشق 3/1 - Marayana - مرايانا
×
×

بول بولز بطنجة… بعض من حكاية عشق 3/1

ما الذي أبقى بول بولز بطنجة التي قدم إليها بدعوة من الكاتبة الأمريكية ورد شتاين؟ سؤال يشغل بال شكري. هل هو المناخ؟ بساطة العيش؟ المعجون الساخن وكؤوس الشاي المنعنع؟ الكيف؟ أم أبقته فيها دوليتها، وحرية العيش فيها وعجائبيتها؟

لم أختر العيش في طنجة على الدوام، لكن ذلك حدث. كان المقصود من زيارتي أن تكون لمدة وجيزة. بعد ذلك، سأنتقل إلى مكان آخر، وسأواصل الحركة إلى الأمام دون توقف. اعتراني الكسل وأجلت الرحيل… بعد ذلك، كلما ذهبت إلى مكان آخر، فإنني أحـن فورا للعودة إلى طنجة. هكذا إذا كنت هنا الآن.

هكذا تحدث بول بولز في سيرته الذاتية “بدون توقف”، وهكذا أخذنا في رحلة من نيويورك إلى طنجة، التي قضى بها 52 سنة، إلى أن ودعها أبديا في 18 نونبر 1999 بعد أزمة قلبية، تاركا وراءه طنجة وعوالمها، وتاركاً إرثا يتساءل الكثير أين هو الآن.

لماذا بول بولز هنا؟

طنجة، المدينة الدولية، تفتح أبوابها لكل الزائرين، “جِيلُ البيت” (Beat Generation.) ضمن الزوار، ويليام بوروز، آلان جينسبرغ، جاك كرواك وغيرهم ممن حلوا هنا. بول بولز جاء ليقضي فيها صيفا “غير أنه سيخلد بها” بتعبير محمد شكري.

ما الذي أبقى بول بولز بطنجة التي قدم إليها بدعوة من الكاتبة الأمريكية ورد شتاين؟ سؤال يشغل بال شكري. هل هو المناخ؟ بساطة العيش؟ المعجون الساخن وكؤوس الشاي المنعنع؟ الكيف؟ أم أبقته فيها دوليتها، وحرية العيش فيها وعجائبيتها؟

“ما نعلمه هو أن بقاءه فيها لم يبح به. إنه لا يجيب إلا بمراوغة كعادته؛ فهو حريص على أن يكون متطابقا مع ظله. وإذا شاء يقول بسخريته المعهودة: “لقد جئت وبقيت”. هكذا تحدث محمد شكري في مستهل كتابه عن بول بولز أو عزلة طنجة.

حل بول بولز في طنجة نزولا عند رغبة جيرترود ستاين التي سبق لها أن زارت المدينة، وأعجبت بها. كانت زيارته عابرة، لكن مجيئه للإقامة في طنجة، حدث في أواسط الأربعينيات، قبل أن تلتحق به زوجته “جين أويرــــ Jane Auer”. لقد كانت طنجة، في ذلك الوقت، جذابة وهادئة، ولا يتجاوز عدد سكانها 60000 نسمة. كان بولز حريصاً على عدم إغلاق باب شقته المتواضعة، في وجه زواره الكثيرين.

لم يكن بولز يملك هاتفاً. لذا، كان يفتح الباب لكلّ الطارقين، سواء كانوا فضوليين عابرين، غايتهم التعرُّف إليه، أو صحافيين يريدون إجراء حوارات معه، أو باحثين يعدون أطروحات عن أدبه، أو كتاب سير تتناول حياته، أو فرقاً تلفزية قدمت لتصوير أفلام وثائقية عنه.

نجومية جهجوكة

لم يهتم بول بولز بالأدب وحده، بل رافق البشير العطار في رحلته مع فرقة جَهْجُوكَة؛ التي انطلق صداها من قرية جهجوكة المحاذية لمدينة القصر الكبير نحو العالمية. أسرة العطار حمَلت هم جهجوكة. يعزف كل أبنائها هذا اللون الموسيقي المنفرد، الذي يترأسه العطار الأب “عبد السلام العطار”. هذا الأخير لعب بولز دوراً هاما في التعريف بموسيقاه “جهجوكة”. لم يكن عبد السلام العطار وأسرته حينها، يعرفون أن جهجوكة ستصل للعالمية وسيتداول اسمهم فنانون ونقاد وباحثون في الموسيقى، إلا حين اكتشف بولز هذا اللون الموسيقي.

سنة 1950، كان بولز، إلى جانب صديقه الرسام “برايان كيسن”، في رحلة بالقطار حيث سمع موسيقى جهجوكة، فقادته رحلة البحث إلى عبد السلام العطار بقريته الصغيرة. منذ ذلك الحين، جعل بولز من هذه القرية وجهة للموسيقيين ومنهم “مايك جاكر” الذي سجَّل فيها إحدى معزوفاته سنة 1989 وكذا الموسيقي أورنيت كولمان.

هكذا انطلقت شعبية جهجوكة التي قال عنها برايان كيسن لبولز في آخر المطاف: “هذه هي الموسيقى التي أود الاستماع إليها ما تبقَّى من حياتي“. وقد أسهم هذا الأخير بدوره في الحفاظ على هذا الموروث.​

 

لقراءة الجزء الثاني: بول بولز في مرآة أهل طنجة 3/2

لقراءة الجزء الثالث: بول بولز: ليالي طنجة وملاذ الأدباء وسرديات تحكى لأول مرة 3/3

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *