بين التطبيع والقرارات الجيوستراتيجية: سوء فهم ومواقف تاريخية - Marayana - مرايانا
×
×

بين التطبيع والقرارات الجيوستراتيجية: سوء فهم ومواقف تاريخية

المغرب سبقَ له أن أكَّد رسميا أن اِستئناف العلاقات مع إسرائيل لا يمكن أن يؤثر على موقفه من القضية الفلسطينية.

هل هناك ضرورة للربط بين “التطبيع” وبين القرارات الجيوستراتيجية التي ينهجها المغرب؟ هل المقارنة بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقضية الوحدة الترابية منطقي؟ سؤال تطرحه فئات مجتمعية بعد دعوات “إسقاط التطبيع” عقبَ العدوان الإسرائيلي على غزة.

مرايانا تنقل السؤال وتحاول الكشف عن خيوطه. فهل الإصرار على الربط بين استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية وموقف المغرب تجاه القضية الفلسطينية يعتبر موضوعيا؟ ولماذا لا يتم الفصل بين موقف تاريخي وقرار جيوستراتيجي؟

تاريخ ودين وأوقاف

عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض، يقول في حديث لمرايانا إنَّ موقف المغرب من القضية الفلسطينية نابع من علاقات قديمة وثابتة، مقارنة بعلاقات طارئة لم تغير من موقف المغرب، حتى مع استئناف العلاقات، لأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استئناف العلاقات بين البلدين.

سبقَ للمغرب أن استضاف المؤتمر الإسلامي العاشر لوزراء الخارجية في مدينة فاس في مارس 1979، والذي شاركت فيه فلسطين، وقد ألقى الملك الراحل الحسن الثاني خطابا توجيهيا، قال فيه إن الشعب الفلسطيني ليس في حاجة إلى وصاية، وإنه شعب قادر على أن يسير نفسه بنفسه، وقد أكَّد المؤتمر على تأييد القضية الفلسطينية.

العلام يضيف أنه، إضافة إلى الموقف التاريخي، فإن المغرب يرأس لجنة القدس، فضلا عن وجود وقف مغربي بفلسطين، وهو حارة المغاربة بالقدس، فضلا عن بحث الإجازة الذي أنجزه الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد، بعنوان “الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية”، وكانت فيه إشارات قوية للعلاقات الدولية المغربية.

حسب العلام، فإن العلاقة بين المغرب وفلسطين ليست ظرفية أو براغماتية، قد تتغير حسب الحكومات والظروف. كما أن المغرب لم يقل بأنَّه سيوقف العلاقة مع فلسطين والقضية الفلسطينية، حتى بسبب موقف ياسر عرفات من حضور البوليساريو خلال أشغال المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد بالجزائر سنة 1987.

يشير العلام إلى أن موقف المغرب ثابت ولا يتغيَّر. هي قضية وجودية وأنطولوجية بالنسبة للمغاربة حكومة وشعبا، فالعلاقة بين المغرب وفلسطين دينية تتجاوز العلاقة الإنسانية، فالنظر للمسجد الأقصى شبيه بمكة المكرمة.

علاقة ظرفية

علاقة المغرب بإسرائيل يقول عنها العلام إنها علاقة ظرفية تتغير حسب الظروف والأحداث، فقد كانت هناك علاقات في مرحلة معينة، وكانت ضغوطات قامت بها اسرائيل قبل سنة 2000، ونظرا لممارسات الحكومة الإسرائيلية، توقفت العلاقات.

المتحدث قال إنَّ الوضع إذا استمر على ما هو عليه، فيمكن للمغرب أن يضحي قيادة وشعبا بأي علاقة ومنفعة جيواستراتيجية. صحيح أن مغربية الصحراء أهم، لكن هل ستصبح الصحراء غير مغربية في حالة ضحى المغرب بإحدى علاقاته الاستراتيجية؟ طبعا هذا غير ممكن.

العلام أشار إلى أن المغرب سبقَ له أن أكَّد رسميا أن اِستئناف العلاقات مع إسرائيل لا يمكن أن يؤثر على موقفه من القضية الفلسطينية.

ناصر بوريطة قال في كلمة له ضمن “قمة السلام” التي جرت أطوارها بمصر، إن المغرب يدعو إلى خفض التصعيد، وإلى حقن الدماء ووقف الاعتداءات العسكرية، كما دعا إلى حماية المدنيين وعدم استهدافهم،  والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لساكنة قطاع غزة.

المغرب، وعلى لسان وزير الخارجية، عبَّر عن رفضه الممارسات الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة. كما شدد على ضرورة إطلاق عملية سلام تفضي إلى حل الدولتين.

علاقات مستمرة

بالعودة لتاريخ العلاقات بين المغرب وإسرائيل، فإنَّها بدأت رسميا سنة 1994 ليتم تجميدها سنة 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ ليتم إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب والمكتب المغربي بإسرائيل.

سنة 2009، بحث الملك محمد السادس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، عبر الهاتف، خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، ضمن جهود المغرب للتوصل إلى سلام عادل ونهائي.

خلال فبراير 2019، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي دجنبر 2020 وقَّع المغرب اتفاقية استئناف العلاقات مع إسرائيل بوساطة أمريكية.

نتج عن الاتفاق الثلاثي احتجاجات عارمة وسخط في الوسط الحقوقي الذي دعا إلى ضرورة التراجع عن هذا الاتفاق ووقف العلاقات اعتبارا للموقف التاريخي من القضية الفلسطينية.

شعارات غير مُحرجة؟

عن شعارات إسقاط “التطبيع” وغيرها، يقول العلام: يمكن فهم هذا التوجه انطلاقا من مبدأ الفصل. لا أظن أن السياسة الرسمية في المغرب لديها مشكل مع هذه الشعارات. من الطبيعي أن يرفع المواطنون مثل هذه الشعارات، وقد يخدم هذا الأمر السياسة الرسمية.

يقول المتحدث إنه، إذا ما استفحل الأمر، يمكن للسياسة الرسمية أن تستند على هاته الضغوط، الاحتجاجات والشعارات، للإقدام على اتخاذ موقف معين. ربما كان سيكون هناك مشكل بالنسبة للسياسة الرسمية للمغرب، إذا لم تكن مثل هاته الضغوط والشعارات موجودة.

حسب العلام، ليس هناك تناقض بينَ الشعارات والموقف المغربي، فيمكن أن يستند عليها ولن تضره، ما دامت هاته الشعارات لا تٌخون السلطة بالمغرب في علاقتها بالقضية الفلسطينية، فالمطلب هو إسقاط التطبيع، وكأن لسان حالهم يقول، يمكن أن نضحي بهذا الاعتراف الاسرائيلي في سبيل نصرة فلسطين.

المحلل السياسي يؤكد أن الشعب يكون أحياناً متحررا من الجيوستراتيجي ومن كل الضغوط، وله الحق في أن يطالب بأي شيء. لكن الدولة تكون عليها تلك الضغوط لكونها تعرف أمورا، وتخشى أمورا أخرى، ولديها خطوط حمراء.

يقول المتحدث إن الذين انتقدوا حماس، غيروا موقفهم مع توالي الاحداث، ومع ما يحدث من مجازر وقصف للمستشفيات والكنائس والمساجد وغيرها. لاحظنا، يقول العلام، كيف تحول الرأي العام المغربي وكيف تحولت مواقف مؤيدين لإسرائيل، وكيف أصبح لديهم شعور بالذنب تجاه ما يحدث،  فما بالك بالموقف المغربي تجاه فلسطين.

سرديات الخصوم

هل من ضرورة لربط مقارنات بين قضية الصحراء المغربية والصراع العربي الإسرائيلي؟ سؤال يجيب عنه خالد شيات، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة.

يقول المحلل السياسي في حديث لمرايانا إنَّ المقارنة بين الصراع العربي الإسرائيلي وبين قضية الصحراء المغربية ليسَ ضرورة، بل هو طرحٌ يدعم توجهات أعداء وخصوم الوحدة الترابية.

شيات يضيف: إن كانت هناك ضرورة للمقارنة، كما يفعل أعداء الوحدة الترابية، بين القضية المغربية العادلة والقضية الفلسطينية، فهي من حيث أن هناك اِعتداء على حق المغرب في صحرائه، وكذا على حق الفلسطينيين في الشرق الأوسط.

المتحدث أكد أن المغاربة لا يقارنون بين قضية الوحدة الترابية وبين القضية الفلسطينية. غير أن طرح مثل هاته المقارنات، يكون لغايات وأهداف أيديولوجية وسياسية، كما أن الأمر لا يغدو أن يكون مجرد بروباغندا وتوجهات لا علاقة لها بالواقع.

… هكذا هو الأمر إذن، موقف تاريخي في مقابل سياسة جيواستراتيجية لا تؤثر سلباً على موقف المغرب الداعم للقضية الفلسطينية، كما عبر عنها كل من عبد الحق العلام وخالد شيات الذي أكد أن أي ربط بين قضية فلسطين وقضية الصحراء المغربية هو ربط غير موضوعي خدمة لأهداف غير مفهومة.

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *