دوار إيمزيلن: تنظيم وقدوة وتآزر: كيف حوَّل أهالي القرية الدمار إلى تآزر وعيش مشترك - Marayana - مرايانا
×
×

دوار إيمزيلن: تنظيم وقدوة وتآزر: كيف حوَّل أهالي القرية الدمار إلى تآزر وعيش مشترك

في المخيم، النساء، إسوة بالرجال، يشتركن في الأعمال الشاقة كما يشتركن في السهر على سلامة الجميع، فغير بعيد عن مطعم المخيم وجدت مرايانا سيدة تعد المصابيح الكهربائية وتعلقها في أمكنة مختلفة في المخيم.

الزلزال قدرٌ محتوم، أتى على الأخضر واليابس… إلا أنه، في قرية إيمزيلن قرّب البعيد، جمع الإخوة الأعداء. جعلهم تحت غطاء واحد وجمعهم على إناء واحد. في هاته القرية الصغيرة، مسؤول يدبر أحوالَ الجماعة، سيدة تطبخ للجميع، نسوة تساعدن في الطهي… وحارس عند مدخل المخيم.

لم يمكن بوسع أهل قرية إيمزيلن إلا أن يجتمعوا في حقل صغير، من كبيرهم لصغيرهم، رجالا ونساء، يدا في يد لمواجهة قدر محتوم… قد يُعمر.

مرايانا التقطت مشاهدَ قليلا ما تُصادفها في بعض القرى، التي لم تستوعب بعد حقيقة الفاجعة.

شيوعية عفوية

بمنطقة “ويركان” توجد قرية صغيرة تسمى إيمزيلن ، اتفق أهلها على ضرورة التعايش مع هذا الوضع، فالمنازل التي كانت تأويهم صارت ركاماً، وها هم الآن في الخيام. مرايانا توقفت عند مدخل الحقل حيث لمحت خالد وهو يتحدَّث لبعض الزوار، يجول بهم في المخيم ويستقبل مساعداتهم ليعود ويتفقد أحوال زوار آخرين ويقدم لهم الغذاء.

خالد استقبل مرايانا ليكشفَ لنا أنه المسؤول هنا والمكلف بأحوال المُخيَّم. يقول في حديثه لمرايانا إنه يسهر على كل كبيرة وصغيرة هنا، بداية بتفقد أحوال المخيم، ومعرفة حاجيات الأسر. مهمة صعبة تقعُ على عاتق خالد حيث يقول إنه يستقبل المساعدات ويضعها في مستودع صغير في الخيمة: الأغطية والملابس في جهة، والمواد الغذائية في جهة أخرى، أما باقي المستلزمات فتوضع في مكان ثالث، ليتم فيما بعد تقسيم كل المساعدات على الأسر المتضررة… والتي بقيت على قيد الحياة!

كيف يعرف خالد حاجيات الأسر؟ من جهة، فإن عدد الأسر في القرية قليل، ومن جهة بالتواصل من كل أسرة بخصوص حاجياتها: هناك أسرة تحتاج أدوية، وأخرى تحتاج لمتطلبات وأغراض الأطفال وأخرى بحاجة للملابس وغيرها. أما الطهي والأكل والشرب، فيشارك فيه الجميع.

يأخذنا خالد في جولة للمخيم. نلتقي فاطمة وهي سيدة مكلفة بأحوال النساء ومكلفة بالطهي وإعداد الوجبات. وجدناها منهمكة في عملها كما لو أنها في بيتها. تعد الغذاء، بجانبها من تغسل الأواني وتعد الدجاج، وأخريات تساهمن في تقطيع الخضر وإعداد العصير.

مشاهد تلتقطها عدسة مرايانا، تُشعرك أن الدمار أخرج أجمل ما فينا. يقول خالد إن الكل تركَ خلافاته جانبا سواء كان منتخباً أو جمعوياً أو مواطنا عاديا. هنا في المخيم، نحن سواسية، نشتغل على قدم وساق من أجل أن نعيشَ هنا ونتأقلم مع هذا الوضع الذي قد يدومُ طويلاً.

يدرك خالد أن الوضع في المنطقة صعبٌ جدا: فصل الشتاء على الأبواب، تساقطات ثلجية محتملة، إضافة إلى كون وجود المخيم في حقل أسفل الطريق يزيد من صعوبة الأمر. هذا الحال هو نفسه في كل المناطق، فالتخوف الأكبر ليس الأكل أو الشرب، بل الإيواء. هذا هو السؤال الذي يؤرق بال كل الأهالي من السفح إلى الجبل.

يقع المخيم أسفلَ الحقل وعلى منعرج الطريق المؤدية إلى تلات نيعقوب، وهنا تعبر كل العربات والسيارات، وهو ما يستوجب يقظة من أهالي المخيم. لهذا، تطوع أحد أبناء القرية للوقوف عند المنعرج بسترته الصفراء، ليشير للمارين لتخفيف السرعة.

حسب خالد، فكل شيء تم التفكير فيه: لقد تمت المسارعة لوضع المراحيض، واحد للرجال وإثنين لنساء القرية، مكان مخصص للصلاة والعبادة، تقسيم أدوار الحراسة… بشكل ما، فقرية خالد تجسيد لنظام شيوعي عفوي يتساوى فيه ويساهم فيه الجميع.

تركت مرايانا خالد منكبا على ترقب أحوال المخيم لتكمل جولتها في المخيم، حيث يوجد مكان مخصص لشحن الهواتف ومصابيح تشتغل بالطاقة الشمسية؛ وحيثُما وليت، تجد الكل يساعد ويدفع بالعجلة إلى الأمام.

تقف مرايانا أمام مطبخ بدوره عفوي: مائدة طويلة، أواني، صحون، مستلزمات وطناجر كبيرة للطهي تستعمل في الأعراس والمناسبات. تشرف على العملية فاطمة التي تحدثت لمرايانا بفخر عن مهمتها بالقول إنها تشرف على إعداد الفطور والغذاء والعشاء لكل أهالي المخيم.

طباخة لكل الأذواق

تقول فاطمة إنَّها تعرف النظام الغذائي لأهل القرية، ولهذا فإنها تُشرف على إعداد أطعمة للمصابين بالسكر وغيره من الأمراض. حيث تعد أطعمة دون ملح، وكذلك الشاي أو القهوة دون سكر أو غيره.

من الصعب أن تُرضي كلَّ الأذواق في بيت واحد فما بالك بقرية بأكملها. إلا أن فاطمة، وفقَ قولها، تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها؛ ولذلك فإنها تُعِدُّ ذلك بشغف لأنها تعتبرها مسؤولية على عاتقها.

تشير فاطمة إلى أن كلَّ أهالي القرية تجندوا، نساءَ ورجال، منذ الوهلة الأولى. تعود فاطمة لتفاصيل الليلة المُفجعة وتقول إنها ليلة تبقى راسخة في حياة الجميع، فور إحساسهم بالزلزال اتجهوا نحو القرية ليجتمعوا فيما بينهم متجهين نحو الحقل.

بين عشية وضحاها وجدوا أنفسهم في الخارج. انقسم سكان القرية، منهم من اتجه وسارع للبحث عن الأهالي، ومنهم من اتجه نحو الحقل لإعداده وقضاء الليلة الأولى. في الصباح الباكر، فرض الواقع ذاته على فاطمة لتجد نفسها مجندة للسهر على إطعام الأهالي بمساعدة بعض النسوة.

النساء شقائق الرجال

التناوب في العمل سمة أساسية هنا؛ فهن يتناوبنَ على الطهي كما يتناوبن على رعاية الأطفال والعجزة. غير بعيد عنها نسوة انتهين من غسل كميات من الدجاج ووضع بعض المشروبات والعصائر في ماء بارد من أجل إعدادها.

في المخيم، النساء، إسوة بالرجال، يشتركن في الأعمال الشاقة كما يشتركن في السهر على سلامة الجميع، فغير بعيد عن مطعم المخيم وجدت مرايانا سيدة تعد المصابيح الكهربائية وتعلقها في أمكنة مختلفة في المخيم.

دور النساء هنا لا يقتصر على الاعتناء بالأهل، بل كل واحدة منهم سارعت لانتشال ما تبقى من أوانيها المنزلية لتصير تحت تصرف القرية. واحدة منهن أحضرت الأواني الكبيرة وأخرى أحضرت ما تبقى من أباريق الشاي والقهوة، فيما تكلفت سيدة بإعداد الرغيف في الصباح؛ وكأنها تقول ما قال محمود درويش: وأنت تعد فطوركَ فكر بغيرك.

الضيف في المخيم، أمير عند الأهالي… فور حلولك يستقبلونك بابتسامتهم المعهودة وبكرمهم الممزوج بالبساطة، فرغم المحنة، لم يفقد الأهالي طباعهم وسماتهم الأساسية.

تركنا أهالي إيمزيلن يسايرون قَدرهم المحتوم بعزم وقرارات تساهم فيها النسوة على غرار باقي الرجال.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *