إكرام عبدي: الطبقة المتوسطة بالمغرب: صور براقة لجسد منخور - Marayana - مرايانا
×
×

إكرام عبدي: الطبقة المتوسطة بالمغرب: صور براقة لجسد منخور

الطبقة المتوسطة تحس أن الركب تجاوزها في ظل العولمة، لذا فهي إما أنها تقاوم من أجل الحفاظ على وجودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتعمل على ترشيد نفقاتها والتخلي عن الادخار، أو تمسك للأسف بتلابيب قيم جديدة وغريبة عنها كي تلحق بالركب، بما هي قيم النفاق والمجاملة والتزلف والتسلق والنفعية والوصولية والانتهازية، سواء في الإدارة أو في كواليس الأحزاب السياسية أو في المشهد الثقافي والاقتصادي

يبدو أن تلك الهالة الراقية والسامية لطبقة متوسطة فضلها أرسطو كميزان الاعتدال لرجاحة فكرها وحكمتها ولانعدام النزعة الاستبدادية لديها، وراكمت رصيدا رمزيا وثقافيا في تضاعيف الذاكرة المغربية، تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد مقاومتها لصدمات تاريخية أنهكتها واستنزفتها، وتعرضها لسياسات حكومية مغربية متعاقبة متذبذبة، تقشفية في أغلب الـأحيان، افتقرت إلى النجاعة والفعالية، لتنزلق رويدا نحو الطبقة الفقيرة.

هي طبقة موجودة شكليا لم تندثر، بموظفيها، بصيادلتها، بأساتذتها، بمهندسيها، بمحاميها، بكوادرها، بأطبائها، ببنكييها، بكتابها، بمثقفيها، بساستها، بحرفييها، بمقاوليها، وبفلاحيها الصغار… لكنها  مجرد صور براقة لجسد طبقي منخور داخليا. بدأت تنضو عنها قشرة الالتزام والشعور القومي الجماعي واستبدلت بها كسوة النفعية والارتقاء الاجتماعي والمصلحة الذاتية، هي موجودة لكنها تخلت عن الحراك الاقتصادي والسياسي والثقافي، وغدت تائهة بين الشعور الوطني والنزوع “العولمي”، و قيم تجتثها من تربيتها الأسرية المحافظة، وأخرى “حداثية” تقطفها من أشجار الأغنياء، هي موجودة لكن بدور خدماتي استهلاكي بعيدا عن أية إنتاجية وإبداعية.

هي تحس أن الركب تجاوزها في ظل العولمة، لذا فهي إما أنها  تقاوم من أجل الحفاظ على وجودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتعمل على ترشيد نفقاتها والتخلي عن الادخار، أو تمسك للأسف بتلابيب قيم جديدة وغريبة عنها كي تلحق بالركب، بما هي قيم النفاق والمجاملة والتزلف والتسلق والنفعية والوصولية والانتهازية، سواء في الإدارة أو في كواليس الأحزاب السياسية أو في المشهد الثقافي والاقتصادي؛ همها تحقيق الرفه والترف الاجتماعيين، بشكل يليق بوضعها الاجتماعي عوض الدفاع عن المصالح الطبقية المشتركة، في زمن أطلقت فيه الرأسمالية العنان لوحشيتها الجامحة، وتركت الدولة قوى السوق تصول وتجول بالنحو الذي يطيب لها غير آبهة بالهم الاجتماعي، وفي وقت تم فيه خصخصة القطاع العام وتسريح الكثير من العاملين وتضخم البطالة.

وعوض أن تنشغل الطبقة المتوسطة بمشروعها الثقافي والمجتمعي أو الجماعي التنويري، وبسلوكها النضالي، وبوعيها الطبقي، وبتأثيرها المباشر في صنع القرار السياسي وإمداد المجتمع بالأفكار والفن والحكمة والإبداع، كما عودنا على ذلك الوجه التاريخي المائز والناضج للطبقة المتوسطة تاريخيا، حين انشغلت هذه الطبقة بحركة التحرير الوطني وبأوار معارك بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال، بدأت هذه الطبقة تتدحرج حثيثا نحو القاع، مفتقرة إلى الإحساس بالأمان، خائفة من تقلبات الزمن، ومنشغلة – للأسف – بالهم اليومي، وبالاحتراق في حمأة القروض اللامتناهية، وبتغطية الاستهلاك الماكرو اقتصادي العالمي، فما تقدمه هذه الطبقة باليد اليمنى يؤخذ منها باليد اليسرى وخاصة في مجالات التعليم والصحة والسكن.

هي تعلم في قرارة نفسها أن لمسة حانية من الدولة، سواء في مجال التعليم أو الصحة أو الخدمات أو السكن أو الأسعار،  وتخفيف العبء الضريبي على الدخل الثابت، يمكن أن تجرف متاريس انعزاليتها وتشعل من جديد روح الجماعة والشعور القومي التي انسحق تدريجيا تحت طاحونة اليومي، وتجتث جذريا فكرة الهروب والبحث عن سقف آمن في الخليج أو الغرب تلك، التي تراودها كلما تلبدت سماؤها بغيوم اليأس.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *