الطوطمية: هكذا قدّس الإنسان المغاربي القديم بعض الحيوانات… 2/1
يقول الأنثربولوجي البولندي برونيسلاف مالينوفسكي، إنه لا يوجد أناس مهما كانوا بدائيين، دون دين… إحدى تجليات الأديان البدائية، ما يعرف بـ”الطوطمية”… “الطوطمية” كتقديس للحيوان، ضرب من التدين عاشه الإنسان المغاربي القديم أيضا. في هذا الملف، نتعرف على المقصود بذلك، والحيوانات التي قدسها الإنسان القديم في المنطقة المغاربية، لماذا؟ وكيف؟
يقول الأنثربولوجي البولندي برونيسلاف مالينوفسكي، إنه لا يوجد أناس مهما كانوا بدائيين، دون دين… إحدى تجليات الأديان البدائية، ما يعرف بـ”الطوطمية”.
عام 2017 اكتشف علماء آثار نواحي آسفي بقايا عظام يرجح أنها لأقدم إنسان عاقل في التاريخ… المنطقة المغاربية، إذن، تعد من أهم المناطق التي استقر فيها الإنسان القديم تاريخيا، وهؤلاء، إسوة بكل القدماء في أرجاء الأرض، كانت لهم معتقداتهم.
معتقدات يصل العلماء إليها من خلال البقايا المادية، من رسومات وآثار وما إليها… وإذ كنا نتحدث عن بدايات تشكل الفكر الديني، فهذا يحيلنا على مرحلة كان الإنسان فيها بعد يهاب الطبيعة وقواها… ومن ذلك الحيوان.
“الطوطمية” كتقديس للحيوان، ضرب من التدين عاشه الإنسان المغاربي القديم أيضا. في هذا الملف، نتعرف على المقصود بذلك، والحيوانات التي قدسها الإنسان القديم في المنطقة المغاربية[1]، لماذا؟ وكيف؟
يقول عالم النفس النمساوي، سيغموند فرويد[2]، إن الطوطم حيوان بصفة عامة، قد يكون أليفا يؤكل لحمه أو مهابَ الجانب، ونادرا جدا قد يكون نباتا أو قوة طبيعية كالمطر، وتربط بينه وبين الجماعة ككل صلة خاصة.
الطوطم وفق فرويد يعد سلفا للعشيرة من جهة، ومن جهة أخرى روحها الحامي وولي نعمتها الذي يبعث إليها بالنبوءات، بل ويعرف أولادها ولا يفترسهم، وإن كان بالغ الخطورة على أولاد العشائر الأخرى.
اقرأ أيضا: صالون التجميل عند الشعوب الأولى.. هكذا بدأ الإنسان يهتم بجماله! 3/1
من يكون لهم طوطم واحد، يضيف فرويد، يكون عليهم التزام مقدس بالامتناع عن قتله، وأكل لحمه أو التمتع به بأي صورة أخرى… وأي انتهاك لهذا الالتزام، يستتبع العقاب آليا!
كان لكل فرد لدى الشعوب البدائية طوطم خاص، يعرف بالروح الحارسة، ويتخذ في الغالب شكلا حيوانيا يحرم اصطياده، قتله، أو أكله، إلا في مناسبات نادرة، وعادة ما يُحمل جزء منه في شكل تميمة للحماية كريشة أو مخلب أو ناب.
مفردة “طوطم”، بالمناسبة، أُخذت عن “الأوجيبوا”، وهي من اللغات التي يتحدثها هنود البحيرات الكبرى في أمريكا الشمالية، ويستدلون بها على العلاقة الاجتماعية القائمة بين شخصين.
أما أول من أدخلها إلى القاموس الإنجليزي، فقد كان الرحالة جون لونغ، عام 1791م، في كتابه “رحلات مترجم هندي وأسفاره”، في حين استعملت لأول مرة ضمن الدراسات الأنثربولوجية، من طرف عالم اسكتلندي يدعى مكيلين، عام 1820م، عندما كتب مقالا عنونه بـ”الطوطمية”.
مثلت الطوطمية إذن واحدة من أهم المراحل الدينية التي عرفها الفكر الديني الإنساني، وقد كانت، يقول فرويد، نظاما يقوم مقام الدين لدى بعض الأقوام البدائية.
وفق عالم الاجتماع المصري علي عبد الواحد[3]، قامت فكرة الطوطمية على نظام أو عقيدة مبنية على أصل حيواني (أو نباتي أو جماد)، اتخذته العشيرة رمزا إلهيا لها، ولقبا يعرف به جميع أفرادها، الذين يعتقدون أنه خالقهم وأنهم من صلبه، فلا يقتل ولا يتأذى.
أما بالنسبة للمؤرخ الجزائري، كيحل البشير عطية[4]، فقد كان لكل فرد لدى الشعوب البدائية طوطم خاص، يعرف بالروح الحارسة، ويتخذ في الغالب شكلا حيوانيا يحرم اصطياده، قتله، أو أكله، إلا في مناسبات نادرة، وعادة ما يُحمل جزء منه في شكل تميمة للحماية كريشة أو مخلب أو ناب.
اقرأ أيضا: من أين جئنا؟ وما هو مصيرنا؟ نظرية التطور، الانفجار الكبير، الخلق…؟
بالمقابل، يذهب عالم الاجتماع الفرنسي، إيميل دوركايم[5]، إلى أن الطوطم كان مقدسا لكنه لم يرق إلى اعتباره خالقا؛ أي أنه كان مادة تجسد القوى الروحية فحسب.
هكذا، وإن اختلفت “طواطم” عشائر القبيلة، لا بد لها إذا ما تآلفت، من طوطم واحد يضم شملها تحت حمايته… من هنا نشأت، يقول دوركايم، فكرة وجود إله يحمي القبيلة.
هذا الرأي عموما يقول إن التقديس كان موجها لروح الإله التي تسكن الحيوان، وليس لذات الأخير؛ ذلك أنه وسيط سكن الإله فيه وتجلت فيه قدرته الخالقة.
ذاك ما يذهب فيه أيضا مؤرخ الأديان الروماني، ميرسيا إلياد[6]، الذي يقول إن الطوطم لم يكن موضوع عبادة، ولم يعبد لصفته، وإنما لكونه يُظهر شيئا ما ليس هو ذاته، بل الكائن المطلق.
يورد المؤرخون أسبابا متعددة لتقديس المغاربي لبعض الحيوانات، منها أنه شعر بنوع من الحب الخفي تجاه تلك القوى الحيوانية بسبب ما تقدمه له من خيرات متنوعة، كان في مسيس الحاجة إليها، وعدّ ذلك رمزا خفيا للحب فمنحها قدسية بقدر مواز لما تجود عليه.
وينقل المؤرخ الجزائري كيحل البشير عطية عن رائد علم المصريات، عبد العزيز صالح، أن تقديس الحيوان كان مبعثه ثلاثة عوامل رئيسة هي المصادفة والرهبة والرغبة.
صالح يرى أنه عن طريق المصادفة اكتسب الحيوان صفة تميزه عن باقي جنسه، ربما ترتبط بمسكن الحيوان حيث يكون فيه أو بالقرب منه شيء مبارك ينفع الناس. أما الرهبة فتشير إلى اتقاء الشر، والرغبة إلى رغبة النفع والاستفادة من الخير.
هكذا، وإسوة بكل ما عرفته الشعوب الأولى من طواطم، عاش الإنسان المغاربي القديم في بيئته محاطا بأنواع مختلفة من الحيوانات، التي وقف ضعيفا أمام قوتها.
وهو البدائي إذن، رأى أن يقدسها خوفا منها، يقول عطية، ناهيك عن إعجابه بقوتها غير العادية التي يتفقر إليها، كما قد يكون تقديسه لها درءا لشرها أو ضمانا لوفرة الكساء أو الغذاء.
اقرأ أيضا: هكذا نشأت فكرة “الشيطان” لدى الإنسان الأول وتطورت حضارة بعد حضارة ودينا بعد دين 1\4
إجمالا، يورد المؤرخون أسبابا أخرى متعددة لهذا التقديس، منها أن المغاربي شعر بنوع من الحب الخفي تجاه تلك القوى الحيوانية بسبب ما تقدمه له من خيرات متنوعة، كان في مسيس الحاجة إليها، وعدّ ذلك رمزا خفيا للحب فمنحها قدسية بقدر مواز لما تجود عليه.
أكثر من ذلك، استعان المغاربي القديم بمخيلته لخلق حيوانات هجينة، نصف إنسانية ونصف حيوانية، ربطت بين حيواناته المقدسة وبين الشكل الذي تخيله لآلهته، يضيف عطية في بحثه، مشيرا إلى أنه لم يقدس تلك الحيوانات تحت أسمائها الحيوانية الأولى، بل أوجد لها أسماء أخرى.
فكيف قدس الإنسان المغاربي القديم الحيوان إذن؟ ما هي الحيوانات التي حظيت بتقديسه؟ ولماذا؟ ذاك ما سنتعرف عليه في الجزء الثاني من هذا الملف.
لقراءة الجزء الثاني: الثور، الكبش والأسد: هذه بعض الحيوانات التي قدّسها الإنسان المغاربي القديم 2/2