محمد محاسني: الإسلاميون والمناصفة… والمغالطات - Marayana - مرايانا
×
×

محمد محاسني: الإسلاميون والمناصفة… والمغالطات

هذه عينة بسيطة من كم كبير من المغالطات التي يروج لها الإسلاميون كلما تعلق الأمر بنقاش عام، حول قضية من القضايا المصيرية لمجتمعنا المعاصر. وهم إذ يلجؤون للتغليط في الخطاب وللحربائية في السلوك، فلأن بضاعتهم كسدت بفعل الزمن، وأضحوا عاجزين عن مقاومة مد العصرنة والتحديث. وأخشى ما يخشونه، أن تلفظهم يوما مختلف شرائح المجتمع دينيا، كما لفظتهم سياسيا في معظم ربوع الوطن المسمى عربيا. لذلك فهم يعتقدون أنهم، بإثارة كل هذه الجلبة، سيستمرون في تنويم أتباعهم البسطاء إلى الأبد، وفي التحكم في المجتمع عن طريق تأبيد السيطرة على المرأة والطفل، تمهيدا للتحكم التام في كل مفاصل الدولة لاحقا.

احتدم الصراع من جديد، في الأسابيع الأخيرة، بين قوى المحافظة ومختلف الفعاليات الجمعوية والحزبية ذات التوجه الليبرالي، حول مراجعة مدونة الأسرة، وتحديدا ما يتعلق بالمناصفة بين الرجل والمرأة في الإرث.

يقود حزب العدالة والتنمية بالخصوص، الخارج لتوه من ولايتين حكوميتين متتاليتين، حملة شعواء ضد المنادين بتساوي الحقوق بين الجنسين، بما في ذلك الإرث، بذريعة وجود نصوص شرعية على المسلم الإذعان لمقتضياتها، بصرف النظر عن مذى تجاوبها مع روح العصر؛ والمقصود بروح العصر: القيم الكونية المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتفاقيات المكملة، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وغيرها، والتي وقع عليها المغرب، مكرها أو عن طيب خاطر، ولم يجرؤ الحزب إياه على مراجعتها بأية حال، خلال الولايتين المذكورتين.

المثير في هذه الحملة أنها تشبه تماما زوبعة، سبق وأن عايشناها بداية التسعينات، حيث توحدت كل التشكيلات الإسلامية، حول مطلب واحد: إسقاط مدونة الأسرة، لتعارضها الصريح مع مقتضيات الشرع. لكن، حين أقر الملك مشروع المدونة، بلع الإسلاميون جميعا ألسنتهم، بل وباركوا هذه الخطوة الجبارة في طريق التمكين للمرأة، بما لا يخالف شرع الله!

اليوم، يعود بعض قياديي حزب العدالة والتنمية للعب على وتر شرع الله، و”المعلوم من الدين بالضرورة“، والفتنة النائمة، بهدف إيهام أتباعهم، والناخبين المحتملين، والواقفين على خط التماس، بأن الدولة والجمعيات المدنية والفاعلين في مجال حقوق الإنسان، يريدون مسخ هوية المغاربة ورهنهم بقيم وممارسات الغرب المنحل، مما يشكل خطرا محدقا بالأسرة المغربية المسلمة، وغير هذا من الشعارات المتكلسة والمكرورة.

هكذا، تحدث السيد بنكيران عن “خطوة يائسة وتطبيق لأجندات خارجية، في تحد صارخ لاستقلال القرار الوطني وانتهاك فج للسيادة الوطنية”.

وتحدث السيد مصطفى الخلفي، (الناطق الرسمي باسم الحكومة سابقا) لإذاعة أصوات، عن النصوص القطعية في القرآن، والتي لا يجوز الاجتهاد فيها بأي شكل من الأشكال.

وتحدثت السيدة إلهام والي (القيادية بمنظمة نساء العدالة والتنمية) لهوية بريس، عن الخطر الداهم، المحدق بالأسرة المغربية المسلمة ب “الفطرة”.

كما هاجم الحزب السيدة آمنة بوعياش (رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، بضراوة، متهما إياها بالتحيز لاتجاه “فكري وسياسي لا يعكس تعددية المجتمع المغربي” وإقصاء “حساسيات واسعة موجودة ومتجذرة في المجتمع المغربي”. وهو هجوم ارتعدت له، من بعيد، فرائص السيد عبد اللطيف وهبي (وزير العدل الحالي) نفسه، ليسارع إلى التأكيد على أن الغرب “لا يجب أن يفرض تصوره للأسرة على الأمة الإسلامية”.

العدالة والتنمية ليسوا لوحدهم من يتصدى لمقترحات تعديل مدونة الأسرة. فكما يحدث دائما في كل المحطات المشابهة، يتحد أبناء عبد الواحد، ويتسلحون بكل الوسائل الممكنة لسد الطريق على كل محاولات العصرنة، لأنهم يدركون تماما بأن في ذلك تهديدا لوجودهم؛ فالتحكم في المرأة والطفل هو سبيلهم الوحيد لتأبيد تحكمهم في المجتمع كاملا.

هكذا، نرى إدريس أوهنا، (أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة)، يصرح لهبة بريس بأن “الأصول والقطعيات، لا تقبل الاجتهاد من حيث تبديل الأحكام المتعلقة بها”.

ثم يؤكد رشيد بنكيران (أستاذ بمعهد غراس للتربية والتكوين وتنمية المهارات) بأن الحداثة في المغرب “لا يهمها موضوع مناصفة المرأة للرجل، وإنما تستغله لـ “الإجهاز على قدسية القرآن الكريم في نفوس المغاربة”. و”من هادي للكارو”: “الزنا واللواط والسحاق والتعايش مع الأم العازبة والسماح بالإجهاض والتبني” .. وقيام الساعة، لم لا؟

وأخيرا، الداعية مصطفى بنحمزة، في فيديو منشور على قناته، يهرب موضوع النقاش، والذي يتمحور في الأصل، حول تمكين المرأة دستوريا من حقوق مساوية تماما للرجل، إلى المناصفة في حفظ القرآن ومحو الأمية والتسلح بعلوم الفقه والشريعة من مصادرها، فيما يظل الرجل أميا.

لا يهمنا عرض المزيد من التصريحات العجيبة للإسلاميين على اختلاف مشاربهم، ما يعنينا في هذه العجالة هو كشف التناقضات والمغالطات المنطقية والواقعية التي تعج بها مثل هذه التصريحات، والتي يمكننا التطرق إليها حسب ترتيب ورودها في هذا المقال.

تطبيق لأجندات خارجية (تصريح بنكيران)

منطقيا: الحديث عن تطبيق أجندات خارجية، يندرج في إطار مغالطة تسميم البئر. بمعنى رمي شخص أو جهة ما بتهمة لا دليل عليها، بهدف نزع كل مشروعية عن هذا الشخص أو هذه الجهة، في كل ما سيقولانه لاحقا.

واقعيا: المفروض أولا فيمن يرمي غيره بالارتهان لأجندات أجنبية، ألا يكون له أي ارتباط بالخارج. والحال أن البيجيدي مرتبط حتى النخاع بالاتحاد العالمي للإخوان المسلمين، ولا يتوانى في تطبيق توجيهاته بمنتهى الحرص. هل يستطيع السيد بنكيران، بالمقابل، أن يدلنا على الجهات الخارجية التي يرتهن لها الحداثيون؟

النصوص القطعية (تصريح أوهنا والخلفي)

منطقيا: تشوب الكلام عن القطعيات مغالطة “الاحتكام إلى السلطة” حيث يتم التحجج بسلطة القائل، عوض الإحتكام إلى مدى التماسك المنطقي أو مدى واقعيه هذا الكلام. أي أن كل كلام يفترض فيه أنه صادر عن الإله، يجب تطبيقه بالحرب، ولو تعارض منطوقه مع المصالح الدنيويه للمؤمنين به.

لا يخبرنا السيد أوهنا عن رأيه في أخر تعديل ساوى بين الرجل والمرأة في الشهادة مثلا. هل نحتاج لتذكيره بأن هناك آية قطعية في القرآن تقول: “واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى”. وما دمنا نتحدث عن النصوص القطعية، فالحري بنا أن نقف عند الآية 33 من سورة الأحزاب: ” وقرن في بيوتكن..” ونلزم نسائنا بالعودة إلى بيوتهن، وكفى الله المؤمنين شر المناصفة.

الخلفي بدوره يشهر سيف النصوص القطعية. طيب، في النصوص القطعية هناك قطع يد السارق، والجلد والرجم وضرب المرأة، وغيره، مما لا  يطالبون بالعودة إلى تطبيقه بنفس الإصرار والعزيمة.

وبنفس هذا المنطق، هل يمكننا أن نجزم مثلا بأن عمر بن الخطاب قد كفر حين أبطل العمل بقطع يد السارق؟ ثم ما رأيه في نصوص قطعية أخرى معطلة، مثل نصوص الجهاد، وملك اليمين وغيرهما؟ أم أن المرأة هي الحائط القصير في كل الأحوال؟!

هل العبرة بمدى مقدار العدل في نص ما، أم بمدى قدسيته؟ المفروض أن لا قدسية لنص يسلب الناس حقوقهم. إن كان المسلمون مجمعين على أن الله عادل، فيستحيل أن تكون رسالته الأخيرة إلى الإنسانية متضمنة لهذا الكم الهائل من الظلم للمرأة.

الإجهاز على قدسية القرآن (تصريح رشيد بنكيران)

منطقيا: هذه تسمى “مغالطة المنحدر الزلق“. بمعنى أن تربط فعلا ما، بسلسلة نتائج مبالغ فيها، ولا علاقة لها بالفعل الأصلي.

واقعيا: الحديث عن الإجهاز على قدسية القرآن، تكفير صريح لكل من خالفهم الرأي. وأما الزنا واللواط والسحاق فيمكن للمرء ممارستها وهو مسلم، موحد، قانت، حافظ لفرجه.. أحيانا. ألستم توصون من ابتلي بأن يستتر؟

خطر انهيار الأسرة المغربية (تصريح إلهام والي)

منطقيا: يطلق على كلام كهذا لفظ “مغالطة احتمالية الوقوع” أي الإيقان بضرورة انهيار الأسرة، بناء على احتمالية وقوعه، وليس بناء على استقراء أو تحليل لوقائع ملموسة.

واقعيا: هذا هو ما يسمى بتوقع البلاء قبل حدوثه. قد تكون السيدة إلهام على علم بأن المرأة في أوربا عاشت لقرون طويلة نفس وضعية في العالم الإسلامي اليوم، مع تمايزات طفيفة. فهل انهار مجتمع واحد في أوربا نتيجة لتمكين المرأة من كامل حقوقها؟

تعددية المجتمع (بنكيران)

ورقة تعددية المجتمع لا يشهرها الإسلاميون إلا عندما يكون هناك نقاش مجتمي غير مرهون بهم لوحدهم. لكنهم ينسونها سريعا حين يفتون في مصير البلاد والعباد. في إحدى تدويناته في االفيسبوك، يقول السيد بنكيران بالحرف: “المغرب جماعة مسلمة اختارت أن تعيش باجتهادها ونظامها السياسي منذ 12 قرنا”. والواضح أنهم لا يستشعرون أي حرج في الجمع بين الشيء ونقيضه في آن واحد، فالعبرة عندهم بالنتيجة، وليس في مدى اتساق خطابهم وانسجامه مع الواقع.

تهريب الموضوع (الداعية بنحمزة)

منطقيا: يستعمل السيد بنحمزة مغالطة “الرنجة الحمراء”، أي تقديم جملة معطيات أو معلومات ذات جاذبية للمستمع، بغرض التهرب من مناقشة صلب الموضوع.

واقعيا: عندما تتفوق المرأة على الرجل في حفظ القرآن ومعرفة الشريعة حق المعرفة، فلن ينفعها ذلك في انتزاع حقوقها التي أقرتها المواثيق الدولية وليس القرآن والشريعة على مدى اثني عشر قرنا.

هذه عينة بسيطة من كم كبير من المغالطات التي يروج لها الإسلاميون كلما تعلق الأمر بنقاش عام، حول قضية من القضايا المصيرية لمجتمعنا المعاصر. وهم إذ يلجؤون للتغليط في الخطاب وللحربائية في السلوك، فلأن بضاعتهم كسدت بفعل الزمن، وأضحوا عاجزين عن مقاومة مد العصرنة والتحديث. وأخشى ما يخشونه، أن تلفظهم يوما مختلف شرائح المجتمع دينيا، كما لفظتهم سياسيا في معظم ربوع الوطن المسمى عربيا. لذلك فهم يعتقدون أنهم، بإثارة كل هذه الجلبة، سيستمرون في تنويم أتباعهم البسطاء إلى الأبد، وفي التحكم في المجتمع عن طريق تأبيد السيطرة على المرأة والطفل، تمهيدا للتحكم التام في كل مفاصل الدولة لاحقا.

مواضيع قد تهمك

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *