عن الإجهاض والعلاقات الرضائية… دراسة تستعين بـ”فقهاء” لصياغة مُقترحات قوانين جديدة - Marayana - مرايانا
×
×

عن الإجهاض والعلاقات الرضائية… دراسة تستعين بـ”فقهاء” لصياغة مُقترحات قوانين جديدة

في مؤلف جماعيّ بعنوان “الحريات الأساسية في المغرب: مقترحات إصلاحية”، دعا مجموعة من الباحثين إلى مراجعة القانون الجنائي المغربي، الذي تعاقبُ مواده كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، دون عذر شرعي، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، معتبرين أن ذلك يشكل اعتداء على الحريات الفردية التي تضمن الحق في الاختيار وحرية ممارسة العبادة.

في هذا الاتجاه المتعلق بحرية العقيدة، قدم الباحثون الستّة (أسماء لمرابط، إدريس بنهيمة، ياسمينة بادو، جليل بنعباس الطعارجي، خديجة العمراني، شفيق الشرايبي، مونيك الغريشي، محمد الكريزي)، مقترحات قوانين جديدة أو تعديلات، إما بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي.

وإذا تعذر ذلك، يتمّ تعديله ليكون كما يلي: كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي مكشوف، دون عذر شرعی مما يعرض الأمن العام للخطر، يعاقب بغرامة من 12 إلى 120 درهم.

العلاقات الجنسية الرضائية

تطرقت الدراسة أيضا لموضوع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والاعتراف بالبنوة، من خلال التأكيد على أنه “في الوقت الحالي، تعتبر أي علاقة جنسية مشروعة وفقاً للقانون، إذا كان لدى الأطراف المعنية عقد زواج معترف به من قبل السلطات المغربية المختصة. يستمد هذا القانون أسسه من تعريف معين للزواج وفقاً للأعراف الإسلامية. غير أن العلاقات الجنسية الحميمة بين البالغين تقع بالتراضي في مجتمعنا دون أن تلحق ضرراً بأي شخص وغالباً ما تقود إلى الزواج”.

لذلك، يرى الباحثون أنّه لا يمكن حظر هذه العلاقات وفقاً لمبادئ الحريات الفردية العالمية، التي تعطي الحق لكل مواطن بالتصرف بحرية في جسده. في حين أنه يمكن لهذه العلاقات في المغرب أن تؤدي بالطرفين المعنيين إلى السجن وفقاً للقانون الجنائي الحالي.

الإشكال الذي يطرحه الباحثون هو: كيف يمكن تسوية الشد الكائن بين التحريم الأخلاقي للعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج والنظام السوسيو-ثقافي المشبع بقوة بالأعراف الدينية وواقع اليوم؟

لكن، في ذات الوقت، يؤكد الباحثون، أن اقتراح إصلاح شامل للقانون الجنائي اليوم لا يشجع؛ كما يفترض البعض، على تحرر جنسي شديد الانحراف، بلا قيود وبدون مراعاة لقيم الكرامة والحشمة والاحترام المتبادل.

الدراسة تبرزُ أنه يمكن للمرء أن يطالب باستمرار ارتباط الأخلاق الدينية والصياغة القانونية. ويمكن أن تُستوحى القوانين من التوجهات الأخلاقية الإسلامية، التي وإن كانت تدين أخلاقياً الممارسة الجنسيّة خارج إطار الزواج، فإنها كذلك صارمة في اقتضائها للإثبات القاطع لأيّ اتهام، وهو ما يجب أن يُفهم على أنه احترام لحرية أولئك الذين يمارسون عن عمد هذا الفعل الذي يعتبر خاطئا أخلاقيًّا لدى البعض .

هنا، يخلص الباحثون: إنه “خطأ أخلاقي” إذا قمنا بتقييمه من وجهة نظر دينية بحتة، ويندرج ضمن حرية المعتقد بالنسبة للفرد، وليس جريمة يجب إدانتها بقوانين شديدة القسوة. وعليه، فإن الأمر يتعلق بتغيير شروط النقاش، وإخراجه من إطار الردع القانوني القمعي إلى التوازن العادل بين الواجب الأخلاقي في الحياة الاجتماعية وضرورة احترام الحريات الفردية، أو بعبارة أخرى كرامة المرأة والرجل.

في هذا الباب، يقترح فريق الباحثين أن يأخذ المشرع بعين الاعتبار أن أي ممارسة جنسية رضائية، بين طرفين بالغين، هي حرية فردية، لا تؤدي إلى إلحاق أي ضرر بالآخرين، إلاّ في حالات الخيانة الزوجية. إضافة إلى ضمان حرية الفضاء الخاص الذي تتم فيه هذه العلاقات، من خلال منع السلطات من دخول مكان خاص، لأغراض تتعلق بممارسة علاقات جنسية بين بالغين بالتراضي.

ماذا عن التوقيف الإرادي للحمل؟

يطرح معدو المؤلف مسألة الإجهاض أيضا، وعرض مشكلتها ضمن القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب على التوقيف الإرادي للحمل بالسجن النافذ، وفقاً للفصول من 449 إلى 452 ومن 454 إلى 458 ولا يسمح بذلك إلا إذا كانت حياة أو صحة المرأة الحامل في خطر، وفقا للفصل 453.

ومع ذلك، يشدد الباحثون أنه يتم إجراء ما بين 500 و800 عملية إنهاء حمل بشكل غير قانوني يوميا، وفقا للجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري. ويتم إجراء معظمها في الخفاء، وفي ظروف يمكن أن تكون خطرة جداً على صحة المرأة بل وحتى على حياتها.

لكن، يعتبر فريق الباحثين المغاربة الذين أصدروا هذا المؤلف، أنه يمكن أن يتم الإجهاض من أجل الإنهاء الآمن للحمل لغايات علاجية، كإنقاذ حياة الأم، أو لغايات طبية من قبيل معاينة حالة تشوه الجنين؛ أو حتى لأسباب اختيارية.

يقول الباحثون في هذا الصدد إن القانون أخذ حياة الأم بعين الاعتبار سلفاً، أما مسألة تشوه الجنين، فهي حالياً موضوع اقتراح لقانون العقوبات الجديد منذ سنة 2016 والذي يأخذ أيضاً بعين الاعتبار حالات الاغتصاب وزنا المحارم والإعاقة العقلية.

غير أن هذه التعديلات لم تر النور بعد، في حين أن الإجهاض بشكل اختياري لا زال مطروحا للنقاش، ويشكل موضوع العديد من النقاشات حول الآثار الاجتماعية والنفسية الوخيمة على المرأة في حالة الحمل غير المرغوب فيه، وأيضا على المولود الذي يعتبره القانون والمجتمع “غير شرعي”.

هكذا، يشير الباحثون إلى أنه لا القرآن ولا الحديث يذكر صراحة الإجهاض، سواء من حيث الجواز أو النهي، وأنه يتم التطرق إليه فقط من خلال المذاهب المختلفة وبعض المفسرين، ما يفتح الطريق لمناقشات بعيدة النظر بين العلماء.

لكل ذلك، يقترح الباحثون مجددا “إعادة صياغة القانون الذي يعاقب على الإجهاض في المغرب والسماح بمزيد من المرونة من أجل مراعاة، ليس فقط استعجالية الحالة الصحية الجسدية للمرأة، ولكن أيضا، حالتها النفسية والاجتماعية، بحيث توجد العديد من التوصيات الدينية التي تسمح بالاختيار المستنير مع احترام أخلاقيات روحية معينة.

في الواقع، من المفارقة أن نلاحظ أن الرأي القانوني للعلماء القدامى، والذي كان دينياً في الأساس، كان أكثر مرونة، بل وحتى طليعياً مقارنةً بالرأي الذي يدافع عنه اليوم غالبية علماء الدين المعاصرين”.

المثير أن فريق إعداد الدراسة، يجد أن الإطار المرجعي الإسلامي، وخاصة الفقه الإسلامي الكلاسيكي، يعطي مدى واسعاً للغاية بل وحتى “حرية الاختيار”، والتي يمكن ويجب دعمها وتأطيرها بسهولة اليوم بالبيانات الطبية لتمكين تطوير تشريعات لينة ومرنة وأخلاقية، وهذا مع احترام الحق في الحياة لطفل المستقبل، والحق في احترام الاختيار الجسدي والنفسي والاجتماعي للمرأة وخيار الزوجين.

أما عن الصيغة التي تم اقتراحها لتعديل الفصل 453، فهي ما يلي:

لا عقاب على الإنهاء الطبي للحمل متى تم إجراؤه على جنين لم يتجاوز 12 أسبوعاً من انقطاع الحيض وعندما يهدف إلى إنقاذ حياة الأم أو الصحة الجسدية أو العقلية للأم ويتم إجراؤه علانية من قبل طبيب أو جراح.

في النهاية، يشار أنّ المواضيع التي تطرقت لها الدراسة عديدة، منها الإرث والثروة الأسرية، إلخ. لذلك، دعا مؤلفو الكتاب إلى تعزيز الحريات الأساسية في المغرب، وعلى وجه الخصوص إلى إصلاح جديد لمدونة الأسرة وضرورة تعديلها بعد مرور عقدين من الزمن على اعتمادها.

بناءً على هذه الملاحظة، اعتبر المؤلفون والمؤلفات أنه من المناسب والضروري الانخراط في تفكير عميق، والاستفادة بشكل كامل من إنجازات المدونة وتقوية وإعادة تشكيل وتعزيز ترسانتنا القانونية في هذا المجال.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *