كفالة الأطفال: حين يتّفق المجتمع والقانون على… أن تكون ضحيّة حياة! - Marayana - مرايانا
×
×

كفالة الأطفال: حين يتّفق المجتمع والقانون على… أن تكون ضحيّة حياة!

الكفالة، خلاف التبنّي، لا تخوّل للكفيل أن يمنح نَسَبه للمتكفّل به ولا تمنح حقوقا في الإرث واقتسام الثروة.
بمعنى… أن ترعى طفل غيرك (يتيم، مُهمل…)، أن يصير ابنك، دون أن تنسبه لنفسك. تماما كما لو أنك جلبت إلى بيتك، قطة أليفة او عصفورا بقفص.

لسبب ما، تخلى الوالدان عنه، أو أهملاه…

يرمقه المجتمع بدونية، وحين يرغب أحدٌ ما في التكفّل به، يصادر القانون آخر ما تبقى من مرادفات حياته بمسطرة معقدة وبشبه حقوق لا تسمح بإدماجه في المجتمع كباقي البشر.

في هذا الملف، نستقصي كفالة الأطفال في المغرب.

التبني، الكفالة… ما الفرق؟

التبني، ببساطة، أن يجعل المرء طفلا ربّاه في مقام ابنه الحقيقي… أنْ يعتبره ابنا بعبارة أخرى.

يُدعى هذا الطفل دعيّا في لغة القرآن: “وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم”[1]. والدعيّ في لسان العرب المنسوبُ إلى غير أبيه.

ما الفرق مع الكفالة إذن؟

لوهلة أولى لا يظهر أي فرق. كل من التبنّي والكفالة يعني رعايةَ طفل ليس من صُلبك وضمّه إلى أسرة غير أسرته المفترضة بيولوجيا.

يغدو الفارق مؤثرا حقّا فقط، حين نعلم أنّ التبني يخوّل للدعي نيل نَسَب الأسرة التي ترعاه.

وبعد؟ يُمكنه أن يرث ومن ثمّ أن يحجبَ الورثةَ الأصليين في بعض الحالات. لا يحقّ له أن يتزوّج ابنة من تبنّوه أو محارمهم… إلخ.

الأسرة المُتكفّلة لا تستطيع حيازة دفتر الحالة المدنية، ما يعني ظهور عقبات أخرى مع كل إجراء إداري. حين ترغب في تسجيل الطفل بالمدرسة مثلا.

الكفالة، خلاف التبنّي، لا تُحدث أثراً من هذا القبيل. لا تخوّل للكفيل أن يمنح نَسَبه للمتكفّل به.

بمعنى… أن ترعى طفل غيرك (يتيم، مُهمل…) دون أن تنسبه لنفسك. تماما كما لو أنك جلبت إلى بيتك، قطة أليفة او عصفورا بقفص.

الكفالة كما يُعرّفها القانون في المغرب: “الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده، ولا يترتب عن الكفالة حق في النسب ولا في الإرث”.

في دين الدولة

في حديث يُنسب للنبي، يقول إنّ “من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام”.

ونقرأ في القرآن: “وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله…”[2].

الموقف من التبنّي في الإسلام واضح. يشرح الباحث في الفقه الإسلامي، إبراهيم والعيز[3]، أن الإسلام أراد بهذا الموقف أن يحمي المجتمع من اختلاط الأنساب.

في مقابل ذلك، ولتكريس هذا المسعى، نجد أن إنكار الابن يستتبع عقاب الآخرة.

فـ”أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين”.

هذا بالنسبة للرجل كما يُنسَب للنبي، أما للنساء، يذكر حديث آخر، فـ”أيما امرأة أدخلتْ على قومٍ من ليس منهم، فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته”.

وماذا عن الكفالة؟

يَذكر حديثٌ عن النبيّ قوله: “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين (وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى).

لفظ اليتيم، بالمناسبة، ورد في القرآن ما لا يقلّ عن عشرين مرة، بما يدلّ على إلحاحه في التكفّل باليتامى…

الذي نخلص إليه أنّ الإسلام ديانة تحثّ على الكفالة، مع الوقوف عند هذا الحدّ دون الذهاب إلى منح المتكفل به نسبَ الكفيل، وذلك لدواعٍ أشرنا إلى بعضها أعلاه.

القانون… قد يُفاقم بينما يَحلّ!

تشير منظمة اليونيسف إلى أن عدد الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات الرعاية بالمغرب يُقدّر بـ100 ألف طفل تقريبا.

هذه المؤسسات تعاني نقصا في التمويل، ومع ذلك، غالبا ما يُوضع بها الأطفال المهملون واليتامى… لأسبابَ تُعدّد منها المنظمة: عدم وجود أُسر حاضنة منظمة قانونيا، وصعوبة الاستفادة من الكفالة.

يتمّ التخلي عن طفل واحد كلّ ساعة في المتوسط حسبما كشفته مؤسسة “مغرب الأمهات العازبات” في وقت سابق.

وفي حين قد تُشكّل الأبوة والأمومة حلماً لمن لا ينجبون ويرغبون في طفل؛ ليس لهم أن يحقّقوه سوى بالكفالة، فإن هذا الحلم ينكسر على أعتاب مسطرة التكفّل التي توصف بـ”المعقدة”.

قانون الكفالة، 15.01، بحسب ما طالعته “مرايانا” من آراء، لا يتجه سوى إلى إيجاد حل مادي لحياة الطفل المُهمَل ولا يراعي مصلحته الفضلى.

يظهر ذلك، على نحو صريح، حين يضع القانون حدا للعلاقة بين الطفل والأسرة التي تتكفل به في 18 سنة.

كأن بالقانون يقول إن الطفل قد بلغ سنّ الرشد وآن له أن يعتمد على نفسه ماديا!

ثمّ إنّه صارم في تحديده للأشخاص الذين بإمكانهم التكفل: أن يكونوا مسلمين، يبلغون سن الرشد القانوني، صالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا، ويملكون وسائل مادية كافية…

… وألا يكون قد صدر في حقهم حكم قضائي في جريمة ماسة بالأخلاق أو ضد الأطفال.

هذه الحالات ليست مجرّدة إنما لديها امتداد في الواقع وتطرح مشاكل جمة…

في حين قد تُشكّل الأبوة والأمومة حلماً لمن لا ينجبون ويرغبون في طفل؛ ليس لهم أن يحقّقوه سوى بالكفالة، فإن هذا الحلم ينكسر على أعتاب مسطرة التكفّل التي توصف بـ”المعقدة”.

سبق مثلا لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة أن رصدت في تقرير لها (2018) حالة لطفل يعيش مع أسرة تتكفل به، خارج القانون، منذ ولادته. هذه الأسرة تتردد في سلك مسطرة الكفالة خوفا من انتزاع الطفل منهم لأن لديهم سوابق عدلية.

الذي يعنيه ذلك ببساطة أنّ الطفل ليس موجودا في حكم القانون، ومحروم من أدنى حقوقه كالالتحاق بالمدرسة.

وأن يكون المتكفّل بالضرورة مسلما مثار جدل كذلك. فأن يعيش الطفل في كنف أسرة غير مسلمة أهون من الوضعية التي يوجد بها.

من “التعقيدات” أيضا أنه ينبغي أن يصدر في الطفل حكم يقضي بكونه مهملا…

ورغم وجود بعض التطوّرات الإيجابية مثل أنّه لم يعد يُشار إليه بـ”مجهول الأب” في المستندات الرسمية، إلا أن المشاكل لا تنتهي.

فالأسرة المُتكفّلة لا تستطيع حيازة دفتر الحالة المدنية، ما يعني ظهور عقبات أخرى مع كل إجراء إداري. حين ترغب في تسجيل الطفل بالمدرسة مثلا.

وهنا ينفتح الجرح… إذ يعرف الطفل أنّه ليس من صلب الأسرة. سيعرف، لكنّ الجرح يصير أعمق في غياب الاستعانة بأطباء نفسيين يُعدّون الطفل للتعرف على الحقيقة، ومن ثمّ تقبّل وضعه.

وضعٌ ليس له من حل، حسبما يراه البعض، سوى إيجاد تدبير قانوني ما يُتيح للأسرة منح نسبها للمتكفل به…

هذا الحل صحيح أنه قد يصطدم بالشريعة الإسلامية، التي تتبناها الدولة في هذا الصدد، لكن من شأنه بالمقابل أن يضمن الصحة النفسية للطفل وأن يحميّه اجتماعيا…

[1]  سورة الأحزاب – الآية 4.
[2]  سورة الأحزاب.
[3]  عن مقاله: “التبني في ضوء أحكام الفقه الإسلامي وقانون مدونة الأسرة المغربية”.

 

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *