“معركة النقط” بين الشغيلة التعليمية والوزارة… حين يستخدم التلاميذ دروعا بشرية - Marayana - مرايانا
×
×

“معركة النقط” بين الشغيلة التعليمية والوزارة… حين يستخدم التلاميذ دروعا بشرية

معظم الآباء في هذه الحكاية لا يؤمنون بنضال الأساتذة، بقدر ما يؤمنون بمصلحة أبنائهم وصون كرامتهم والحصول على نقطهم، التي هي في الأصل… حقّهم.

معضلة رفض الأساتذة تسليم النقط وأوراق الفروض وكل ما يتعلّق بنظام “مسار” لإدارات المؤسسات التعليمية تزداد تعقّدا، فرغم مرور كلّ هذا الوقت على نهاية الدورة الأولى؛ لازال العديد من التلاميذ لم يحصلوا على نقطهم بعدة مناطق بالمغرب.

نقاشٌ تابعه المهتمّون باستهجان كبير لعملية “احتجاز” نقط التلاميذ كـ”رهائن” للضغط على الوزارة الوصيّة على قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي بالبلد.

قبل أيام قليلة، راسلت العديد من الأكاديميات الجهوية إدارات المؤسسات التعليمية للتعامل مع “الأزمة”، فالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة العيون الساقية الحمراء مثلاً، أمهلت المؤسّسات التّعليميّة 48 ساعة كحد أقصى من أجل استلام النّقط من الأساتذة.

في رسالة مستعجلة تمّ توجيهها إلى المدراء الإقليميين، قال مدير الأكاديمية إنه “في إطار تتبع مسك نقط المراقبة المستمرة الخاصة بالأسدس الأول، أطلب منكم مراسلة الأستاذات والأساتذة الرافضين لهذه العملية عبر السلم الإداري تتضمن وجوبا وصراحة ضرورة تسليم نقط وأوراق فروض المراقبة المستمرة للإدارة في ظرف لا يتعدى 48 ساعة منذ تاريخ التوصل بالاستفسارات”.

كما شددت المراسلة أيضا، بأنه في حال استمرار الوضع، فـ”الإدارة ستكون مضطرة إلى اعتبار الامتناع سلوكا منافيا للقوانين الجاري بها العمل، مما سيمس بحقوق طرف ثالث، سيترتب عنه اتخاذ إجراءات زجرية قد تصل إلى حد التوقيف المؤقت المصحوب بتوقيف الأجرة”.

خطورة الوضع لم تقف عند حدود وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، بل تجاوزتها لتطرق أبواب وزارة الداخلية، حيث وجه عامل إقليم تاوريرت مراسلةً إلى المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمنطقة، لـ”إثارة انتباهه” لقضية رفض مجموعة من أطر الأكاديمية، ملء وتسليم استمارة التنقيط الخاصة بالتلاميذ، مطالبا في نفس المراسلة، بـ”اتخاذ اللازم”.

“باطلٌ يراد به حقّ؟”

مرحلة إعداد نتائج التلاميذ في مختلف الأسلاك التعليمية، يجب أن تبدأ من عملية إغلاق المسك والمستويات الدراسية، وبعدها يتمّ حساب المعدلات، وبالتالي يتم استخراج بيانات النقط والعمل على وضعها في صيغتها النهائية، وتسليمها للتلاميذ. لكنّ هذه العملية في المجمل تشهد عرقلة حقيقية بسبب تمسك الأساتذة بخيار “رفض مسك النقط”، في إطار احتجاجاتهم ضد الوزارة.

في تصريحه لمرايانا، يرى نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، أنّ هذه المعركة هي “باطل يراد به حقّ”، مشيراً أنّ “من حق الأستاذ أن يناضل لأجل حقوقه، لكن دون إقحام التلاميذ في معركة كسر العظام مع الوزارة الوصيّة واستغلال نقطهم وحقوقهم ومصلحتهم للضغط عليها”.

عكوري شدد أنّ “الفيدرالية تتواصل باستمرار مع الوزارة لحلّ هذا المشكل، فالعديد من التلاميذ في المستوى الثانوي في حاجة ماسة إلى نقطهم للتقدم لجامعات ومعاهد في المغرب وخارجه، وبالتالي ليس من حقّ الأساتذة حرمان هؤلاء التلاميذ من الفرص المتاحة أمامهم. ينبغي احترام تكافؤ الفرص بين تلاميذ التعليم الخصوصي ونظيره العمومي”.

رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب قال كذلك إنّ “من حق التلاميذ الحصول على نقطهم، ويجب أن يحترم كلّ طرف حقوقه، فكلّ ما يحدث يضرّ بالتلاميذ فقط باعتبارهم الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية. بسبب الإضرابات، جرى هدر آلاف الساعات من الزمن المدرسي، والمتضرر هو التلميذ، والآن يتم رفض مسك النقط وإدخالها في “مسار” ما يُعثر توصل التلاميذ ببيانات نقطهم. والمتضررون هنا أيضا هم التّلاميذ”.

لكلّ ذلك، دعا عكوري إلى إبعاد التلاميذ ومراعاة مصلحتهم ابتداءً، وإيجاد صيغ أخرى للاحتجاج المشروع في إطار القانون، بشكل لا يمسّ مصلحة التلاميذ أو يضرّ بمستقبلهم؛ فحتى لو حدثت اقتطاعات في أجرة الأستاذ أو تمّ توقيفها، فذلك لن يعيد للتلاميذ الزمن المدرسي الذي تمّ هدره في السنوات الأخيرة. من حق المتعلمين على الوزارة والأساتذة أن تصان كرامتهم”.

“مشاكل عديدة”

أحد أساتذة أطر الأكاديميات (المتعاقدين)، شدد أنّه لم يعد ثمة بديل عن هذه الخطوة التي وصفها بـ”النضالية”، والتي تأتي بعد كل ما اعتبره أخطاء الوزارة الوصيّة، التي يقول إنها “لا تحترم كرامة الأساتذة ولا التّلاميذ. عناد وزارة التربية الوطنية وتهرّبها من تحمل المسؤولية وخضوعها لإملاءات المؤسسات المالية الدولية أضر بقيمة المدرسة المغربية”.

الأستاذ الذي فضل عدم الكشف عن هويّته، يقول في تصريح لمرايانا إنّ “ما يزيد الطين بلة أن الوزارة لا تستدعي التنسيقيات لأي اتفاق، وتراهن على النقابات التي سحبنا منها الشرعية للدفاع عنا منذ سنوات. كما أنّ عملية مسك النقط بدورها لم تبين أية نية للوزارة لاحترام كرامة الأساتذة، فهي لم توفر لهم لا شبكة ولا هواتف ولا حواسيب للقيام بالعملية”.

المتحدث يطلب من الأولياء “تفهّم هذه الخطوة النضالية”، قائلا إنه “مكّن التلاميذ من نقط الفروض داخل القسم مثله مثل باقي الأساتذة الآخرين، واطلعوا عليها، وهي رهن إشارة الآباء والأمهات في أي وقت وحين”، مشيراً أنّ “اللّوم ينبغي أن يتجه نحو الوزارة التي جاءت بمختلف المخطّطات التّخريبيّة التي أجهزت على المدرسة العمومية، وداست على كرامة الأستاذ والتلميذ معا”.

لكن معظم الآباء في هذه الحكاية لا يؤمنون بنضال الأساتذة، بقدر ما يؤمنون بمصلحة أبنائهم وصون كرامتهم والحصول على نقطهم، التي هي في الأصل… حقّهم.

“معركة مسك النقط” هي خطوة “نضالية” تتمسك بها خمس تنسيقيات داخل قطاع التربية الوطنية: “التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد”، و”التنسيقية الوطنية للمقصيين من خارج السلم”، و”أساتذة “الزنزانة 10″، و”الأساتذة ضحايا النظامين”، بالإضافة إلى “تنسيقية ضحايا تجميد الترقيات”… وهي التنسيقيات التي رفضت بشدّة مخرجات اتفاق 14 يناير حول النظام الأساسي.

في النهاية، يظل التلميذ الضحية الأولى والوحيدة لمعركة تدور على أبواب مستقبله ومصالحه. معركة، يكون على التلميذ فيها، الوقوف بعجز أمام سلطة رمزية، قررت لأول مرة في تاريخ العلاقة التاريخية التي تجمع الأستاذ بالتلميذ، أن تستعمل هذا التلميذ، كدرع بشري لحماية نفسها ومصالحها، دون أدنى اهتمام أو شعور بالذنب، تجاه الضرر التي يمكن أن تلحقه.

المغاربة البسطاء، كانوا يعتبرون أبناءهم على الدوام، “أمانة” عند الأستاذ، وكانوا مطمئنين إلى أنه سيصونها…

لم يكن يدر بخلد أحدهم ربما، أن أيادي الأستاذ هذه المرة، ستمتد لتلك الأمانة، وأنه سيستعملها، دون إذن أو إخبار، كسلعة للمقايضة.

مقالات قد تثير اهتمامك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *